بدأتُ في تجميع أفكار لموضوع عن هجرة الشباب، ولكني وجدت توارداً في الخواطر، حيث اضطلعت على موضوع في ذات المضمون، وإن اختلفت الأفكار والتناول، لقد تحدث كاتب الموضوع بصفة معممة داعياً الشباب لعدم الهجرة، ولكنه تلمس لهم العذر نتيجة للإحباط الذي أصابهم بتصريحات المسؤولين عن ضبابية المستقبل بالنسبة لهم، ولكني أقول: إنني أُتابع العديد من المشاريع التي تصب في تأمين مستقبل الشباب، وذلك عندما اقتنع الجميع بأن انتظار الوظائف الحكومية غير مجدٍ.. وأن عشرات الآلاف الذين يتنافسون على وظائف محدودة يصابون فعلاً بالإحباط، حيث أن بعضهم قد ظل يتجول من معاينة إلى أخرى، ومن امتحان لآخر، ومن عام لآخر دون أن يظفر بوظيفة. إن التوسع في التعليم وازدياد نسبة الشباب لا يمكن تغطيته بتوفير وظائف للجميع، ومثالاً للمعالجات فقد لجأت ولاية الخرطوم لابتكار عدة مشروعات لتشغيل الخريجين والشباب.. فهناك مشروع عربات البركة التي تُخصص وتملّك للشباب، ومشروع جمعيات الشباب بالأحياء وهي جمعيات يتم تكوينها بالأحياء وتخصص أعداد من المواتر ثلاثية الإطارات للشباب بالحي، لاستعمالها في نقل النفايات لنظافة الأحياء وتحقيق عائد للشباب، وهي تُستعمل في المناطق التي لا تصلها عربات النفايات الكبيرة. وأيضاً هناك عربات ماروتي، وهي مخصصة لتوزيع السلع وبأسعار مخفضة يقودها ويمتلكها شباب من مختلف القطاعات، وقد علمتُ بأن هذه المشاريع سوف تستمر إذا ما أثبتت نجاحها، بالإضافة الى مشروعات البيوت المحمية.. والصناعات الصغيرة الممولة للشباب من مؤسسة التنمية الاجتماعية، بالإضافة إلى القطاعات الأخرى من غير الشباب. إن السنين الطويلة التي مرت والتي ظل فيها الخريجون والشباب يسعون خلف الوظائف فقط، قد أدى ذلك الى تراكم أعدادهم بهذه الصورة.. ومع هذه المعالجات التي تتم، سيظل باب التوظيف مفتوحاً من خلال لجان الاختيار، وحسب ما أشارت إليه مقترحات ميزانية العام 2013م فإن 30 ألف وظيفة قد تم تضمينها. ولكن مع كل ما نقول فإن الشباب قد أُصيب باليأس وفقدان الأمل، وأن النظرات التشاؤمية التي يتحدث بها بعض المسؤولين عن وجوب شد الأحزمة والمزيد من التقشف، قد أحبطت النفوس. وبكل أسف بدأ بعض الشباب يبحث عن طريقة للخروج مهما كلفه ذلك، وقد سمعت بعض القصص المؤسفة في هذا المجال، فقد حكى لي أحد الإخوان بأن بعض الفتيات أيضاً يسعين للخروج من السودان، وأن منهن من تبحث عن شباب اللوتري لإجراء عقد صوري للخروج معهم كزوجات على أن يُلغى العقد بعد الخروج- وإن صح ذلك؛ فإن هناك خطورة على الفتيات من شباب لا يعرفنه- ومن يضمن أن هذا العقد المؤقت بقصد الخروج فقط، قد يصل إلى مرحلة الإنجاب. إن شبابنا اليوم في حيرة من أمره رغم قيام العديد من المؤسسات والمنظمات التي تهتم بأمره.. فشباب اليوم هو شعب السودان القادم، لذلك على الأبناء الشباب الثبات والعض بالنواجز على الوطن والولاء له، وعلى الشباب أيضاً اقتحام محلات العمل الإنتاجي والاستثماري في مجالات الزراعة والعمل الحر بمختلف أنواعه لأن الوظيفة ما عاد يكفي راتبها لمتطلبات الحياة، ناهيك عن تحقيق الطموحات الأخرى المرتبطة بالاستقرار الأسري. وأقول إن بجانب ما تبذله الدولة من جهد لمعالجة مشكلة بطالة الشباب والخريجين، إلا أن على كافة المؤسسات الأخرى المشاركة في المعالجة، فالقطاع الخاص مؤهل للمهنة بل مطلوب منه ذلك- والطلاب والشباب مطلوب منهم المتابعة والإحصاء. إن وطننا الذي تفجر فيه البترول قبل هذا، وتكشف أراضيه الآن عن كمات من الذهب الخالص، لهو في حاجة إلى شبابه لاستغلال ثرواته التي نأمل أن تصبح في تطلعات شبابه.