باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    العربي يكسب الاتفاق في دورة الفقيد معاوية الجميعابي بالإنقاذ    قوات الدعم السريع تطلق سراح اثنين من أبناء شقيقة البشير اعتقلتهم من قرية صراصر    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل الحركة الإسلامية من خلال مؤتمرها العام الثامن(2-2)
نشر في آخر لحظة يوم 07 - 12 - 2012

خلُصنا في المقال السابق إلى أن المؤتمر الثامن من الحركة الإسلامية ربما يكون واحداً من الفرص التي أُتيحت وتُتاح للحركة الإسلامية لإصلاح المسار.
وخلُصنا إلى أن هناك مسألتين جوهريتين في الإجابة عليهما من خلال المؤتمر، تكون مؤشراً لنجاح المؤتمر.. ومن ثَمْ نجاح الحركة الإسلامية.
والمسألتان هما:
أولاً: تحديد المرجعية الفكرية للحركة الإسلامية، ومن ثَمْ الإجابة على كثير من المسائل التي تحتاج إلى الاجتهاد وإعمال الفكر في كافة مناحي الحياة.. والحد الأدنى أن يكوِّن المؤتمر لجنةً من العلماء المفكرين، ويكون مناط بها بذل الجهد والاجتهاد في كافة مناحي الحياة.
ثانياً: الإجابة على السؤال الأساسي الذي يواجه الحركة الإسلامية في وجودها.. وتحديد علاقاتها في المنظومة الثلاثية: (الدولة- الحزب- الحركة).. وللإجابة على المسألة الأولى، ذكرنا أنه من حيث التعاطي النظري والفكري للحركة الإسلامية لم يُبذل أي جهد بعد الانشقاق.. حيث أن الدكتور الترابي كان محتكراً لتلك المهمة.. ولم يبذل في هذا الجانب أو لم يظهر أي من المفكرين أو المجتهدين إلا ما يقوم به الدكتور (أمين حسن عمر ) و(الدكتور غازي)، إذا كان من خلال المقابلات الإعلامية أو ما يبدونه من بعد الآراء والاجتهادات عبر المقالات الصحفية.. ولكن حتى تلك الآراء كانت هي آراء شخصية للدكتور أمين والدكتور غازي.. وعلى الرغم من اجتهادهما وإجابتهما على كثير من المسائل، إلا أنها لم تُناقش من خلال أجهزة الحركة، ويتم اعتمادها لكي تصبح رأياً عاماً للحركة فيما يبديانه. فهل نجح مؤتمر الحركة على اعتماد مرجعية فكرية أو اعتماد طريقة معينة أو من خطوط عامة؟ أو تكوين لجنة مكلفة بذلك؟
قدم المؤتمر العديد من الأوراق التي تشمل الموجهات العامة لدستور السودان القادم، إعداد الأستاذ: (ربيع حسن أحمد) والمرتكزات الفكرية للحركة الإسلامية إعداد: الدكتور )عصام أحمد البشير( - (جهد وكسب الحركة الإسلامية في أسلمة وإصلاح الاقتصاد الإسلامي)، إعداد الدكتور صابر محمد حسن، والأستاذ الزبير أحمد الحسن )صعود الإسلاميين للحكم في المنطقة العربية وأثره على المشروع الإسلامي في السودان)، إعداد الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل - )جهد وكسب الحركة الإسلامية في مجال عمل منظمات المجتمع المدني(، إعداد الأستاذ جابر الأنصاري - )تداعيات إنفصال جنوب السودان على مشروع الحركة الفكري والدعوي(، إعداد الدكتور حسن حاج علي - )مفهوم الدولة الإسلامية مقاربة في ضوء السياسة الشرعية(، إعداد الدكتور (إبراهيم محمد الصادق الكاروري)، وأخيراً ورقة تحمل دستور الحركة الإسلامية السودانية تحت اسم الحركة الإسلامية السودانية- مجلس الشورى.
يمكن ملاحظة الآتي على هذه الأوراق:
أولاً: أن كل الأوراق تحمل أسماء أشخاص، ماعدا ورقة الدستور، والتي تحمل اسم مجلس شورى الحركة الإسلامية، مما يعني بأن هذه الأوراق هي آراء لأشخاص وليست رأياً للحركة الإسلامية، ولذلك لم تُقدم باسم مجلس الشورى.
