صديقي دكتور أسامة الطبيب البيطري يضحك ملء شدقيه حتى يكاد يسقط على قفاه وتتفتق خاصرتاه عندما يسمعني أنسب «مستخدماً ياء النسب» إلى زعيم المنافقين عبد الله بن سلول في عهد الرسول المعظم سيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم» كل من يتصف بصفات المنافق حسبما حددها نبينا الكريم في حديثه «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان»، في مجتمعنا يتغلغل السلوليون في أحشاء المجتمع بأكملها، فهم على المستوى السياسي يزينون للحاكم أفعاله ويطلعونه من أحوال الرعية ما يروق له، يجيدون التدليس ويتسابقون في الإطراء والثناء عليه بمناسبة وبدونها.. وهذه السلولية ليست وليدة المجتمع السوداني.. فهي موجودة في المجتمع العربي الإسلامي منذ نشأته.. ولعل ما جادت به قريحة الشاعر العربي الكبير أبو الطيب المتنبيء من أشعار في المدح والذم بملوك وأمراء- بحسب عطاياهم له- رغم ما قدمه للمكتبة العربية من درر وروائع شعرية.. أقول إن ما أفرزته عبقرية هذا الشاعر من أوصاف لموصوف واحد لترشحه أن يصبح شيخ السلوليين وزعيمهم دون منازع.. اقرأ ما أنشده في حق كافور الأخشيدي ألا تتفق معي على أنه يتقدم موكب حملة لافتة السلولية في زمانه؟ في حياتنا الاجتماعية يمكن أن نرصد السلوليين في كل موقع، فهم في الأسواق، بل في كل مكان يرتبط بعمليات البيع والشراء والكسب المادي، فإن طلبت مساعدتهم ومهما قلّ شأنها، فلا يتورعون في تحويل الباطل حقاً من أجل جنيهات معدودة يجنونها في مقار العمل، ينشطون في تقديم المعلومات عن محيط العمل وزملائهم تقرباً لرؤسائهم، في دور العلم يتهافتون لخطف ود معلميهم من أجل تفوق علمي ليسوا أهلاً له. حتى في عالم الصحافة يستوطن السلوليون كداء عضال لم تنجح عمليات إزالته المستمرة من الجسد الصحافي، بل على العكس فكلما استخدم المعالجون مشرطاً لاستئصاله انتشر وعم بقية الجسد. يمتاز السلوليون بأنهم يمارسون هواياتهم دون حياء أو خجل، فإن كنت من معتادي ركوب الحافلات وبصات الوالي ستداهمك الخبرة ويتمكن منك الحزن وأنت تسمع أحدهم يرد على مخاطبة من الموبايل «أنا في المواصلات لكن خلاص عبرنا الكوبري في طريقنا للخرطوم»، فيما أن وسيلة نقله التي يستقلها لا تزال تراوح شوارع الثورات بأم درمان. كذلك فالسلوليون يتميزون دون غيرهم بأنهم يتحرون الكذب ويبحثون عنه بحثاً دونما واقع يجبرهم على ممارسته، جاءني أحدهم- وهو من معارفي الكُثر- ذات مرة في داري وكنت وقتها نائماً، فايقظتني أم العيال لاستقباله وبعد تبادل عبارات المجاملة المعتادة دخل مباشرة في الموضوع وطلب مني إعداد دراسة جدوى اقتصادية لمشروع استثماري- حدده بالاسم- يرغب في تنفيذه، حاثاً إياي على إعداد الدراسة بأسرع ما يمكن حتى لا تفوته فرصة العمر وتتبخر أحلامه هباءً، ثم طفق عائداً من حيث أتى. تعاملت مع الأمر بجدية متناهية وعكفت على إعداد الدراسة خمسة أيام بلياليها وبعد الإنتهاء من إعدادها اتصلت به للحضور واستلام الدراسة، فجاءتني الإجابة بأن جواله مغلق، عادوت الاتصال مرات ومرات حتى انقضى أسبوعان من الموعد الذي حدده بنفسه فتوقفت عن الاتصال به وقررت الاحتفاظ بها لتقف شاهداً على هذا السلولي المقيت. كذلك يُعد السلوليون ألد أعداء الثوابت والمواقف المبدئية، يغيرون آراءهم وأفكارهم كما تغير الحرباء جلدها.. يقفون دائماً المواقف التي تنسجم مع مصالحهم الشخصية لذلك كثيراً ما يرددون عبارة من شاكلة «يا عمي سيبك.. أنا عندي أولاد بربي فيهم».. أو «يا خال أنسى.. دي فرصة ما تتفوت». لوقف الظاهرة السلولية المتفشية فلابد من أن يشارك الجميع في وضع العلاج، لذا فإنني أقترح أن يساهم الجميع في القيام بعمليات رصد السلوليين كل في موقعه ومكان سكنه ومقر عمله لإجراء حصر شامل لهم على الأقل في ولاية الخرطوم، ومن ثم- بعد اكتمال كشوفات الحصر- تقوم حكومة الولاية بإلزامهم بارتداء شارة محددة تدل على سلوليتهم، وبذلك نتحاشى الاقتراب منهم في مقار العمل والسكن والمواصلات العامة والأسواق وحتى دور العبادة.