بايرن ميونخ يتغلب على تشيلسي    نادي دبيرة جنوب يعزز صفوفه إستعداداً لدوري حلفا    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان يكشف عن انتهاكات خطيرة طالت أكثر من 3 آلاف شخص"    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    سيناريوهات ليس اقلها انقلاب القبائل على المليشيا او هروب المقاتلين    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    خطوط تركيا الجويّة تدشّن أولى رحلاتها إلى السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. خلال حفل بالقاهرة.. فتيات سودانيات يتفاعلن في الرقص مع فنان الحفل على أنغام (الله يكتب لي سفر الطيارة) وساخرون: (كلهن جايات فلاي بوكس عشان كدة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    حياة جديدة للبشير بعد عزله.. مجمع سكني وإنترنت وطاقم خدمة خاص    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    هدف قاتل يقود ليفربول لإفساد ريمونتادا أتلتيكو مدريد    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    مبارك الفاضل..على قيادة الجيش قبول خطة الحل التي قدمتها الرباعية    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    السودان يستعيد عضوية المكتب التنفيذي للاتحاد العربي لكرة القدم    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل الحركة الإسلامية من خلال مؤتمرها العام الثامن(2-2)
نشر في آخر لحظة يوم 07 - 12 - 2012

خلُصنا في المقال السابق إلى أن المؤتمر الثامن من الحركة الإسلامية ربما يكون واحداً من الفرص التي أُتيحت وتُتاح للحركة الإسلامية لإصلاح المسار.
وخلُصنا إلى أن هناك مسألتين جوهريتين في الإجابة عليهما من خلال المؤتمر، تكون مؤشراً لنجاح المؤتمر.. ومن ثَمْ نجاح الحركة الإسلامية.
والمسألتان هما:
أولاً: تحديد المرجعية الفكرية للحركة الإسلامية، ومن ثَمْ الإجابة على كثير من المسائل التي تحتاج إلى الاجتهاد وإعمال الفكر في كافة مناحي الحياة.. والحد الأدنى أن يكوِّن المؤتمر لجنةً من العلماء المفكرين، ويكون مناط بها بذل الجهد والاجتهاد في كافة مناحي الحياة.
ثانياً: الإجابة على السؤال الأساسي الذي يواجه الحركة الإسلامية في وجودها.. وتحديد علاقاتها في المنظومة الثلاثية: (الدولة- الحزب- الحركة).. وللإجابة على المسألة الأولى، ذكرنا أنه من حيث التعاطي النظري والفكري للحركة الإسلامية لم يُبذل أي جهد بعد الانشقاق.. حيث أن الدكتور الترابي كان محتكراً لتلك المهمة.. ولم يبذل في هذا الجانب أو لم يظهر أي من المفكرين أو المجتهدين إلا ما يقوم به الدكتور (أمين حسن عمر ) و(الدكتور غازي)، إذا كان من خلال المقابلات الإعلامية أو ما يبدونه من بعد الآراء والاجتهادات عبر المقالات الصحفية.. ولكن حتى تلك الآراء كانت هي آراء شخصية للدكتور أمين والدكتور غازي.. وعلى الرغم من اجتهادهما وإجابتهما على كثير من المسائل، إلا أنها لم تُناقش من خلال أجهزة الحركة، ويتم اعتمادها لكي تصبح رأياً عاماً للحركة فيما يبديانه. فهل نجح مؤتمر الحركة على اعتماد مرجعية فكرية أو اعتماد طريقة معينة أو من خطوط عامة؟ أو تكوين لجنة مكلفة بذلك؟
قدم المؤتمر العديد من الأوراق التي تشمل الموجهات العامة لدستور السودان القادم، إعداد الأستاذ: (ربيع حسن أحمد) والمرتكزات الفكرية للحركة الإسلامية إعداد: الدكتور )عصام أحمد البشير( - (جهد وكسب الحركة الإسلامية في أسلمة وإصلاح الاقتصاد الإسلامي)، إعداد الدكتور صابر محمد حسن، والأستاذ الزبير أحمد الحسن )صعود الإسلاميين للحكم في المنطقة العربية وأثره على المشروع الإسلامي في السودان)، إعداد الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل - )جهد وكسب الحركة الإسلامية في مجال عمل منظمات المجتمع المدني(، إعداد الأستاذ جابر الأنصاري - )تداعيات إنفصال جنوب السودان على مشروع الحركة الفكري والدعوي(، إعداد الدكتور حسن حاج علي - )مفهوم الدولة الإسلامية مقاربة في ضوء السياسة الشرعية(، إعداد الدكتور (إبراهيم محمد الصادق الكاروري)، وأخيراً ورقة تحمل دستور الحركة الإسلامية السودانية تحت اسم الحركة الإسلامية السودانية- مجلس الشورى.
