ü واحدة من مشاكل السودانيين عموماً سرعة دبيب الملل إلى نفوسهم .. وقلة الصبر .. واستعجال النتائج.. وعدم توسيد الأمر لأهله.. وكل قارئ لهذه السطور ستتقافز الأمثلة والنماذج في ذهنه فهو يعرف كذا وكذا ويعرف فلان وفلان من الذين أسندت إليهم أعباء كبيرة ماهم بأهل لها ولا يعرفون عنها أدنى شئ إلا كما تعرف حبوبتي عن الكونترا.. والساندنيستا .. ووترغيت.. وبلاك ووتر.. وكمال شداد إلا أن لكل قاعدة استثناء فهناك من السودانيين من يعرف الدأب والإصرار والتخطيط العلمي المدروس للوصول للأهداف.. ومن بين هؤلاء القلة صديقي وأخي الفنان معتصم عبدالرزاق الجعلي صاحب قناة هارموني وربان سفينتها ومصمم برامجها ومنفذ أفكارها وممول ميزانياتها وجالب إعلاناتها ورئيس مجلس إدارتها.. ورئيس السيدة حرمه والتي تحتل منصب المدير التنفيذي «وما فيش أرجل من كده» أن تترأس المرأة في العمل والبيت ينبئ عن مقدرات إدارية هائلة ومقدرات قيادية مميزة يدعمها تناغم كامل «هارموني». ü معتصم بدأ في إنتاج الإعلانات من وكالة هارموني «واستفزه» يوماً ما عمل الجرافيك وكان من يتقنونه في بلادنا يعدون على أصابع اليد الواحدة.. فتأبى عليه مصمم الجرافيك فكان أن أغلق معتصم على نفسه الباب وتفرغ على مدى عامين كاملين لتلقى علوم التصميم والتحريك بالجرافيك حتى أجاده وبرع فيه.. لكنه عاد من تلك «الحبسة الإنفرادية» بكرش ضخم إذ زاد وزنه بشكل لافت.. ومرة أخري تدخل الإصرار وقوة العزيمة ففرض معتصم على نفسه برنامجاًً صارماً استعاد به شكله ووزنه الطبيعي حتى كاد أن يصبح «حليوة» مرة أخرى بعدما غادر هذه المحطة منذ زمن طويل.. تبارك الله أحسن الخالقين والشاهد أن معتصم القادم من الأبيض بكردفان حيث كان والده يملك (لوري) هناك تدرج في عمله من وكالة إعلان إلى محطة فضائية تلفزيونية نشطة (هارموني) وكان قد اكتسب الجائزة العربية المقدمة من اتحاد الإذاعات والتلفزيونات العربية عن فيلمه الكرتوني (بلطية بنت النيل) وهي فكرته وحواره ورسومه وإخراجه وأي حاجة. قناة هارموني هي أول قناة خاصة سودانية خالصة تعمل بجهد رجل واحد.. ولا تجد أي دعم من الدولة أو منظمات المجتمع المدني مع أنها تضطلع برسالة أو جزء من رسالة هامة وقد حاول وحاولت معه أن تجد قناة هارموني قدراً من الاهتمام وهو على استعداد أن يتخلى عن كل ما في القناة عدا اسمها ثم يضع خبرته وفنه وأحاسيسه خلف أي عمل يطلب منه لصالح القناة حتى تتجاوز عثراتها الصغيرة من أجل حفنة دولارات تنفق في أوجه أقل أهمية مما تقوم به الرسالة التلفزيونية الخطيرة.. وظل معتصم وفياً لفكرته ولقناعته يبذل فيها من حر ماله ما يبذل ويقع ويقوم حتى استقامت على الطريق وها هي صامدة حتى الآن، وأنا أعلم كم من العروض رفضها الجعيلي لتحويل قناته لمنبر سياسي لفئة معينة أو اتجاه حزبي ضيق والتزم بشعارها هارموني قناة كل السودانيين.. وقد كتبت بالأمس مقالاً أعقب فيه على ما جاء في سهرة هارموني (ذوق جيل) وكان بالأحرى أن يقال قبلها (عدم) ولكنني أحمد لضيوف تلك السهرة من الفنانين الشباب أن أعادوا للفنانين اسمهم الأصلي (الصُيّاع) مفردها (صايع) وهم كذلك من هذه الشاكلة الآن.. ولم يضف لقب (الأستاذ) على المطرب أو المغني إلا عندما دخل الأستاذ حسن عطية استديوهات الإذاعة. معتصم سألني بالتلفون بعد أن مدح المقال ووصفه بالموضوعية.. يعني نحن في هارموني عملنا كويس أم لا؟. قلت له بالتأكيد نعم فقد سلطتم الأضواء على فئة وأعمال تستحق البحث والتقييم والعلاج وهذا هو دور الإعلام الهادف.. لكن في برنامجكم خليتو طارق شريف وحيداً وسط كم هائل من الرأي الآخر وحتى المذيعة الأستاذة هدى عمر لم تتمكن من إخفاء انحيازها مع محاولاتها الكلامية التي فضحتها حركاتها.. ومهما يكن من أمر فهارموني قناة مشاهدة وهدى عمر مذيعة ممتازة ومعتصم عبد الرازق الجعيلي صديقي وشهادتي فيه مجروحة. ü واحد مطرب قال (والله خلِّي المشاهدين أنا ذاتي كرهت روحي من كترة ما بتكررني هارموني) إنه ضيق ذات اليد ليس إلا يا حكومة.. وهذا هو المفروض.