جاء في قاموس المعاني أن تفقد الشيء معناه أن تطلبه عند غيبته ، وتفقد صاحبه أي طلبه عند غيبته ، وتفقد الأحوال أي لاحظها راقبها وتمعن فيها ، ومنها تفقد الراعي الرعية .وفقد فعل خماسي متعد . من أحسن قصص(التفقد)،هي تفقد يوسف عليه السلام لصواع الملك ، يوسف النبي إبن سلالة الأنبياء، يتفقد صواعاً من فضة لايسوي شيئا ً فيما يملك ! وهو في أعلى هرم السلطة أمر يوسف عليه السلام بالبحث عن صواع الملك في العير التي جاءت للتجارة، وأردف أمر البحث بحوافز لمن يعثر عليه في زمن جاعت فيه الرعية ، وجف فيه الزرع والضرع . إنها عاطفة البنوة وشوق الإبن إلي أبيه وكيف الطريق الي رؤيته فكان (الصواع) عربوناً للقاء..وتمسك عليه السلام بالقوانين وتطبيقها علي من وجد الصواع في رحاله، وكان التخطيط الرَّباني بضرورة العثور عليه في رحل أخيه بنيامين لتستمر القصة المشوقة بتحقيق رؤية النبي حينما أسْر إلي والده ... إني رأيتٌ أحد عشر كوكبا ً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين . فقد سيدنا يوسف عليه السلام الصواع ،وعاد به بأبويه وإخوته . وتفقد سيدنا سليمان الهدهد وهو أكبر وأشهر داعية إلي التوحيد والي عبادة الله الواحد الأحد ، فقد قطع مسافة 6000 كيلومتر، وهي المسافة التى تفصل بين القدس واليمن ذهابا ً وإيابا ً. سيدنا سليمان عليه السلام (تفقد)الهدهد وهو يجلس في مجلسه متفقدًارعيته. والهدهد يعتبر من الطيور، وهى مخلوقات خفيفة الوزن سريعة الحركة.ضرب الله سبحانه وتعالي بها أمثالا ً عجيبه ، منها في سورة(الجمعة) الآية رقم (8) في حركة الطير والطيران في الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم . فكيف يفر الانسان من شئ ويجدة أمامه،الأمر الطبيعي عند الفرار أن يكون الخطر إلذي فررت منه خلفك ! والملاقاة لاتكون إلا بالمواجهة! إنها بلاغة القرآن وواقع الأمر الذي يثبته العلم الحديث . وقد أثبت العلم الحديث أن الطائر لايستطيع أن يطير عاموديا ً كما تطير بعض الطائرات الآن ، والوضع يتعلق بالجاذبية وعلم الفيزياء . عاد الهدهد إلي مجلس سليمان وتحاور معه في لغة عجيبه أحطت بما لم تحط به قوة في الحوار وتحدي في علم المعلومات . تفقد سيدنا سليمان الهدهد وعاد بمملكة بأكملها راعياً ورعية إلي طريق الهداية وعبادة الله عز وجل. كثير من المفسرين والمحللين تساءلوا عن سر تفقد سيدنا سليمان عن الهدهد، ومعظم التفاسير لم تذهب إلي أن الهدهد داعية إلى التوحيد وله تكليف من المولى عز وجل ان يأتي ببلقيس الملكة صاحبت الرأي السديد وصاحبة الأمر في قومها ، ولعظمة الموضوع لجأت اليهم ، وتحايلت بالهدايا إلى نبي أعطاه الله ملكاً لم يعطيه لأحد من قبله ولا من بعده..