تدين الصحافة المطبوعة المعاصرة للبريد بفضل تطويرها إذ أسهم البريد عند نشاة الصحافة فى أوروبا وأمريكا فى رفد الصحافة بالأخبار والمعلومات من خلال مكاتب البريد التى كانت هى المصدر الرئيس للأخبار العابرة للمحيطات والقارات بل وتم إنشاء وتأسيس صحف من داخل مكاتب البريد ذاع صيتها من بعد ذلك . والبريد خدمة عرفتها المجتمعات البشرية القديمة وكانت الوسيلة الوحيدة للتواصل البعيد حتى ظهرت اختراعات التلغراف واللاسلكى والهواتف خلال القرن التاسع عشر . كنت انتظر تعليمات والدى خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضى يومي الثلاثاء والسبت من كل أسبوع فى الذهاب الى مكتب بريد كريمة لإحضار المراسلات من صندوق بريده والذى كان يحمل الرقم 23 وكان الصندوق يعج بالكثير من الخطابات العادية وايصالات الخطابات المسجلة وهى الخطابات المهمة التى لايتم ايداعها فى الصندوق وإنما يتم استلامها من وكيل البوستة لأنها فى الغالب كان تحمل فى جوفها حوالات مالية أو وثائق مهمة يحرص مرسلها أن تصل من خلال هذا النوع من المرسلات الآمنة . واختيار يومى الثلاثاء والسبت لإحضار البريد لسبب أن قطار كريمة الذى كان يصل يوم الإثنين ويوم الخميس من كل اسبوع وبعد تسليم الخطابات الكثر لوالدى تأتى تعليماته بتوزيع الخطابات التى يكتب على خارجها ومنه وإلى وكانت السعادة تغمر كل من تطرق بابه من الأهل وسكان القرية لتسلمه خطاباً خطه عزيز عنده للسؤال عن الأحوال مشفوعاً بمبلغ من المال . وكنت أوزع هذه الخطابات للآباء والأمهات والاخوان والاخوات والزوجات وربما مراسلات غرامية لفتيان وفتيات لأن الله وحده أعلم بمحتويات هذه الخطابات التى كانت تصل إليهم كما أتت . ومكتب البريد أو البوستة كما كانت لافتاته مليئة بالنشاط لعدد من العمليات كانت تتم داخله الخطابات العادية - الخطابات المسجلة -الحوالات - الطرود - حسابات التوفير -التلغرافات . وهو غالباً مايكون وسط المدينة كما أن الموظف الذى يديره والذى يسمى بالوكيل كان من الأعيان فى كل مدينة بها مكتب بريد . قبل شهور تم تدشين بريد السودان لتعود الخدمات البريدية بعد التعثر الذى لازم الكثير منها وبعد أن تمت خصخصة مرفقه لشركة ونشاهد منذ فترة إعلاناً تلفزيونياً معبراً عن الإنتقال من الخدمات التقليدية الى الخدمة التقنية العصرية للبريد مع الإحتفاظ بشخصية البريد التى ارتسمت فى أذهان الأجيال التى عايشت عصره الذهبى إلا أن الانطلاق الحقيقى لبريد السودان لم يكن حتى الأن بذات روح التدشين وكلما طال الانتظار مابين ضربة البداية ووصول الخدمة سينصرف قطاع كبير عن الإقبال عليها ومساندة الشركة الجديدة . وربما يكون من المناسب أن تنتقل الشركة الى إعلانات تعرف بالخدمات البريدية ومناطقها ورسومها وتسهيلاتها حتى يقبل المستفيدون عليها وتعيد الشركة الثقة فى الخدمة البريدية . فى النظريات الإعلامية تتكامل وسائل الاتصال فى أداء مهاها ولايلغى اللاحق منها السابق .