ثانياً: قد جنَّبتنا اللجنة التحضيرية للمؤتمر عناء هذا الاجتهاد، فقد جاء على الغلاف الأخير لكل الأوراق ماعدا ورقة الدستور، الآتي نصه: «يطرح هذا البحث واحدة من القضايا التي تشغل الساحة السودانية الإسلامية، ورغم أن واحداً من أغراض هذا البحث يُشكل رأياً متقارباً بين أعضاء الحركة، إلا أن طرحه في هذا المؤتمر لا يمنع أحد من أعضاء الحركة الاختلاف مع بعضه، أو الدعوة لتجويده).
نفهم من هذه العبارة الآتي:
1 أن المؤتمر لا يسعى حتى إلى تشكيل رأي متقارب بين أعضاء الحركة، فذلك من مهام أو أهداف البحث أو الباحث وليس من أهداف المؤتمر، وحتى اللجنة التحضيرية.
2 حتى القضايا المطروحة ليست مما يشغل بال الحركة الإسلامية وحدها، وإنما كذلك تشغل الساحة السودانية.
ثالثاً: ثلاث فقط من الأوراق هي التي جاءت مهمومة بالفكر والإجابة على التساؤلات الفكرية في مجالها الفكري وهي -ورقة مفهوم الدولة الإسلامية- وتداعيات انفصال الجنوب على مشروع الحركة الدعوي الفكري - ورقة المرتكزات الفكرية للحركة الإسلامية. ولعل من أهم الأوراق التي يفترض أن تحمل عنوان المرتكزات الفكرية هي: الورقة الاقتصادية، والتي جاءت تحت عنوان (جهد وكسب الحركة في إصلاح الاقتصاد السوداني)، هذا لا ينفي أن الورقة احتوت على كثير من الاجتهاد والرؤى الفكرية في مجال الاقتصاد.
رابعاً: مُعدو الأوراق تتراوح أعمارهم بين شيوخ الحركة (ربيع حسن أحمد، والدكتور عصام، والجيل الوسط الزبير والدكتور مصطفى، والشباب الدكتور حسن حاج علي والدكتور الكاروري)، وهذا التباين العمري، ربما يوضح آراء أجيال مختلفة من الحركة الإسلامية، الأمر الذي يشير إلى أن اللجنة التحضيرية أو مجلس الشورى، لم يكن اهتمامهم منصب على توضيح رأي الحركة الفكري، إذ أن الأمر لو كان كذلك لأسندت كل ورقة إلى مجموعة من الكُتّاب تراعي فيها اختلاف الأجيال وحضورهم، ثُم من بعد ذلك تتم مناقشة الورقة بواسطة مجلس الشورى، ويتم اعتمادها.. ومن ثَمْ تقديمها للمؤتمر باسم مجلس الشورى، لا بأسماء أشخاص.
خامساً: مُعدو الأوراق هم باحثون مهتمون بالشأن العام، ولم يُلاحظ لأي منهم الاهتمام بالقضايا الفكرية والاجتهادية، وهم ربما يكونون كذلك، ولكن لم نقف على عمل فكري أو اجتهاد لأي منهم.
هذا من جانب الشكل، أما من حيث مضمون الأوراق فيمكن ملاحظة الآتي:
أولاً: إن هناك جهداً مقدراً من إعمال الفكر والاجتهادات قد احتوته هذه الأوراق، لاسيما ورقة المرتكزات الفكرية للحركة الإسلامية، والتي قدمها الدكتور عصام أحمد البشير والتي احتوت أهم المرتكزات الفكرية للحركة الإسلامية، والتي حددتها في سبعة وعشرين مرتكزاً.. ثم جاءت الخلاصة التي حددت أهداف وغايات الحركة ثمانية أهداف رئيسية، ويمكن ملاحظة الآتي على هذه الورقة:
1 أن الورقة قد حددت بنجاح واجتهاد أهم المرتكزات الفكرية للحركة الإسلامية وأهدافها، ولكن هذه المرتكزات هي الركائز التي يفترض إعمالها في كافة مناحي الحياة، إذا كان في نظام الحكم، أو الشورى والديمقراطية، كيفية إدارة الدولة، في الاقتصاد، العلاقات الخارجية، العلاقات الاجتماعية وغيرها من المسائل التي تحتاج إلى إعمال الفكر والاجتهاد. ولعل هذه المرتكزات هي التي اعتمدت عليها الحركة الإسلامية في تمييزها على بقية الأحزاب أو الجماعات الدينية.. ويفترض أن يكون قد تم إعمال تلك المرتكزات قبل 30 يونيو 1989م، ومن ثم يكون ما تم التوصل إليه هو الذي يتم إعماله، وتسير عليه حياة دولة الحركة الإسلامية.
