سعدت كثيراً في زيارتي لدولة الامارات العربية في الأسبوع الذي يحتفل به شعب الامارات وحكامه بالعيد الوطني يوم 2 ديسمبر الذي يصادف الذكرى الواحد والأربعين لاتحاد الامارات السبع في دولة الامارات العربية المتحدة، تلك الذكرى التي تحمل كل معاني الوحدة والوئام والتكامل، منطلقة من حكمة عربية أصيلة أسس لها حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان- عليه رحمة الله- وأنت في كل ركن من دولة الإمارات، وعلى وجوه أهل الامارات وقاطنيها، تكاد تحس وتتسم عبر تلك الحكمة معماراً وخضرة وجمالاً ونماء وازدهاراً وتسامحا وتألقاً وقبولاً للآخر، كل تلك القيم تحلق في سماء الإمارات بروح مؤسسها التاريخي الذي أرسى دعائمها بقوة الرجال ورجاحة العقل وحكمة الشيخ العالم، وبنفس القوة وبمزيد من الدفع سار بها خلفه من الأبناء وشيوخ الدولة، مع مواكبة لما يجري من حضارة وتطور متسارع في العالم. وأنا أعيش مع شعب الامارات احتفاله بعيد الوحدة الذي أنشئت فيه دولة الإمارات، رأيت كيف يعبر كل مواطن شيباً وشباباً وأطفالاً وحكومة عن حبهم لوطنهم، من خلال المراسم الصادقة الرسمية والتلقائية للاحتفاء بالمناسبة، ولعل أبرز معالم الاحتفالية بهذه المناسبة القومية هو التركيز على غرس الروح الوطنية في المجتمع، خاصة في أوساط الأطفال والشباب الذين لم يعاصروا نهضة الدولة من صحراء قاحلة الى واحة خضراء، ومن قبائل متفرقة الى أمة موحدة متآلفة، ومن حياة قروية بسيطة الى دولة متحضرة، ومن الجهل الى أعلى مراتب التعليم والعلم، وحتى ترتبط الأجيال الحديثة بالتاريخ الناصع لمؤسسي الدولة، كان لابد من التركيز على مسيرة التحول الكبير الذي يوضح بجلاء ما إن سطعت شمس الاتحاد في العام 1971 حتى نهضت الامارات كدولة نموذجية في الجمع بين التقاليد والحداثة، وقد استطاع باني هذا الاتحاد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد من خلال سيرته العطرة أن يحقق ذلك الحلم الذي راوده منذ زمن بعيد، وقد امتلك جميع مقومات القيادة والنجاح في توحيد القبائل، واختصار مراحل تطور الدولة في عقود قليلة، في زمن التفرق والشتات، الذي مرت به الدول العربية في السبعينيات، وحتى اليوم حين انهارت جميع أحلام الوحدة العربية، بينما تحقق حلم بناء وحدة الإمارات، ومنذ البداية ركز على بناء الإنسان قبل العمران، ورسخ مبادئ الاستقرار في الحكم والحفاظ على الهوية، مازجاً التراث والثقافة والفكر بطريقة عفوية صادقة، مكنت لتعميق المعاني الوطنية في المجتمع، حتى جعلته يتقبل التعايش في سلم وتحضر، مع أكثر من مائة جنسية، هكذا كان شأن مؤسسي هذه الدولة وشأن القادة العظام والتاريخيين، الذين وحدوا أممهم، وأطلقوها في سماء التطور والازدهار، ولا شك أن هذه المسيرة مرت بمراحل عسيرة وصعبة لأن الصيغة المتقدمة من أسلوب الحكم كانت تتجاوز ما كان معمولاً به آنذاك في الظروف الاقليمية والدولية، إنها الرؤية المستقبلية التي تضمن حياة الأجيال كي لا تتخبط في واقع موروث، لا يمكن إلا للقادة التاريخيين أن يغيروه، والمعايير هي النتائج وما تحقق في أربعة عقود دليل على صحة الرؤية الثاقبة، يسري نبض الاتحاد في قلب التاريخ، ويستشرق آفاق المستقبل ويتحدى الصعاب في زمن تشهد البلدان التفرق والتشتت والانفصال، وحتى تترسخ معاني الاتحاد وارتباطها بنبض الحياة، جاء نداء شيخ محمد بن راشد حاكم إمارة دبي، بأن تقوم كل المرافق والمؤسسات بغرس شجرة الاتحاد احتفالاً بذكرى الاتحاد هذا العام، وهكذا بدأ الحكام في كل أرجاء الإمارات بغرس الأشجار، تبعتهم آلاف المؤسسات والمرافق بغرس الأشجار التي تعمل البلدية على رعايتها، كما أمر الشيخ خليفة بن زايد حاكم الامارات بزراعة 41 ألف نخلة من أجود الأصناف في المساجد والمدارس على مستوى الدولة، ترمز للذكرى الحادية والاربعين للاتحاد، ولعل ذلك يتوافق تماماً مع قضايا البيئة العالمية، ومع مبادئ الشيخ زايد في نشر الخضرة، وإصحاح البيئة، ولعل أبلغ دليل عملي على ذلك هو وجود أكثر من خمسين مليون نخلة تزين حدائق ومزارع وشوارع دولة الإمارات، وتعمل على إصحاح البيئة فيها، وتشكل مورداً اقتصادياً وغذائياً مهماً، وقد تزامن عيد الاتحاد مع عيد النخلة الذي تقيم فيه بلدية أبو ظبي سنوياً معرضاً دولياً للنخيل والتمر، يستمر لمدة أسبوع، وظل السودان يشارك سنوياً في هذا المعرض، ممثلاً في جمعية فلاحة ورعاية النخيل السودانية الطوعية التي أسست لتوأمة مع جمعية أصدقاء النخلة الاماراتية، التي يرأسها الشيخ نهيان بن مبارك، وزير التعليم ومدير جامعة الامارات، والسودان هو الدولة رقم ثمانية في انتاج التمور في العالم، وفق احصائيات قديمة علماً بأن هناك توسعاً كبيراً في زراعة النخيل في السودان خاصة الأصناف التجارية المعروفة عالمياً، وهذا العام تميز جناح السودان بعرض أصناف التمور العالمية المستجلبة التي أنتجت في مزارع السودان مثل البرحي والخلاصي والمجهول ودقلة نور وغيرها الى جانب أصناف التمور السودانية، التي يفوق عددها الثلاثين صنفاً.لقد سعدنا في جمعية فلاحة النخيل السودانية بالمشاركة في معرض الإمارات للتمور هذا العام، وازدادت سعادتنا أن نشارك شعب الامارات فرحته بعرس الاتحاد الذي نتمنى أن يكون النموذج الأمثل في الوطن العربي.