تمثل الأعياد والمناسبات في السودان وقفة وتأمل، فهناك الأعياد الدينية الأضحى والفطر والمولد النبوي، وهذه أعياد لها نكهتها يشترك في أفراحها الكبار والصغار، ومهما تقادم على هذه الأعياد الزمن فهي تحتفظ بطعمها وعطلاتها المريحة، فقد درج أهل الأقاليم الذين يقيمون بالعاصمة التوجه الى مناطقهم في الأعياد، فتصبح الخرطوم في تلك الأيام خفيفة الحركة متوفرة الخدمات، وهناك وسط الأهل يقضي القادمون من العاصمة أياماً ممتعة بين الأهل، وقد شهدت الأيام الأخيرة بسبب تعميم الكهرباء وشوارع الأسفلت شهدت تدفقاً على القرى، حيث أصبح الناس هناك يعيشون كما يعيش سكان العاصمة، مياه وافرة بالمواسير، وكهرباء مستمرة لا تقطع، وتلفزيونات عاملة، وشوارع أسفلت ممتدة في كل الاتجاهات، وإضافة الى ذلك خضرة الريف وضفاف النيل التي غلب عليها في الآونة الأخيرة الطابع الرملي، فأضحت ملعباً للصغار وترفيهاً للكبار وقد شهدت مدن وقرى الولاية الشمالية في تلك المواسم تضاعف سكانها، ولكن لأيام معدودات.. تعود كغيرها تلك المناطق الى محدودية سكانها وهدوئها، أما الأعياد الأخرى وهي الأعياد الوطنية، ففي مقدمتها عيد الاستقلال- وهو العيدالذي تهتم به الدولة وتسعى لغرس فضائله في نفوس السكان- وهو عيد ارتبط أيضاً بافتتاح المنشآت الجديدة، وعموماً فإن الاحتفال به يكتسب طابع الرسمية، ولكن لتزامنه مع نهاية السنة، وبداية العام الجديد فقد التف الشباب حوله باحتفالاتهم برأس السنة، وعلى كل حال فالدولة تجري الاستعدادات والاحتفالات على أساس الاستقلال، والشباب يحتفلون ويستغلون هذه الاستعدادات لاحتفالات رأس السنة، ورغم أن الفوضى قد تضاءلت في هذه الاحتفالات في الأعوام الأخيرة وهذا العام، إلا أنني أرى أن الأمر يحتاج للمزيد من الضوابط، وقد استغربت الى ما نشر في احدى الصحف بأن دراسة تمت لأطفال دار المايقوما، فاتضح أن غالبيتهم تزامن الحمل بهم مع رأس السنة- وإن صحت هذه الدراسة- فالأمر خطير وكيف يتحول احتفال رأس السنة الى ممارسات ينتج عنها أطفال كيف ومتى وأين؟ هذه الاحتفالات عامة تتم في الشوارع والمنتديات والحدائق، فأين تتم تلك الممارسات أرجو ممن أعدوا الدراسة أن يدققوا فيها. أما احتفالات الاستقلال- فكلما تأتي ذكراها تعود بالذاكرة الى أيام خلت عندما كانت تتم هذه الاحتفالات كل عام في ولاية من الولايات، وفي العام الذي كان مخصصاً للولاية الشمالية شهدت الولاية أول شارع للأسفلت بمدينة دنقلا، فكان ذلك حدثاً كبيراً، وأذكر أن الافتتاح شرفه مع الرئيس السوداني جعفر نميري محمد سياد بري الرئيس الصومالي آنذاك، والذي كان يتجول كثيراً حتى أصبح وصوله للصومال يذاع في أجهزة إعلامهم بأنه وصل للصومال في زيارة قصيرة، ومن ذكريات ذلك الاحتفال أذكر أن وزير الشباب آنذاك الرائد زين العابدين محمد أحمد عبد القادر قد جاءنا بمروي لتفقد مهرجان الشباب المقام هناك، ولأنني كنت أعمل مساعداً للمحافظ بالمنطقة وكانت عربتي تحمل علماً، حيث كان مساعدو المحافظ بالمناطق- وهم حكامها- مخصصة لهم أعلاماً تماماً كالولاة الآن أو رئاسة الجمهورية، وقد استغرب الوزير ونحن عائدون من المطار بعد أن استقبلته، فطلب مني أن أبادله بالوزارة.. وقال إن العلم يساوي عشرات الوزارات. من مشاهدات تلك الاحتفالات وفي ذات العام المخصص للولاية الشمالية أن اصطحب رئيس الجمهورية مسرحا عائماً معه متصلاً بالباخرة التي كان يستقلها، وكانت الباخرة بمسرحها ترسو على شواطئ كل القرى على امتداد الولاية من منطقة كريمة حتى شمال الولاية، فتنعكس أصداء مكبرات الصوت من المسرح على شواطئ النيل، فيهرع السكان إليها منتشرين على الشواطئ والجزر ومتسلقين أشجار النخيل على أنغام كبار الفنانين بقيادة الفنان المرحوم سيد خليفة، إن تلك تجربة ترفيهية وإعلامية كانت رائعة، فلماذا لا نعيدها الآن لبث الفرح في النفوس ولتوصيل الرسائل المطلوبة.