2 على الرغم من ذلك تظل تلك المرتكزات هي ما يفترضه المفكر الإسلامي د. عصام أحمد البشير إلى أن يتم نقاشها بواسطة مجلس الشورى، واعتمادها بواسطة المؤتمر العام.. وفي تقديري أن ذلك في السابق لم يتم، وذلك لأن د. عصام أحمد البشير تم إقصاؤه منذ زمن باكر من عمر الإنقاذ، ولم يشارك في هموم الحركة إلا بعد المفاصلة وإبعاد د. الترابي.
3 هذه المرتكزات التي قدمها د. عصام أحمد البشير، فهي حتى بالنسبة للدكتور عصام قديمة، وربما يعود تقديمها إلى ما قبل العام 2000م ، وتظل كذلك إلى أن تتم مناقشتها واعتمادها بواسطة مجلس الشورى واعتمادها بواسطة المؤتمر العام بعد مناقشتها. ولو قام مؤتمر الشورى بمناقشة هذه الورقة، ومن ثم قدمها للمؤتمر الثامن، وأجازها المؤتمر بعد النقاش والتعديل والإضافة، لكفى المؤتمر ذلك، ولأخرج الحركة مما تعيشه وتعانيه من فقر فكري وفقدان للهوية.
4 ولعلها الورقة الوحيدة من بين أوراق المؤتمر التي تحمل اجتهاداً وفكراً لم تُنسب للدكتور الترابي، وإن كان في تقديري أن د. الترابي ربما يتفق مع كل ما جاء في هذه الورقة، ولكن لم تنسب إليه لأنه لم يقم بتحديد مثل تلك المرتكزات، وذلك يرجع للطريقة التي كان يعمل بها الدكتور الترابي، وذكرناها في المقال السابق الذي قلنا فيه: إن الدكتور الترابي كان يعتمد طريقة التعامل مع الواقع والاجتهاد حسب الحادثات اليومية.
ثانياً: إن الأوراق الفكرية الأخرى لم تخل من إعمال لبعض الفكر. والاجتهاد يُنسب للحركة الإسلامية في بعض القضايا مثل:
1 قد جاء في ورقة تداعيات انفصال جنوب السودان على مشروع الحركة الفكري والدعوي (تأسيسها على مرجعية الدين ووحدة الأصل الإنساني وعلى اختلاف الجنس واللون والعرق والثقافة والدين، تؤكد على تساوي الكرامة الإنسانية وحقوق المواطنة السياسية والمدنية. فالسودانيون شعب واحد تلاقحت عروقه السودانية على اختلاف منابتها)، هذا القول منسوب للمؤتمر الوطني في العام 1996م، والذي تطور إلى أن المواطنة هي أساس للحقوق والالتزامات.. والذي اعتمده دستور 1998م والذي تحول فيما بعد إلى اتفاقية "نيفاشا" ومن ثم أصبح جزءاً من الدستور الانتقالي لعام 2005م
2 ولعل الورقة الاقتصادية قد حملت في طياتها كثيراً من جهد الحركة واجتهادها في مجال الاقتصاد، مثل اعتماد سياسة التحرير الاقتصادي... باتخاذ سياسات واضحة ومتناسقة مبينة على تحرير الاقتصاد من سيطرة الدولة كمبدأ مستمد من الشريعة الإسلامية وتجربة إنسانية ثُبت نجاحها لفك الاختناقات وكسر الجمود وتحرير الطاقات المعطلة في الاقتصاد السوداني - إخراج الربا من كل معاملات الدولة واللجوء له ضرورة واستثناءً في المعاملات الخارجية - (صارت استدانة الحكومة تقوم على القرض الحسُن من بنك السودان، وعلى صيغ التمويل الإسلامي من البنوك التجارية)- إيجاد بديل إسلامي للسندات الحكومية (شهامة- فرح( وغير ذلك من الاجتهادات في المجال الاقتصادي، فما ذكرناه عن سبيل المثال لا الحصر مما ورد في الورقة.ولكن تبقى هذه الاجتهادات سواء كانت في اعتماد المواطنة كأساس للحقوق والواجبات أو في المجال الاقتصادي، فهي تُنسب إلى ما قبل فترة المفاصلة، أي أن هذه الاجتهادات تُنسب للحركة في زمان قيادة د. الترابي.
