مولانا دوسة.. لك التحايا والاحترام والسلام.. وكان يمكن أن نخاطبك.. بتلك الصفة الدستورية الرفيعة.. وزير العدل.. ولكنك الآن أجل خطراً وأشد خطورة من وزير العدل.. كيف لا.. وأنت تطلق صيحة دوت في فضاء الوطن.. أن هلموا أيها المسؤولون.. واكتبوا بأصابعكم إقرارات الذمة.. حتى ينجلي غبار الفضاء وينجاب ذاك العثير.. لا أود أن أخيفك سيدي الوزير.. ولكني واثق أنك سوف تسلك المسالك الوعرة.. تعبر الدروب الصعبة.. تمشي وسط غابة يربض فيها الشيطان.. وهل هناك شيطان أشد بأساً وأقوى مراساً ورأساً من شيطان المال.. وهل هناك إغراء للنفس أكثر من توق المرء أبداً لإرضاء وإشباع رغبة الامتلاك والتملك.. وهل هناك معركة أكثر ضراوة وهولاً.. وأنت مطلوب منك أن تنازل نجوماً وأفلاكاً من المسؤولين.. الذين يظن بعضهم أنهم فوق المساءلة وأبعد مكاناً من بلوغ سهام الظنون.. نعم إن مهمتك كبيرة وعسيرة.. وقطعاً سوف تبحر في محيط هادر وعالي الأمواج.. ولا نملك غير أن نسأل الله أن يكلل إبحارك بالسلامة.. وأن تعود مركبك إلى الشواطيء بصيد وفير.. وما أشق الحرب عندما يشتعل أوارها.. تحت رايات مكافحة الفساد. لنا مجموعة من النصائح لك.. علنا نساهم بجهد المقل في عونك في هذه المعركة الهائلة.. أو على الأقل دعنا نكون لك ظهراً وحائط ارتكاز هو مثل الإسناد.. نعم سيدي أن إقرارات الذمة.. هي الخطوة الأولى في مكافحة الفساد.. مهما كانت تلك الصفحة.. أو تلك الورقة.. ورقة إقرار الذمة.. كانت بيضاء من غير سوء.. تضيء سطورها بالإضاءة وباهر الأنوار.. أو حافلة بالبقع السوداء التي ترسم هروباً وتهرباً من كبد الحق والحقيقة.. المهم أن خطوتك الشجاعة الموفقة بإذن الله.. ستكون الخط الفاصل بين طهر الأيدي.. وبين تلك الوالغة في مال الأمة.. مولانا دوسة.. أرجو أن يتسع صدرك لبعض كلماتنا وآرائنا.. نأمل في عشم شاسع أن «تطوِّل بالك شوية».. لأننا سوف نطوّف بك حول العالم.. ونسلط أضواء كاشفة.. عن الفساد وآليات مكافحته ومحاربته.. والآن ضع يمينك في يدي لنبدأ الرحلة.. ولن نبدأ بغير ذاك الزمن الزاهي.. وسماء يثرب تشتعل أضواء وأنواراً وطهراً.. وعبق النبوة العطري.. ما زال طرياً وفواحاً تحمله دفقات النسيم.. وما زال تراب يثرب يزهو ويزدهي.. يحمل أشرف من وطئه من الرجال.. وعمر الفاروق.. أمير المؤمنين وسط رهط من أصحابه يتجول في شوارع وطرقات المدينة.. تصافح عيون أمير المؤمنين رضي الله عنه بناء من الحجر والحصى ينتصب في المدينة.. يسأل أمير المؤمنين لمن هذه الدار.. تأتيه الإجابة في سرعة البرق.. إنها لواليك فلان في البحرين.. يأتي حكم ابن الخطاب ساطعاً وقاطعاً وسريعاً.. يأتي بحيثيات أصلب من الفولاذ.. وأسطع برهاناً من أشعة الشمس وهي تعلن عن تحليق الشمس.. قال أمير المؤمنين «أبت الدراهم إلا أن تطل بأعناقها».. كانت تلك الحيثيات.. بل كانت هي أدلة الإثبات في صحيفة الاتهام.. ثم كان القرار.. وهو إعفاء ذاك «العامل» من «وظيفته» فوراً وحالاً وتواً.. مولانا دوسة.. بالله عليك وبعيداً عن إقرارات الذمة.. بعيداً عن الشكوك والظنون.. بعيداً عن نوايا من يريد أن «يتحايل» و«يراوغ» و«يتزاوغ» ألا ترى بعيونك.. دراهم أبت إلا أن تطل بأعناقها.. أنا والله قد رأيت مئات وعشرات الملايين من «الجنيهات» والدولارات.. و«اليوروهات» و«الريالات».. رأيتها وهي تأبى في إلحاح وسفور ولا أقول «فجور».. تأبى إلا أن تطل بأعناقها.. أعلم ذلك ولكني أعلم أيضاً كم نفتقد ابن الخطاب أمير المؤمنين ذاك العادل.. القاطع.. رضي الله ورضوانه عليه.. غداً نحدثك عن مكافحة الفساد في دول الكفار..