يمكن ملاحظة الآتي على هذه الأوراق:
أولاً: أن كل الأوراق تحمل أسماء أشخاص، ماعدا ورقة الدستور، والتي تحمل اسم مجلس شورى الحركة الإسلامية، مما يعني بأن هذه الأوراق هي آراء لأشخاص وليست رأياً للحركة الإسلامية، ولذلك لم تُقدم باسم مجلس الشورى.
ثانياً: قد جنَّبتنا اللجنة التحضيرية للمؤتمر عناء هذا الاجتهاد، فقد جاء على الغلاف الأخير لكل الأوراق ماعدا ورقة الدستور، الآتي نصه: «يطرح هذا البحث واحدة من القضايا التي تشغل الساحة السودانية الإسلامية، ورغم أن واحداً من أغراض هذا البحث يُشكل رأياً متقارباً بين أعضاء الحركة، إلا أن طرحه في هذا المؤتمر لا يمنع أحد من أعضاء الحركة الاختلاف مع بعضه، أو الدعوة لتجويده).
نفهم من هذه العبارة الآتي:
1 أن المؤتمر لا يسعى حتى إلى تشكيل رأي متقارب بين أعضاء الحركة، فذلك من مهام أو أهداف البحث أو الباحث وليس من أهداف المؤتمر، وحتى اللجنة التحضيرية.
2 حتى القضايا المطروحة ليست مما يشغل بال الحركة الإسلامية وحدها، وإنما كذلك تشغل الساحة السودانية.
ثالثاً: ثلاث فقط من الأوراق هي التي جاءت مهمومة بالفكر والإجابة على التساؤلات الفكرية في مجالها الفكري وهي -ورقة مفهوم الدولة الإسلامية- وتداعيات انفصال الجنوب على مشروع الحركة الدعوي الفكري - ورقة المرتكزات الفكرية للحركة الإسلامية. ولعل من أهم الأوراق التي يفترض أن تحمل عنوان المرتكزات الفكرية هي: الورقة الاقتصادية، والتي جاءت تحت عنوان (جهد وكسب الحركة في إصلاح الاقتصاد السوداني)، هذا لا ينفي أن الورقة احتوت على كثير من الاجتهاد والرؤى الفكرية في مجال الاقتصاد.
رابعاً: مُعدو الأوراق تتراوح أعمارهم بين شيوخ الحركة (ربيع حسن أحمد، والدكتور عصام، والجيل الوسط الزبير والدكتور مصطفى، والشباب الدكتور حسن حاج علي والدكتور الكاروري)، وهذا التباين العمري، ربما يوضح آراء أجيال مختلفة من الحركة الإسلامية، الأمر الذي يشير إلى أن اللجنة التحضيرية أو مجلس الشورى، لم يكن اهتمامهم منصب على توضيح رأي الحركة الفكري، إذ أن الأمر لو كان كذلك لأسندت كل ورقة إلى مجموعة من الكُتّاب تراعي فيها اختلاف الأجيال وحضورهم، ثُم من بعد ذلك تتم مناقشة الورقة بواسطة مجلس الشورى، ويتم اعتمادها.. ومن ثَمْ تقديمها للمؤتمر باسم مجلس الشورى، لا بأسماء أشخاص.
خامساً: مُعدو الأوراق هم باحثون مهتمون بالشأن العام، ولم يُلاحظ لأي منهم الاهتمام بالقضايا الفكرية والاجتهادية، وهم ربما يكونون كذلك، ولكن لم نقف على عمل فكري أو اجتهاد لأي منهم.
