حراسة الشخصيات السياسية من الوظائف المهمة لتأمين وحماية المسؤولين الحكوميين، وتحتاج الى رجال أمن مدربين للتصدي لأي محاولة اختراق أو اعتداء، للمحافظة على سلامة المسؤولين.. اللواء عطا محمد عبدالله كان الحارس الشخصي والأمني للسيد الصادق المهدي إبان فترة الديمقراطية الثالثة منذ تشكيل الحكومة حتى تفاصيل الليلة الأخيرة فى 29 يونيو، والتي أصبحت على الانقاذ 30 يونيو.. اللواء عطا خص (آخر لحظة) بتلك التفاصيل والأسرار الكثيرة والمثيرة وحكايات وذكريات كشاهد عصر لتلك الأعوام الثلاثة.. الى مضابط الحوار... مواقف حدثت لكم وأنتم فى تأمين وحماية السيد الصادق المهدي؟ لم يتعرض السيد الصادق أبداً لأية محاولات اختراق أو اعتداء حقيقي طوال الفترة التي كنت فيها، ولكن أذكر حادثة غريبة، ونحن فى حمايته في يوم كنّا نسير بشارع النيل، وكنّا قادمين من أم درمان، إذ دائماً ما نسير بذات الشوارع، نتجه من البيت الى مجلس الوزراء.. ومرة كنّا نمر بذات الشارع شارع النيل ولما وصلنا مبنى الداخلية.. سألني السيد الصادق قائلاً: (يا عطا انتو ما في شارع تاني تجوا بيهو وتغيروا لينا شوية؟)، فقلت له: (يا سعادتك توجد شوارع لكن شارع النيل أكثر الشوارع أمناً)، ولما وصلنا صينية السيد عبد الرحمن بشارع المك نمر (لقينا واحد مجنون شايل حجر ضرب العربية الراكبنها نحن).. وبالتأكيد العربة الخلفنا رفعتو على طول ...والصادق المهدي نظر إلي بصمت ولم يتحدث لأنه لا يتدخل في عملنا.. وفي التحقيق اكشتفت أنها صدفة ليست إلا، وأن الرجل فعلاً مجنون ويحمل أوراق تصنف حالته الصحية، فأطلقنا سراحه، لكنني استغربت لتصادف السؤال مع الحدث فقلت سبحان الله ..! كيف كانت تغطياتكم الأمنية في الرحلات الخارجية؟ وما هي المواقف التي تعرضت لها وأنت مع السيد الصادق المهدي؟ بالطبع كانت لنا سفريات كثيرة الى الخارج مع السيد الصادق المهدي كرئيس للوزراء، وذهبنا الى دول عربية ودول افريقية واوربية، وكان هنالك دائماً تنسيق أمني ما بيننا والجهات الأمنية في تلك الدول، ومن المواقف التي أذكرها في زيارة لنا الى بريطانيا وأثناء مرافقتنا للسيد الصادق المهدي، كان هناك كلب يتبعني أينما أذهب فكنت أتضايق منه، ولاحظ السفير السوداني ذلك فجاء، وقال لي هل تحمل سلاح؟، فقلت له: (نعم )، فقال لي: الكلب متخصص فى الأسلحة، وفي بريطانيا ممنوع حمل الأسلحة، فقلت له: لكنني حارس رئيس الوزراء، فقال لي: إن الحراسة هنا تخصهم، فلا يوجد شخص يحمل سلاحاً فى بريطانيا إلا في أماكن معينة وأخذوا مني السلاح حتى موعد سفرنا.. موقف آخر عندما سافرنا العراق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين أيضاً حُراسه منعوني من الدخول معه، وقالوا لنا هم أيضاً لا يعرفون الى أين هو سيذهب، لأن هنالك حرس خاص بصدام يتولى هذه المهمة، وهم يعرفون الى بيت من السبعين بيت سيذهبون، فرفضت أن أتخلى عن الصادق المهدي، ولكن السفير قال لي: إنه أيضاً لن يذهب معه، وفعلاً جاء الزمن وأخذوا السيد الصداق بدوننا وذهبوا به لمقابلة صدام، وكنت قلقاً جداً الى أن جاء بعد انتهاء اللقاء.. وفي ليبيا أيضاً كان لنا موقف مع القذافي، وهو تعاملنا مع حُراسه من البنات، وسافرنا أيضاً الى الولاياتالمتحدة في عهد بوش الأب، ولدي موقف أيضاً هو أنني خرجت لشراء أدوية من الصيدلية، لكنني لاحظت بأني مراقب، وأن هنالك من يتبعني وواجهته، فاكتشفت أنه من الأمن الأمريكي، وهو لحمايتنا.. حدثنا عن تفاصيل الليلة الأخيرة وآخر لحظة كانت لك مع السيد الصادق المهدي، والأحداث التي شاهدتها وما سمعت عنه؟ حقيقةً البلد كانت فى حالة حركة سياسية والصادق المهدي كان مرهقاً جداً في عمليات اجتماعات ولقاءات وتشكيل حكومة وانفضاض أخرى.. والصحف تنتقد السيد الصادق بعد أن اُتيحت لها الحريات، وهي كانت مكبوتة في فترة نميري، فكانت آراؤها ناقدة وحادة واستقطابها عالٍ جداً والاقتصاد مترنح والأسعار بدأت في الارتفاع والبلد تعرضت للأمطار والسيول والفيضانات ومشاكل لا حصر لها... والأحزاب السياسية في حالة صراع في تشكيلات الحكومات واتخاذ القرارات يأخذ وقتاً، مما أظهر على الحكومة حالة ضعف وعدم استقرار، وأذكر أن النقابات كانت تُضرب وأحياناً يصادف وجود اضراب لنقابتين أو ثلاثة.. في تلك الليلة 29 يونيو كنّا في الجمعية التأسيسة لمناقشة الميزانية.. وأذكر أننا في الساعة الثانية عشرة ليلاً انفضت الجلسة وخرجنا بالباب الشرقي للجمعية التأسيسية وليس الباب الغربي، ونادني السيد الصادق المهدي وطلب مني الانصراف لأن لديه مشوار خاص.. وكانت آخر لحظة أتحدث معه، وتحركنا نحن نحو منازلنا وأنا ذهبت الى بيت الأسرة في امتداد ناصر وفي الساعات الأولي من الصباح ضرب جهاز اللاسلكي الذي أحمله، وعرفت من زملائي ببيت الصادق المهدي بأنه رجع الى البيت الساعة الثانية بالليل فى ود نوباوي والساعة (2) ونصف جاءت قوة عسكرية للبيت وأوقفها أفراد الأمن، لكنهم في نهاية الأمر دخلوا الى المنزل واكتشفوا أن الصادق ليس موجوداً ...وأعتقد أن الصادق المهدي لاحظ وجود العساكر واكتشف ما يحدث، وخرج من الباب الشمالي لوحده.. ولم يجدوه بطبيعة الحال الى أن تم ما حدث بعدها من أحداث ...!!! بعد ما أخبرك أفراد الأمن بما حدث كيف تحركت وماذا فعلت في صباح 30 يونيو؟ تحركت على الفور منذ الصباح الى مباني الأمن الداخلي في الرئاسة حوالي الساعة الثالثة صباحاً وأنا في الطريق وفي الكوبري وجدت قوة عسكرية متواجدة لم تسألني، ووصلت وقابلت الضابط المتواجد وعرفنا أن هنالك دبابات من الشجرة متحركة نحو الاذاعة والتلفزيون، فاخطرنا مدير الأمن ..وانتظرنا تعليمات أخرى وذهبت لمجلس الوزراء ووجدته محاطاً بالجيش ودخلت حتى وصلت مكتبي بجوار مكتب ريئس الوزراء واستمعنا للبيان الأول للإنقاذ وجاءنا بعد تشكيل القيادة والوزراء للانقاذ.. المقدم الطيب ابراهيم محمد خير، وكان وزير مجلس الوزراء، وطلب منا حصر ما هو موجود في مكتب الصادق المهدي من مقتنيات شخصية وأرسالها الى بيته في أم درمان، وكانت عبارة عن خزينة فيها مبالغ سودانية ودولاب فيه عصايات ومراكيب وجلاليب وهدايا شخصية.. بعد تلك الأحداث الى أين توجهت في العمل وهل قابلت السيد الصادق المهدي مرة اخرى؟ بعد الأحداث قضيت في المنزل حوالي شهرين وظللت أُراقب لفترة من قِبل الأمن، وكنت أحس بذلك أثناء تحركاتي في الخرطوم، ولكن لم يتم القبض علي أو استجوابي الى أن رجعت للعمل مرة اخرى في بداية التسعينات وعملت بدارفور حتى 1997م في الشرطة الأمنية، وبعدها رجعت للشرطة بالخرطوم.. حتى تقاعدت وعلاقتى مع الصادق المهدي لم تنته، فبعد عودته وحتى الآن هنالك تواصل في المناسبات الأسرية وأبناؤه يعرفونني وأنا أذهب اليهم .. تجربتك في حماية الشخصيات السياسية مقارنة بالدول الأخرى هل كنتم على مستوى الجهاهزية والاستعدادات؟ لا أحد يكون جاهزاً وخطته متكاملة، لكن أعتقد أننا قمنا بواجبنا حسب ما هو معلوم في الخطط الأمنية للشخصيات السياسية وهي دوائر أمنية حول الشخص المعني بالحماية ابتداءً من الدائرة الامنية الشخصية مباشرة الى دائرة خارجية هي للأمن، والدائرة الأخيرة هي للشرطة والجيش.. وهنالك تنسيق مع الجهات الامنية في البلاد التي نزورها.. وهنا أذكر أننا درسنا لماذا حدث خلل في حادثة المنصة للسادات، إن الدائرة الشخصية للسادات نقصت شخص واحد كان يجلس في الأمام تحت المنصة وتحرك من مكانه، فتم الاختراق منه وأُطلقت النار على السادات، ولو كان موجوداً على الأقل يمكن أن يكون السيناريو بطريقة مختلفة ، لكن كما قلت لا توجد خطة تأمين متكاملة.. فقط على الأفراد الأمنيين الالتزام بقواعد الخطط الموضوعة للتأمين والحماية والحراسة.