وبالأمس أوردنا فقرة ضاحكة.. أو دامية من بيان الأحبة في الإنقاذ فقرة توهطت قلقة.. متمردة.. ولا أقول مخادعة وغير صادقة في البيان الأول.. فقرة تتحدث ولا يطرف لها جفن وهي تقول.. لقد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي إلى الشرفاء فشردتهم تحت مظلة الصالح العام.. أما أنا فقد اجتاحتني موجة عاصفة من ضحك هائل.. ثم أعقبتها موجة دامية من حزن يتمدد بعرض وطن.. بطول أسى.. بعمق فجيعة.. ولن أحدثكم عن سبب ضحكي.. حتى لا تتسلل ابتسامة شهيدة إلى وجوهكم المحزونة.. وحتى تتأهبوا لذرف الدموع بل هو طوفان الدموع، عندما أحكي عن الصالح العام. وللأحبة في الإنقاذ نقول.. لو صدقنا كل حرف ورد في البيان الأول.. وسلمنا به تسليماً.. اسمحوا لي أن أقول.. إنني لم ولن أصدق حرفاً واحداً عن ما ورد عن العهد الديمقراطي.. وكيف استل سيف الصالح العام.. الذي كان مقبضه وحديده هو الحزبية والفساد السياسي، فأطاح بالشرفاء تحت مظلة الصالح العام.. وذلك لسبب بسيط جداً وهو أنه حتى رئيس الوزراء نفسه- والذي هو الصادق المهدي- ما كان في استطاعته وإن أراد أن «يرفت» ساعياً أو عاملاً.. أو مراسلة أو موظف يعمل بشروط الخدمة المدنية حتى لساعة واحدة.. ولتعلموا أن الإحالة للصالح العام.. لم يكن يعرفها الشعب السوداني في تلك الحقبة من الحكم الديمقراطي.. ولتعلموا أن أي مواطن يعمل وفق منظومة الخدمة المدنية.. وعندما يخطيء.. يخطيء فقط- وليس عندما «يسرق» أو يختلس.. أو يرتشي- كان يعقد له مجلس محاسبة، وإذا وجد مخطئاً تتدرج العقوبات.. من لفت النظر والتوبيخ، ثم خصم من المرتب، ثم الحرمان من درجة الترقية.. أما أن يطاح به من العمل.. فهذا ما لم نسمع به مطلقاً وأبداً.. أبداً.. ونتحدى أي كائن من كان أن يورد حالة واحدة لمفصول واحد طيلة عصر ديمقراطي بسبب حزبية أو فساد سياسي.. وهنا يجب أن نورد معلومة.. أو واقعة واحدة حدثت في ذاك النظام الديمقراطي.. وتحديداً في عهد حكومة الصادق المهدي.. نعم لقد تم فصل.. أو تمت الإطاحة من الخدمة المدنية بشخصين اثنين فقط هما السيد نجم الدين شريف والدكتور أسامة عبد الرحمن النور وهما من قبيلة... بل من علماء الآثار.. ولكن لحكمة يعلمها الله وحده.. كان المسؤول الأول.. والذي أصدر بيان فصلهما والإطاحة بهما الأول.. هو وزير محسوب على حزب الأمة.. واتضح لاحقاً إنه أحد ركائز بل أحد أعمدة الإسلاميين الراكزة.. ولا أعلم كيفية تسلله إلى حزب الأمة.. وماذا كان يعتمر حينها.. ولكن الذي أعلمه جيداً أنه قد كوفيء عن ذاك «الذبح» لعالمين جليلين في الآثار بأن صار أحد نجوم الإنقاذ قبل أن يقوى ويشتد عودها. والآن إلى الصالح العام.. حيث الأسى والسهد والسهر وطوفان الدموع.. ودعوني أقسم بالذي رفع السماء بلا عمد.. إني لم أسمع بالصالح العام ذاك الوحش الهائل المخيف إلا في عهد الأحبة في الإنقاذ.. ولماذا القسم ولماذا «الحليفة» وقد اعترفت به الإنقاذ نفسها.. فقد أعلنت وعبر الفضاء.. وتحت أضواء الشمس.. وعلى رؤوس الأشهاد أنها من ابتدعت وصاغت من الفولاذ ذاك السيف القاطع البتار.. قالت وبعد عشرين سنة وتزيد إن عهد «التمكين» قد انتهى.. وأنه وبعد اليوم لا وظيفة إلا عبر تنافس وكفاءة.. وبذا أسدلت الإنقاذ ستائر سميكة على حقبة حزينة وبشعة في تاريخ هذا الوطن الجميل.. وشعبه المدهش العظيم النبيل.. صفحة اسمها «الصالح العام» ذاك الذي يحيل المواطن رب الأسرة.. والد الأطفال.. وكافل الأمهات مجرد رقم «فايل» أو نمرة ملف.. يمكن في يسر أن يوضع في مخزن المصلحة.. أو الوزارة.. أو المؤسسة.. عندما تدفع الحكومة بصاحبه، والذي هو من لحم وعظم ودم إلى الشارع العريض.. لتضمه وحشة الطريق.. بكرة نتلاقى ونختم