هذا من جانب الشكل، أما من حيث مضمون الأوراق فيمكن ملاحظة الآتي:
أولاً: إن هناك جهداً مقدراً من إعمال الفكر والاجتهادات قد احتوته هذه الأوراق، لاسيما ورقة المرتكزات الفكرية للحركة الإسلامية، والتي قدمها الدكتور عصام أحمد البشير والتي احتوت أهم المرتكزات الفكرية للحركة الإسلامية، والتي حددتها في سبعة وعشرين مرتكزاً.. ثم جاءت الخلاصة التي حددت أهداف وغايات الحركة ثمانية أهداف رئيسية، ويمكن ملاحظة الآتي على هذه الورقة:
1 أن الورقة قد حددت بنجاح واجتهاد أهم المرتكزات الفكرية للحركة الإسلامية وأهدافها، ولكن هذه المرتكزات هي الركائز التي يفترض إعمالها في كافة مناحي الحياة، إذا كان في نظام الحكم، أو الشورى والديمقراطية، كيفية إدارة الدولة، في الاقتصاد، العلاقات الخارجية، العلاقات الاجتماعية وغيرها من المسائل التي تحتاج إلى إعمال الفكر والاجتهاد. ولعل هذه المرتكزات هي التي اعتمدت عليها الحركة الإسلامية في تمييزها على بقية الأحزاب أو الجماعات الدينية.. ويفترض أن يكون قد تم إعمال تلك المرتكزات قبل 30 يونيو 1989م، ومن ثم يكون ما تم التوصل إليه هو الذي يتم إعماله، وتسير عليه حياة دولة الحركة الإسلامية.
2 على الرغم من ذلك تظل تلك المرتكزات هي ما يفترضه المفكر الإسلامي د. عصام أحمد البشير إلى أن يتم نقاشها بواسطة مجلس الشورى، واعتمادها بواسطة المؤتمر العام.. وفي تقديري أن ذلك في السابق لم يتم، وذلك لأن د. عصام أحمد البشير تم إقصاؤه منذ زمن باكر من عمر الإنقاذ، ولم يشارك في هموم الحركة إلا بعد المفاصلة وإبعاد د. الترابي.
3 هذه المرتكزات التي قدمها د. عصام أحمد البشير، فهي حتى بالنسبة للدكتور عصام قديمة، وربما يعود تقديمها إلى ما قبل العام 2000م ، وتظل كذلك إلى أن تتم مناقشتها واعتمادها بواسطة مجلس الشورى واعتمادها بواسطة المؤتمر العام بعد مناقشتها. ولو قام مؤتمر الشورى بمناقشة هذه الورقة، ومن ثم قدمها للمؤتمر الثامن، وأجازها المؤتمر بعد النقاش والتعديل والإضافة، لكفى المؤتمر ذلك، ولأخرج الحركة مما تعيشه وتعانيه من فقر فكري وفقدان للهوية.
4 ولعلها الورقة الوحيدة من بين أوراق المؤتمر التي تحمل اجتهاداً وفكراً لم تُنسب للدكتور الترابي، وإن كان في تقديري أن د. الترابي ربما يتفق مع كل ما جاء في هذه الورقة، ولكن لم تنسب إليه لأنه لم يقم بتحديد مثل تلك المرتكزات، وذلك يرجع للطريقة التي كان يعمل بها الدكتور الترابي، وذكرناها في المقال السابق الذي قلنا فيه: إن الدكتور الترابي كان يعتمد طريقة التعامل مع الواقع والاجتهاد حسب الحادثات اليومية.
ثانياً: إن الأوراق الفكرية الأخرى لم تخل من إعمال لبعض الفكر. والاجتهاد يُنسب للحركة الإسلامية في بعض القضايا مثل:
1 قد جاء في ورقة تداعيات انفصال جنوب السودان على مشروع الحركة الفكري والدعوي (تأسيسها على مرجعية الدين ووحدة الأصل الإنساني وعلى اختلاف الجنس واللون والعرق والثقافة والدين، تؤكد على تساوي الكرامة الإنسانية وحقوق المواطنة السياسية والمدنية. فالسودانيون شعب واحد تلاقحت عروقه السودانية على اختلاف منابتها)، هذا القول منسوب للمؤتمر الوطني في العام 1996م، والذي تطور إلى أن المواطنة هي أساس للحقوق والالتزامات.. والذي اعتمده دستور 1998م والذي تحول فيما بعد إلى اتفاقية "نيفاشا" ومن ثم أصبح جزءاً من الدستور الانتقالي لعام 2005م
2 ولعل الورقة الاقتصادية قد حملت في طياتها كثيراً من جهد الحركة واجتهادها في مجال الاقتصاد، مثل اعتماد سياسة التحرير الاقتصادي... باتخاذ سياسات واضحة ومتناسقة مبينة على تحرير الاقتصاد من سيطرة الدولة كمبدأ مستمد من الشريعة الإسلامية وتجربة إنسانية ثُبت نجاحها لفك الاختناقات وكسر الجمود وتحرير الطاقات المعطلة في الاقتصاد السوداني - إخراج الربا من كل معاملات الدولة واللجوء له ضرورة واستثناءً في المعاملات الخارجية - (صارت استدانة الحكومة تقوم على القرض الحسُن من بنك السودان، وعلى صيغ التمويل الإسلامي من البنوك التجارية)- إيجاد بديل إسلامي للسندات الحكومية (شهامة- فرح( وغير ذلك من الاجتهادات في المجال الاقتصادي، فما ذكرناه عن سبيل المثال لا الحصر مما ورد في الورقة.ولكن تبقى هذه الاجتهادات سواء كانت في اعتماد المواطنة كأساس للحقوق والواجبات أو في المجال الاقتصادي، فهي تُنسب إلى ما قبل فترة المفاصلة، أي أن هذه الاجتهادات تُنسب للحركة في زمان قيادة د. الترابي.