ومن كل ما ذكرناه، يمكن أن نخلص الى أن المؤتمر لم يجب ولم يحاول حتى الإجابة على المرجعية الفكرية للحركة الإسلامية، سواء من حيث إعداد الأوراق، وأن ما جاء فيها لا يعدوا أن يكون آراءاً لبعض أفراد الحركة الإسلامية.. و لم يتم مناقشتها في مجلس الشورى وبالتالي لم يجزها المؤتمر.وكذلك يمكن أن نخلص إلى أن الهدف من هذه الأوراق، هو الاهتمام بالجانب الشكلي من المؤتمر، وذلك لسبب جوهري أن اللجنة التحضيرية للمؤتمر كانت من مجموعة من الناشطين، وأنها إلى حد كبير كانت تعمل وفق ما يريده النافذون في الحركة الإسلامية.
ويمكن أن نخلص من ذلك، إلى أن المؤتمر لم يتطرق إلى معالجة الإشكالات الأساسية التي تعاني منها الحركة، وإنما انصرف لمعالجة الآثار الجانية والأعراض، كالطبيب الذي ينصح باستخدام «البندول» لمعالجة الصداع من غير فحص لإدراك السبب الأساسي للصداع.
أما السؤال الثاني الذي كان ينتظر من المؤتمر الإجابة عليه، وهو؛ العلاقة بين أضلاع المثلث : الدولة - الحزب - الحركة.
وللإجابة على هذا السؤال يُفترض أن يختار المؤتمر أحد الخيارات الآتية:
1 حل الحركة.
2 الإبقاء على الحركة بكافة صلاحياتها.
3 الإبقاء على الحركة بصلاحيات محددة.
4 تسجيل الحركة كحزب سياسي.
وقد حددنا إيجابيات وسلبيات كل تلك الخيارات في مقالنا (مؤتمر الحركة الإسلامية والعرضة خارج الطار).
وللمؤتمر الحق في اختيار أي واحد من تلك الخيارات بعد النقاش.. وإتاحة الفرصة للمؤتمرين بإبداء آرائهم ويمكن حسم الخيار في النهاية عن طريق التصويت.
ومن خلال سير أعمال المؤتمر يمكن ملاحظة الآتي:
أولاً: قدم مشروع الحركة الإسلامية لإجازته، وقد حوى فيما يلي موضوعنا الآتي:
المادة (8): (تعمل الحركة في المجال السياسي من خلال حزب تُنشئه ويكون منفتحاً على الآخرين، يراعي برامجها وسياستها، ويعمل على تحقيق أهدافها الواردة في الدستور).
الفقرة الثانية من المادة (20): من مهام مجلس الشورى (انتخاب الأمين العام).
المادة (22)، (إنشاء القيادة العليا للحركة من قيادات الحركة العليا في الصعيد التنفيذي والسياسي والخاص والمنتخبين وفقاً لمرجعيات ونظم مؤسساتهم).
الفقرة الثانية من المادة (23)، من مهام القيادة العليا (الربط وتكامل الأدوار بين أجهزة الحركة ومؤسساتها المستقلة، ضماناً لحسن تنفيذ السياسات وتحقيقاً لمبادئ وأهداف الحركة).
وقد قُدمت هذه المواد بالتحديد للمناقشة، وتمت إجازتها بعد التصويت عليها مع إضافة كلمة (تنسيق) للقيادة العليا.
ومن ذلك يمكن ملاحظة الآتي:
أولاً: لم يُعط مجلس الشورى، أو الجهة النافذة في مجلس الشورى التي قدمت مشروع الدستور أي اعتبار للأصوات أو القوى التي كانت تنادي بالإصلاح، والتي ترى تقوُّل الحزب والحكومة على الحركة.
