((ان هذا الصراع الذي ادى الى خسائر جسيمة في الارواح والاجسام لم يثبت بأنه كان مدبراً، وكان الى حد كبير بعيد نتيجة لسلسلة من الحوادث المؤسفة التى بلغت قمتها عند ميدان كتشنر حيث انطلقت تلقائياً عوامل الفوضى)). *********** وفي هذه العجالة لابد هنا من ان نلقي قدراً ضئيلاً من الضوء على رمزنا الشامخ الاستاذ عبد الرحمن علي طه الذي اعد هذا السفر الوثائقي القيم والنادر، وهو من مواليد بلدة اربجي عام 1901م، وتلقى تعليمه الاولي بالمسلمية، والاوسط والثانوي بكلية غردون التذكارية، وشغل منصب نائب عميد معهد التربية ببخت الرضا (1935م- 1948 م) وعين اول وزير سوداني للمعارف في عام 1949م وبقى بمنصبه حتى عام 1953م، كما عين وزيراً للحكومات المحلية في مارس 1958م وحتى 17 نوفمبر 1958م، وكان دائماً ذراعاً أيمن للسيد الامام عبد الرحمن المهدي، ورقماً ضخماً في الحركة الوطنية ضد المحتل الاجنبي، وتوفى ودفن ببلدته (أربجي) في الثاني من نوفمبر عام 1969م. وهو الذي اعد ((مع اخرين)) كتاب ((سبل كسب العيش في السودان )) عن طريق رحلات حقيقية شملت كل بقاع السودان، وقد صاغ استاذنا الجليل هذه الرحلات شعراً عذباً وسهلاً، لا يزال في الوجدان السوداني في مطولة مطلعها:- في القولد التقيت بالصديق * انعم به من فاضل صديق والى جانب كتابنا هذا قام الاستاذ الجليل باعداد كتب اخرى من بينها ((مرشد المعلم لمنهج الموضوعات))، وألف وترجم مع مؤسس بخت الرضا مستر قريفث عدداً من الكتب التى تعالج السلوكيات والاخلاق مثل كتاب ((أهداف الاخلاق- اراء عن المستوى الخلقي لأمة ناشئة)). وقد دفعت علاقة العمل الحميمة والمثمرة مستر قريفث لإهداء مؤلفيه ((تجربة في التعليم)) و((اهتمام المعلم)) الى الاستاذ عبد الرحمن، وجاء في الاهداء :((الى السيد عبد الرحمن على طه أول وزير للمعارف بالسودان ونائباً لعميد بخت الرضا لاثني عشر عاماً، على امل ان يساعد بعض الاعمال التى تقاسمناها في الماضي على تنوير مشاكل المستقبل)). وفي 3/8/1984م ابرزت جريدة التايمز اللندنية المرموقة مقالاً نعت فيه مستر قريفث، وعلقت بأنه وعبد الرحمن على طه امتلكا موهبة فريدة لانجاز احسن الاعمال في اصعب الظروف!. ويعتبر هذا السفر الفريد النادر يعد مكتبة توثيقية كاملة مختصة بفترة من اهم فترات تاريخنا، وهى فترة الاستعمار الثنائي منذ عام 1899م وحتى قبيل الاستقلال بعام واحد، ومن الفضول القول بأن هذا السفر لاغنى عنه للمكتبة السودانية.