ومن كل ما ذكرناه، يمكن أن نخلص الى أن المؤتمر لم يجب ولم يحاول حتى الإجابة على المرجعية الفكرية للحركة الإسلامية، سواء من حيث إعداد الأوراق، وأن ما جاء فيها لا يعدوا أن يكون آراءاً لبعض أفراد الحركة الإسلامية.. و لم يتم مناقشتها في مجلس الشورى وبالتالي لم يجزها المؤتمر.وكذلك يمكن أن نخلص إلى أن الهدف من هذه الأوراق، هو الاهتمام بالجانب الشكلي من المؤتمر، وذلك لسبب جوهري أن اللجنة التحضيرية للمؤتمر كانت من مجموعة من الناشطين، وأنها إلى حد كبير كانت تعمل وفق ما يريده النافذون في الحركة الإسلامية.
ويمكن أن نخلص من ذلك، إلى أن المؤتمر لم يتطرق إلى معالجة الإشكالات الأساسية التي تعاني منها الحركة، وإنما انصرف لمعالجة الآثار الجانية والأعراض، كالطبيب الذي ينصح باستخدام «البندول» لمعالجة الصداع من غير فحص لإدراك السبب الأساسي للصداع.
أما السؤال الثاني الذي كان ينتظر من المؤتمر الإجابة عليه، وهو؛ العلاقة بين أضلاع المثلث : الدولة - الحزب - الحركة.
وللإجابة على هذا السؤال يُفترض أن يختار المؤتمر أحد الخيارات الآتية:
1 حل الحركة.
2 الإبقاء على الحركة بكافة صلاحياتها.
3 الإبقاء على الحركة بصلاحيات محددة.
4 تسجيل الحركة كحزب سياسي.
وقد حددنا إيجابيات وسلبيات كل تلك الخيارات في مقالنا (مؤتمر الحركة الإسلامية والعرضة خارج الطار).
وللمؤتمر الحق في اختيار أي واحد من تلك الخيارات بعد النقاش.. وإتاحة الفرصة للمؤتمرين بإبداء آرائهم ويمكن حسم الخيار في النهاية عن طريق التصويت.
ومن خلال سير أعمال المؤتمر يمكن ملاحظة الآتي:
أولاً: قدم مشروع الحركة الإسلامية لإجازته، وقد حوى فيما يلي موضوعنا الآتي:
المادة (8): (تعمل الحركة في المجال السياسي من خلال حزب تُنشئه ويكون منفتحاً على الآخرين، يراعي برامجها وسياستها، ويعمل على تحقيق أهدافها الواردة في الدستور).
الفقرة الثانية من المادة (20): من مهام مجلس الشورى (انتخاب الأمين العام).
المادة (22)، (إنشاء القيادة العليا للحركة من قيادات الحركة العليا في الصعيد التنفيذي والسياسي والخاص والمنتخبين وفقاً لمرجعيات ونظم مؤسساتهم).
الفقرة الثانية من المادة (23)، من مهام القيادة العليا (الربط وتكامل الأدوار بين أجهزة الحركة ومؤسساتها المستقلة، ضماناً لحسن تنفيذ السياسات وتحقيقاً لمبادئ وأهداف الحركة).
وقد قُدمت هذه المواد بالتحديد للمناقشة، وتمت إجازتها بعد التصويت عليها مع إضافة كلمة (تنسيق) للقيادة العليا.
ومن ذلك يمكن ملاحظة الآتي:
أولاً: لم يُعط مجلس الشورى، أو الجهة النافذة في مجلس الشورى التي قدمت مشروع الدستور أي اعتبار للأصوات أو القوى التي كانت تنادي بالإصلاح، والتي ترى تقوُّل الحزب والحكومة على الحركة.