ثانياً: واضح أنه بإجازة الدستور والمواد التي أشرنا إليها، الهدف منها هو تحجيم سلطة الأمين العام، وجعله محصوراً فقط في مهام الحركة، وليس له أية ولاية أو إمارة على الحكومة أو الحزب.
ثالثاً: كان من الواضح أن المجموعة التي تتولى السلطة، قد مارست دوراً مباشراً في إجازة هذه المقترحات.. مما يعني أن الشورى والديمقراطية كانت شعاراً وبعيدة عن الممارسة.
رابعاً: وفي نفس الاتجاه كان اختيار الأمين العام بحيث تكون شخصية بدلاً من أن تكون قائدة، أن تكون قابلة للانقياد.. هذا حسب اعتقادهم، وما يرجونه.
خامساً: ربما أدى ذلك إلى صورة من الإحباط بالنسبة للمجموعات التي كانت تنادي بالإصلاح.
سادساً: لابد أن نضيف إلى هذا لإكمال صورة المشهد الذي يمكن أن نستنتج منه مستقبل الحركة الإسلامية وبالتالي المؤتمر الوطني، ومن ثم الحكومة؛ نضيف تلك الصورة الدرامية التي أنهى بها الأمين العام السابق فعاليات المؤتمر بصورة انفعالية، أعادتنا مرة أخرى للمربع الأول في العام 1989م، حيث جاءت الحركة التي لا تعرف من مسالك السلطة إلا القليل، وخاصة في مجال العلاقات الدولية، وكانت معذورة لأنها لا تعرف - في صدامها مع المجتمع الدولي بالشعارات والهتافات، والتي بها أصبح السودان يدفع ثمنها لمدة نيف وعقدين من الزمان، ثم يأتي الأمين العام السابق ليعيد نفس الشعارات المعادية للمجتمع الدولي.. ليبدأ دفع الثمن من جديد، فإذا كان عدم المعرفة والتجربة عذراً في باكر عمر الإنقاذ، فما العذر بعد تجربة ما تزيد عن العقدين من الزمان؟
من كل ذلك يمكن أن نقرأ الآتي:
أولاً: من الواضح أن اللجنة التحضيرية التي تولت الإعداد للمؤتمر، كانت من مجموعة من الناشطين، وإذ كان منهم من أصحاب الرأي، فلم يكن لهم أي دور في الإعداد للمؤتمر.
ثانياً: هذا ينحسب على الذين يتولون القيادة في الحركة وفي الحزب، وفي الدولة، إنهم كذلك مجموعة من الناشطين.. فمجموعة الناشطين تجيد العمل التكتيكي قصير المدى، ولا تجيد العمل الاستراتيجي.. لذلك فقد نجحوا في إدارة معركة المؤتمر بفوز مطلوبات المجموعة الحاكمة.
ثالثاً: هذه المجموعة التي أدارت هذه المعركة ونجحت في ذلك، لا يمكن أن يكون في خيالها إفساح المجال لغيرها لكي يتولى القيادة إذا كان في الحزب أو المؤتمر بعد أن تمكنت من قيادة الحركة.
رابعاً: النتيجة المنطقية لذلك أن أصبحت الحركة إحدى الأدوات السياسية لتدعيم السلطة.
خامساً: إذا كانت عضوية الحركة قد فشلت في إدارة حوار ديمقراطي بين عضويتها، فمن غير المتصور أنها مستعدة لإدارة حوار مع غيرها، ودفع استحقاقات هذا الحوار.
سادساً: لا يمكن فصل هذه الاستنتاجات وما دار في المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية، على المحاولة الإنقلابية المتهم فيها بعض دعاة الإصلاح في الحركة الإسلامية.
وأخيراً ووفقاً لهذا التسلسل؛ أترك لفطنة القارئ أن يكمل صورة مستقبل الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني والحكومة.وعلى الرغم من ضبابية المآل، هل ينجح الزبير في إعادة رتقٍ اتسع على الراتق؟، وهل نستطيع أن نقول: إن المؤتمر العام الثامن قد نجح في إبراز علل الحركة الإسلامية؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، ولكي نطمئن على ذلك، هل الإشكال هو بين عضوية الحركة؟ أم بين الحركة والآخر؟ أم بين الحركة والاثنين معاً؟ وهل من سبيلٍ إلى علاج ذلك؟ وكيف؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.