تفقد الهدهد والتفقد لا يكون إلا لأمر تطلبه حين تحتاجه . أن تفقد شيئاً عزيز ثم لاتجده تشعر بالأسى وبالإبتلاء، من أشد الإبتلاءات وأعظمها الموت فقد خصه سبحانه وتعالي في كتابه وتسميته دون غيره من الإبتلاءات بأسم المصيبة فقال: سبحانه وتعالى(فأصابتكم مصيبةُ الموت) والموت هو المصيبة التي لايمكن أن «تنجبر» بغيرها . قد تفقد المال ولكن ربما يغتني الفقير بعد عوزٍ بمال وفير، قد تفقد الصحة وينعم عليك المولى بالصحة فيصح المريض بعد مرض طويل ، وقد يعود الغائب بعد طول فراق وإغتراب! ولكن لن يعود الميت إلي الحياة مرة أخرى . إنها السُّنة الكونية تنقضي آجال.. ويذهب رجال.. وتدور أقوام في فلك الحياة . ولكن الإبتلاء الأعظم في تاريخ البشرية الذي سماه الله سبحانه وتعالي(البلاء المبين) فقال سبحانه وتعالي(إن هذا لهُوَ البلاءٌ المبين) إبراهيم عليه السلام الذى وفى، وقصة الرؤيا الصادقة بذبح إبنه الذى رزقه به الله بعد عمر طويل !! يؤمر بذبح ابنه الوحيد والذي تربطه به عاطفة الأبوة، نجد إسماعيل الإبن يساعد والده «ِإصدع بما تؤمر وستجدني انشاء الله من الصابرين» . تتجلى أعلا مراتب التضحية من إبن يتطلع إلي المستقبل ويستسلم من أجل إرضاء والده بإيمان قوي . تغلبت طاعة الإبن لأبيه من حب الحياة لطفل يافع . بنت رسول الله فاطمة الزهراء أصغر بناته وأحبهم إلي نفسه صلي الله عليه وسلم بكت ثم ضحكت في حضرة أبيها رضوان الله عليها تناست ونسيت أن والدها أعظم الرجال يحتضر وسيفارقها ومصدرفرحها عاطفة البنت إلي أبيها سوف لن تطول معيشتها في الدنيا بعد أن يفارقها أبوها التي تعزه ويعزها ، حنين لاتملك منه إلا أن تضحك في لحظات فراق يعقبها لقاء لاتدري متي! ولكنها علي يقين أنها سوف تلتقي بأعز الناس الي قلبها .نسأل الله أن يغمرنا برحمته ويفرحنا بلقاء والدنا الغالي مع الرسول الكريم . فقد حدث فى هذا الشهر المحرم من ذي الحجة من العام الماضى فقداً لإعز الرجال اهتزت لفقده أسر بأكملها فلم يعد اليوم أربع وعشرين ساعة ولم تعد الساعة ستين دقيقة ! دار الزمن وتوقف لفقده.والدي الحبيب ها قد مر عام كامل على رحيلك وماأقسى أن تتبعثر الكلمات والحروف أمامي ولا أستطيع جمع شملها ببساطة لأن جامع الشمل رحل عنا، عشنا معك ياوالدى وعشت معنا بقلبٍ أبيض صافٍِِ يحب الناس ويتفقد الأهل والأصحاب وهذا ما جعلهم يتدافعون لوداعك ويلقون النظرة الأخيرة على راعي العشيرة ومحب الخير. رحمك الله ياأبي عدد ماعطفت علينا وأحببتنا فاحببناك، لم تفارق البسمة والضحك محياك، كنت مبادراً للضحكة والحكايات السارة وكنت تعتصر الألم وتفرحنا كانك في أحسن حال، قلب يئن وجسم ينحل ماأعظمك من مدرسة مكتملة، أبي الغالي تركتنا وقلوبنا منفطرة وأصدقك القول مازالت عيوننا مبحلقة ووالدتى شفاها الله تتخيل رؤيتك وترهف السمع علها تسمع صوتك لتستجيب لطلباتك ، تركتنا ومازلنا ننتظر مشورتك وقد تأجلت كل أفراحنا فالجميع ينتظر رأيك وحكمتك وقرارك، ذهبت ياصاحب القرار فلم نعد نفرح بحلاوة التخرج أو لحظات الزواج ولا حتى الميلاد .. تأكد ياوالدي رغم الايمان الذي زرعته في قلوبنا ، تأكد حقيقة واحدة أن الأفراح قد ذهبت معك يافقيدنا الغالي «إنا لله وإنا اليه راجعون»