ثانياً: واضح أنه بإجازة الدستور والمواد التي أشرنا إليها، الهدف منها هو تحجيم سلطة الأمين العام، وجعله محصوراً فقط في مهام الحركة، وليس له أية ولاية أو إمارة على الحكومة أو الحزب.
ثالثاً: كان من الواضح أن المجموعة التي تتولى السلطة، قد مارست دوراً مباشراً في إجازة هذه المقترحات.. مما يعني أن الشورى والديمقراطية كانت شعاراً وبعيدة عن الممارسة.
رابعاً: وفي نفس الاتجاه كان اختيار الأمين العام بحيث تكون شخصية بدلاً من أن تكون قائدة، أن تكون قابلة للانقياد.. هذا حسب اعتقادهم، وما يرجونه.
خامساً: ربما أدى ذلك إلى صورة من الإحباط بالنسبة للمجموعات التي كانت تنادي بالإصلاح.
سادساً: لابد أن نضيف إلى هذا لإكمال صورة المشهد الذي يمكن أن نستنتج منه مستقبل الحركة الإسلامية وبالتالي المؤتمر الوطني، ومن ثم الحكومة؛ نضيف تلك الصورة الدرامية التي أنهى بها الأمين العام السابق فعاليات المؤتمر بصورة انفعالية، أعادتنا مرة أخرى للمربع الأول في العام 1989م، حيث جاءت الحركة التي لا تعرف من مسالك السلطة إلا القليل، وخاصة في مجال العلاقات الدولية، وكانت معذورة لأنها لا تعرف - في صدامها مع المجتمع الدولي بالشعارات والهتافات، والتي بها أصبح السودان يدفع ثمنها لمدة نيف وعقدين من الزمان، ثم يأتي الأمين العام السابق ليعيد نفس الشعارات المعادية للمجتمع الدولي.. ليبدأ دفع الثمن من جديد، فإذا كان عدم المعرفة والتجربة عذراً في باكر عمر الإنقاذ، فما العذر بعد تجربة ما تزيد عن العقدين من الزمان؟
من كل ذلك يمكن أن نقرأ الآتي:
أولاً: من الواضح أن اللجنة التحضيرية التي تولت الإعداد للمؤتمر، كانت من مجموعة من الناشطين، وإذ كان منهم من أصحاب الرأي، فلم يكن لهم أي دور في الإعداد للمؤتمر.
ثانياً: هذا ينحسب على الذين يتولون القيادة في الحركة وفي الحزب، وفي الدولة، إنهم كذلك مجموعة من الناشطين.. فمجموعة الناشطين تجيد العمل التكتيكي قصير المدى، ولا تجيد العمل الاستراتيجي.. لذلك فقد نجحوا في إدارة معركة المؤتمر بفوز مطلوبات المجموعة الحاكمة.
ثالثاً: هذه المجموعة التي أدارت هذه المعركة ونجحت في ذلك، لا يمكن أن يكون في خيالها إفساح المجال لغيرها لكي يتولى القيادة إذا كان في الحزب أو المؤتمر بعد أن تمكنت من قيادة الحركة.
رابعاً: النتيجة المنطقية لذلك أن أصبحت الحركة إحدى الأدوات السياسية لتدعيم السلطة.
خامساً: إذا كانت عضوية الحركة قد فشلت في إدارة حوار ديمقراطي بين عضويتها، فمن غير المتصور أنها مستعدة لإدارة حوار مع غيرها، ودفع استحقاقات هذا الحوار.
سادساً: لا يمكن فصل هذه الاستنتاجات وما دار في المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية، على المحاولة الإنقلابية المتهم فيها بعض دعاة الإصلاح في الحركة الإسلامية.
وأخيراً ووفقاً لهذا التسلسل؛ أترك لفطنة القارئ أن يكمل صورة مستقبل الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني والحكومة.وعلى الرغم من ضبابية المآل، هل ينجح الزبير في إعادة رتقٍ اتسع على الراتق؟، وهل نستطيع أن نقول: إن المؤتمر العام الثامن قد نجح في إبراز علل الحركة الإسلامية؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، ولكي نطمئن على ذلك، هل الإشكال هو بين عضوية الحركة؟ أم بين الحركة والآخر؟ أم بين الحركة والاثنين معاً؟ وهل من سبيلٍ إلى علاج ذلك؟ وكيف؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.