وما زلنا نقرأ في عجب.. بيان الأحبة أهل الإنقاذ.. وهم يقدمون كتابهم في صباح ذاك اليوم «الأغر» بالنسبة لهم.. المفزع بالنسبة لنا.. وقبل الإبحار في خضم ذاك البحر المخيف.. دعوني أقدم لكم «تحلية» علها تذهب عن حلوقكم طعم المرارة.. و«التحلية» هي طرفة عابثة أو ضاحكة.. علها تفك من وجوهكم «المصرورة» تلك التقطيبة وذاك التجهم.. الطرفة منسوبة إلى المرحوم الرائد زين العابدين محمد أحمد عبد القادر.. فقد جاء الرجل يوماً إلى «نميري» وكان «الزين» أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة.. جاء إلى نميري والبلاد تعيش أسوأ أيامها.. فقد انعدم الرغيف والجاز والزيت والغاز.. والناس في كرب عظيم من شح ضروريات الحياة.. تقول الطرفة إن الرائد زين العابدين قال لقائده نميري.. بالله يا ريس دي بلد دي أي حاجة ما في.. «عليّ الطلاق لو البلد دي ما حاكمنها كنا قلبناها».. انتهت التحلية.. نعود مرة أخرى لمضغ «الصبر» وهو العودة لمطالعة البيان.. بيان 30 يونيو الأول.. والبيان يورد جملة من مسببات ودواعي «الانقلاب».. وحقاً وصدقاً لو كان ما جاء في البيان صحيحاً مطابقاً للواقع.. لكان سبباً كافياً للانقلاب على حكومة الديمقراطية الثالثة.. بل كان كافياً للانقلاب حتى على حكومة «ديفيد كمرون» نفسه.. ولأطاح بأعرق ديمقراطية عرفها الناس.. والآن هاكم فقرة من بيان الخلاص.. «أيها المواطنون الكرام.. لقد عشنا في الفترة السابقة ديمقراطية مزيفة.. ومؤسسات حكم رسمية ودستورية فاشلة.. وإرادة المواطنين تم تزييفها بشعارات براقة مضللة وبشراء الذمم والتهريج السياسي.. ومؤسسات الحكم الرسمية لم تكن إلا مسرحاً لإخراج قرارات السادة.. ومشهداً للصراعات والفوضى.. أما رئيس الوزراء فقد أضاع وقت البلاد وبدد طاقاتها في كثرة الكلام والتردد في المواقف حتى فقد مصداقيته».. وننتقي من الفقرة أعلاه وفي عناية وقصد وكمان «ترصد».. ننتقي تلك الفقرة التي تتحدث عن «كثرة كلام رئيس الوزراء» والذي هو الصادق المهدي.. ولا نكذب حديث هؤلاء الإخوان.. بل دعونا نقول لهم «صدقتم.. صدقتم».. فعلاً الرجل كان يتحدث كثيراً.. ولكن ماذا عنكم أنتم.. وحسب رأيكم أن «كثرة كلام» رئيس الوزراء كان أحد أسباب هبوب عاصفة الإنقاذ.. طيب.. كان الرجل وحده هو الذي يتحدث كثيراً.. ولن نقول.. إنه كان ينتقي المفردات والتعابير التي تليق بالشعب السوداني وتفيض تهذيباً وتحتشد أدباً ورزانة.. كل ذلك لا يهم المهم ماذا عن الذي نشهده ونراه ونسمعه الآن.. الآن «بدل» واحد يتحدث كثيراً باتت البلاد تحت وابل من مطر الكلام.. يهطل صباح مساء في «الضهرية» وقبل أن تشرق الشمس و«في عز الليل» كلام من سحب أشكال وألوان.. سحابة تمطر في لغة عربية «مكسرة».. وسحابة ترسل من الألفاظ والأوصاف ما هو أخطر اشتعالاً من قنابل الفسفور.. وسحابة تهطل حبيبات الكلام في تعالٍ وترفع و«كبر نفس».. وسحابة تستدعي الحروف والمعاني من «الريف الجواني» لتأتي لنا بعبارات وأوصاف بارحها ونسيها حتى الريف الجواني نفسه.. ما عاد لسان الحكومة واحداً كما يحدث في كل الكوكب.. هذه الحكومة لها ألف لسان ولسان.. كل «واحد» فيها يعتقد ويتيقن أنه هو وحده «الإنقاذ».. ما أن يظهر أي مايكرفون حتى يندفع إليه من يعتقد أنه من امتلك الحكمة وضمير الإنقاذ.. وختاماً.. وحتى تضحكوا يا أحبة حتى تستلقوا على قفاكم.. وشر البلية ما يضحك.. نقول إن هناك سبباً لقيام الثورة قد ورد في البيان الأول وهو «لقد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي إلى الشرفاء فشردتهم تحت مظلة الصالح العام مما أدى إلى انهيار الخدمة المدنية.. وقد أصبح الولاء الحزبي والمحسوبية والفساد سبباً في تقديم الفاشلين في قيادة الخدمة المدنية فأفسدوا العمل الإداري وضاعت بين أيديهم هيبة الحكم وسلطان الدولة ومصالح القطاع العام» انتهى.. والآن يا أحبة أترككم تضحكون أو تبكون- لا فرق- حتى بكرة حيث نلتقي