ü إذا ما تجاوزنا توعدات د. نافع علي نافع - المعتادة- للمعارضين وللمتمردين داخل حزبه بالهلاك و«بكيل الرماد في خشومهم»، فإن الخبر الأهم الذي يمس حياة خلق الله من العمال هو ما صدر عن قطبي حزب المؤتمر الوطني الحاكم، بروفيسور إبراهيم غندور ووزير المالية علي محمود بشأن الحد الأدنى للأجور. فقد اختلف القياديان الحزبيان حول موعد تطبيق الحد الأدنى للأجور، على تدنيه، الذي يقف عند حاجز (425) جنيهاً فقط لا غير، بحسب غندور. ü لكن أطرف ما في حكاية الحد الأدنى للأجور يمكن قراءتها في اللجاج واللغة المستخدمة بين الرجلين: (بروفيسور) غندور، الذي أصبح رئيساً ل(اتحاد العمال) في زمن (نقابة المنشأة) التي تصادر على (العمال) حقهم في تكوين نقابات حرة تعبر عن مصالحهم وتدافع عن حقوقهم بحكم ما يمتهنون في الواقع من أعمال، والتي (خلطت الكيمان) عياناً بياناً بحيث لم يعد هناك فرق بين المدير والعامل والخفير، بروفيسور غندور «أقسم بسعي وزارة المالية لوضعهم في مواجهة مع الدولة». أي مواجهة وأي دولة؟! وكشف خلال اجتماع اللجنة المركزية الطاريء للاتحاد عن اتفاق مع وزارة المالية لتطبيق الحد الأدنى للأجور اعتباراً من يناير المقبل، ورفض أن تكون الزيادة أقل مما تم الاتفاق عليه، وطالب بأن يستمر صرف (منحة الرئيس) إلى أن يتم إكمال الهيكل الراتبي باعتبار أنه تترتب عليها استقطاعات. مشدداً على أن زيادة الأجور لا تؤثر على التضخم كما تؤثر زيادة أسعار بعض السلع. وأكد بأن خلافاتهم مع المالية ليست شخصية، إنما هو خلاف بين «اتحاد» لديه رؤية ومسؤولية يسعى لحلها و«وزير» لديه حسابات، وأضاف أن مؤسسة الرئاسة تؤيد زيادة الأجور مع مراعاة الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد. ü أما وزير المالية علي محمود، والي جنوب دارفور السابق، فقد أبلغ برنامج «حتى تكتمل الصورة» الذي يقدمه الزميل الطاهر حسن التوم في قناة النيل الأزرق، أنهم لم يتفقوا مع اتحاد العمال على «زيادة الأجور بالأرقام»، بمعنى أن الرقم الذي أورده غندور، على قلته وهو 425 جنيهاً -أي أقل من أجور خدم المنازل- ليس صحيحاً، وقال إنهم وافقوا على «مبدأ الزيادة». وإن رئيس الجمهورية أصدر قراراً بتشكيل لجنة لمناقشته، و«قلنا إننا ملتزمون بتوصياتها»، وأضاف: «كيف نلغي لجنة رئيس الجمهورية باتفاق بيننا وبين اتحاد العمال، فالموازنة أجيزت يوم الأربعاء الماضي، فكيف نأتي مساء السبت لنقول إن هناك زيادة في الميزانية». لافتاً إلى أن الزيادة لا تعرض على رئيس الجمهورية ونائبه الأول وإنما على مجلس الوزراء. ü ليس مهماً من نصدق من الرجلين، فكلاهما ينهل من ذات المعين، معين الحزب الحاكم وكلاهما يمثل قطباً من أقطابه، الأول أستاذ جامعي (بروفسير) أوكل له شأن العمال والآخر (بانكر) كلف بإدارة شؤون المال والاقتصاد في بلادنا بعد أن ترجل عن الولاية الغربية، ولكنهما ظهرا في هذه اللجاجة وكأنهما يمثلان حزبين متصارعين، حزباً حاكماً وحزباً معارضاً ينافح عن حقوق العمال «المفترضة»، فوضعانا ووضعا جميع المراقبين في موقف تعتوره الشكوك والظنون، كشك إبي العلاء في بيته الشهير: هذا بناقوس يدق وذاك بمئذنة يصيح.. ليت شعري ما الصحيح. ü ما يهمنا ونحن نتناول حقوق العمال في «الأجر المناسب» هو الكيفية التي يقرر بها «اتحاد العمال» أو «وزارة المالية» هذا الأجر، هل هو مبلغ مقطوع «من الرأس» كما يقول رئيس الاتحاد بروفيسور غندور (425) جنيهاً، أم هو أقل من ذلك كما يقول الأستاذ علي محمود. ففي كل الدنيا، وحتى في هذا البلد قبل أن تدور عليه الدوائر، كانت الأجور والمرتبات للعمال والموظفين تتقرر من خلال حسبة دقيقة وموازنة بين الاحتياجات الفعلية للعامل والموظف وبين الأسعار ونسبة التضخم إذا ما طرأ طاريء، وبأي حسبة حسبناها ولو «ششنة» فإن هذه الزيادة التي يرجوها و«يناضل» من أجلها اتحاد العمال ورئيسه، لن تغير في واقع حال العمال وحياتهم البائسة شيئاً، حتى لو أضيفت لها «منحة» أو «منحتين» من رئيس الجمهورية المقدرة ب(100) أو (200) جنيه. ü كيلو اللحم -يا سادة- ناطح الستين جنيهاً ورطل الشاي اشتريته بالأمس القريب ب(19) جنيهاً ورطل اللبن -لبن الأطفال- تجاوز الجنيهين وربع البصل ب24 جنيهاً، وكيلو الطماطم بين 6 و8 جنيهات -حسب الصنف- والوقت لا يزال شتاءً، أي موسم الخضروات، و ربع الفول المصري بين 60 و120 جنيهاً بحسب الجودة وتاريخ الإنتاج، وجوال الذرة برغم الموسم الجيد لم ينزل عن 150جنيهاً. ü هذه الأرقام والأسعار التي يصدع بها السوق، والتي هي في حالة تصاعد مستمر مع فجر كل يوم جديد، هي ما يجب أن يدخل في حساب وحسبان وزير المالية وزميله رئيس اتحاد العمال عندما يجلسان في اجتماعات قطاع حزبهم الاقتصادي ليناقشا الأجور والحد الأدنى الذي يجب أن يتقاضاه العمال، لا أن يقرر كل منهما على حدة من داخل مكتبه أو مؤسسته التي يدير كم يجب أن يتقاضى العامل أو الأجير ومتى يكون ذلك، ويخرج على الإعلام للدفاع عن وجهة نظره أمام الرأي العام، في «ملهاة» عبثية لا تقدم ولا تؤخر. ü بكلمة.. نريد من غندور وعلي محمود أن يخرجا علينا معاً بحسبة بسيطة تقول كم تكلف حياة العامل أو المواطن البسيط وأسرته المكونة من خمسة أفراد في الشهر ب(الورقة والقلم) ويعلنا أن هذا هو ما يجب أن يكون «الحد الأدنى» للأجور.