وما زلنا في خيمة الشمولية القابضة الطاغية السوداء.. ترفرف عليها أعلام نوفمبر ومايو.. وما زالت وستظل كدأبها الشمولية تحاول- عبثاً- كسر إرادة الشعوب.. وتكميم الأفواه.. وقتل روح الصمود في أرواح شعوبها.. عندما تصادر الإبتسام والأحلام.. ويتمرد الشعب في تلك الأيام المفزعة ويصنع الحياة.. ويرسم بأشعة الشمس لوحات باهرة الضياء.. ليصبح الزمن زمناً زاهياً.. أنيقاً وبديعاً.. يكتب ويرسم المبدعون من محبرة النزيف.. وفي وجدان شريف.. من مداد الدم الذي إنبثق حاراً يغرغر في صدور أولئك الرجال الشرفاء الذين لمعوا كما الشهب وتفجروا كما النيازك وكتبوا بأجسادهم المطوحة فوق شرفات العالم أرق كلمات الحنين إلى الزمن الآتي.. كتبنا بالأمس عن الغناء ذاك البديع.. الذي أزهر وأثمر في ظل الشمولية.. شمولية نوفمبر ومايو.. ولون الحياة ببديع الألوان وزاهي الأصباغ.. لم يزدهي ويزهر ويزهو الفن وحده.. فقد انفجر سماء الوطن بالأقباس والمشاعل.. وترصعت سماؤه.. بأفلاك باهرة وباهية أضاء الطيب صالح كل أركان الدنيا.. قبل أن يتسلل ضوء شمسه إلى داخل البلاد وكان البروف عبد الله الطيب.. الذي أتى مصطحباً.. محمد المهدي مجذوب.. ومحمد عبد الحي.. ثم النجوم زادت عدد.. والشاعر الكاتب الدبلوماسي.. سيد أحمد الحردلو يحشد مكتبة الوطن بنفيس الدرر.. وهل ننسى الفيتوري.. وهل يغيب ولو لحظة واحدة.. علي المك.. وهل يغفو أو تنام عيون التاريخ عن عون الشريف قاسم.. كل هؤلاء نبتوا زرعاً فارع الأعواد من تربة وطن سخر وعبث بطواغيت الشمولية بل مد لسانه ساخراً من قبضة لن تستطيع أن تخنق شعباً يصنع الحياة.. نعم ليس المسرح وحده الذي إنتعش وجرت الدماء هادرة في عروقه.. وحده.. وليس روعة الغناء والتطريب وحدها.. وليس سيل الكتب والكتاب والأدباء وحدهم.. فقد كان هذا الشعب.. يعيش الحياة.. الرائعة الواثقة وهو في خيمة الشمولية التي لم يأبه ولم يستسلم لها مطلقاً.. وصدق.. صديقي الجميل.. كامل عبد الماجد- سيد الاسم- وهو ينعت تلك الأيام المبهرة.. بالزمن الزاهي.. نعم كان زمناً زاهياً.. وأماسي وليالي العواصم.. تضيئها المصابيح بل تستحم بضياء المصابيح.. حتى ساعات السحر.. وهل ننسى تلك الصفحة الراتبة من صحف الخرطوم.. وعنوانها الجميل- أين تسهر هذا المساء- ونحدد باكراً والشمس في كبد السماء أين نسهر هذا المساء.. ونسهر حقاً وفعلاً وصدقاً مع.. وارن بيتي وناتالي وود.. وهما يتعابثان ويركضان حفاة على «روعة الشعب الأخضر».. وتبكي «ناتالي» بكاءاً مراً ونبكي نحن معها في «الترسو» وهي تخلتج.. «إن حبنا لا يقبل المزاح». صدقت يا نجيب.. إن الفنون والابداع والآداب قد إزدهرت في ظل النظامين الشموليين.. ولكن ماذا عن الذي نعيشه الآن.. أليس هو نظام شمولي.. أم هو علينا أن نصدق الأحبة في الإنقاذ.. بأنه نظام تعددي ديمقراطي تتداول السلطة فيه بين الأطياف والمكونات والأحزاب.. وهل نظام ديمقراطي.. يحتكر السلطة المطلقة لثلاث وعشرين سنة وتزيد.. «طيب» إذا كان نظاماً شمولياً مثل نظام.. نوفمبر ومايو.. إذًا أين نهر إبداعه في الغناء الرصين أين خشبات مسارحه؟؟.. أين مبدعوه من شعراء وكتاب وروائيين.. أين النجوم التي إنحدرت من رحمه طيلة عقدين من الزمان وتزيد..؟ ألا ترون إني في حيرةٍ من أمري؟.. وهل لي مطلق الحرية أن أرتد عن كل الذي كتبت ! وأخالف صديقي نجيب مرةً أخرى؟؟.. لأقول.. إن الفنون والآداب لا تزدهر إلا في ظل الحرية والديمقراطية؟؟.. إذًا دعوني أقر وأعترف إن الانقاذ قد أربكتني تماماً..! كيف لا وهي تستطيع أن تربك الشيطان نفسه..! بل حتى إبليس لن يستطيع فك شفرة الإنقاذ..!!