أقولها هل هزمتني رحلة الانتظار بلا سفر الدواخل.. هل أجلستني مضعفات (الأدعياء) الذين جاءوا على نفسي خلسة وخصماً على ماضي الذكريات الصادق؟ إنني لا أحسبها هزيمة التسلط على مقابض العارفين الصادقين، إنهم أكذوبة حطت رحلها على منافذ القيم الطاهرة، وبدأت تنخر على جسد عرف بالاختزان الإيماني بمبدأ ترسيخ الحكمة حين اليأس والشدة. هل هزمتني رحلة الانتظار لكي أعود بفخر وأحلق في سماء عُرف بالصفاء؟.. هيهات، فقد صفقت أجنحة العرفان وألجمت أفواهها وشردت أترابها لأنها جاءت من وراء خبث مسنود، وقول مردود، تجرد تماماً من الوفاء، وأي وفاءٍ فقد أضحى الوعد أكذوبة، كلٌ يا نفسي، فلتذهب الأعراف الى سكنات الماضي ولا يبقى إلا فتات «التمشدق» بما نحن فيه من ومضات الذكريات، ويبقى التحليق مشدوهاً حتى تأتي السماء بورق الطهر ليغسل تلك النفوس المريضة التي تساهر دائماً على مغامض الذل والهوان باحترافيةٍ، مبدأها المصلحة الذاتية. سادتي لا تهزمني الرياح الفاسدة، ولا تقعدني معضلات الدهر وقسوته، لأنها تأتي دون وعد، في تجربة فاضحة.. وإن عادت أدراجها لا تترك آثارها عندي، لأن معالجاتها عندي لها معايير ومقاييس العمق الإيماني، من خلال ماركة مسجلة بلا رسوم أو قيود أو إيصال دفع مستحق السداد. لا تهزمني رحلة الانتظار الممل، كل الأشياء تسابق نفسها ووقتها، هدوء الأحوال لدي يخاطبني تماماً بأن أكون جزءاً من صدق النفس، والضمير لذا يتنافر من همس الحقد مثقلاً شاكياً وباكياً، ولا أحس بمرارته، رغم أنه في محاولات دائمة ليضع كلتا يديه لينزع تلك القيم التي أعيش بها ولها وعليها، علني أكون في وضع المدامع والمؤلمات، وأتجرد منقوصاً محروساً.. وأذهب ذليلاً لثلة قوم حرموا أنفسهم من نعمة الذات.. يريدون أن أكون في حالة ترف داخلي، وسقوط شنيع في قاع الفراق أعاتب الأعزّاء وأمتنع عن لقاء الأحباء وأغرق نفسي في بحر الظلمات، ولكن بحري متمدد، وموجي معتدل مشبع بتيارالقبول ومنطق الحق الذي يهزم الكبائر والصغائر، ويلفظ تماماً سهام الجرح وإن كان بقدر.. فالحياة مدرسة تتعلم منها وتعلمك أنت لتخرج منها وأنت أكثر صبراً.. ليس المال وحده يدافع عن الجماليات، فالجماليات هبة خالصة لا تحتاج أن يكون لها حارس آخر، أما الذين هم يخفون الجمال من وراء ستار، فغداً مخرسون أنفسهم فإن كنت فظاً دارت عليك الدوائر، وأصبحت بين النزاع وتر مشدود، يعزف بقبح على واجهة الجمال الإنساني، وينهار عرش الأدعياء في منعطف الحياة المتجددة يوماً بعد يوم فلا يدري أين كان من موضع الإحسان ولا يعلم كيف هو وأين هو الآن؟.. الانهزامية والانهزام تأتي دائماً ملازمة لقلوب أبصارها أغفال جودتها الآدمية تشربت من دُن الإفساد فنمت على أرض خصبت بسماد يرفض تماماً مقومات الاعتدال. هزمتني رحلة الانتظارفي تلك الحالة رثاء لهؤلاء، وعرفتني بالقيم الطاهرة لأنها وجدت متسعاً من الوقت في دواخلي، سألت مساحات الوجدات فوجدتني أبكي ظلم الآخرين، والتساؤل عن رحلة الانتظار تستهويني لأنني مشفق على زوال الأحبة في متاهات الرؤية بوزن الدنيا، فالأشياء الدنيوية لها طعم مؤقت يغازلك فيه مفسد الإحسان ويجعلك في حالة الاقناع ويقول لك أنت محق، فكم من دمعة نزلت بحسرة بعد أن فقدت عنصر التسامح، وبدأت لهم الدنيا معتمة ليس فيها حلاوة القول.. التآنس والتواصل والتلاقي والتراحم، فانفقدت الخصوصية في سر التعامل وبدأت الأشياء مسخا وإن كان بعد حين. لذا الثوابت تصنع من الانتظار بسمة في دواخلك فتخرج في أضواء الدنيا لتجمع حصاد القلب العامر بحب الآخرين.. وما أروع مثل هؤلاء تجدهم في سوح الدنيا سيماهم في وجوههم نضرة ومضيئة تحكي عن قلوب غسلت بالماء والثلج واللبن الخالص إنهم متواجدون وليس هم بالأقلية، بل هم بيننا متجولون يلوذون بصمت الأخيار، ويفعلون بما أمرنا به وإن حاولت الولوج لدنياهم خرجت مسرعاً من تلك الاضاءات والهالات الإيمانية التي لا تقبل من ينام، وهو كاره أو منتظر لأمر دنيوي قد يأتي أو لا يأتي، وتلك هي ذريعة المشفق على جرعة ماء والنيل يجري بقربه ينادي العطشى، وأي مخلوق في جوفه كبد رطب، لترتقي النفس الى معاني التقوى. إنني اتطلع لانتظار قادم عبر عبق الذكريات والنفوس مليئة بالاستقرار النفسي، قلوب ملؤها الإيمان حراكها مجرد تماماً من معسرات الحياة الحديثة، كل شيء في موضعه الطبيعي تماماً فهؤلاء وهؤلاء هم متفقون بأن الحياة تحتاج للقناعات التي لا تأتي اختلاء أو مصادفة، فهي تأتي على نسق مصحوب بعظمة الإنسان وإنسانيته إذا ارتقت بقدر من الحرص والدقة التي لا تخلط الأوراق، ولا تبحث عن الاكتساب الرخيص على حساب رحلة الذات الطاهرة، وتلك رايات ومنارات بدأت تلملم أوراقها خوفاً من هجمة الانتظار المجهول في عمق المعاملات الإيمانية.