منذ عدّة أيام، أتابع ما يرد في بعض المواقع الإسفيرية، خاصة مواقع المجموعات أو الجماعات أو الحركات المعارضة والمسلحة، وكان ملفتاً إلى حد بعيد احتفاء قيادات هذه الجماعات والمجموعات والحركات بزيارة رئيس حزب الوسط الإسلامي، الدكتور يوسف الكودة إلى «كمبالا» مع تضمين هذا الاهتمام بترحيب استباقي مبطن بتوقيع «الكودة» ميثاق «الفجر الجديد» مع ما يسمى بالجبهة الثورية التي يرأسها الخارج المتمرد مالك عقار الذي أهدته الحكومة السودانية، من قبل وخلال الانتخابات العامة الماضية، فوزاً مشكوكاً فيه وتنازلت بمحض إرادتها عن مكاسبها آملة أن تكون تلك التنازلات مهراً لوحدة متآكلة بين السودان وجنوبه في الاستفتاء الذي ارتبط بالانتخابات.. وكالعادة وجدت الحكومة أنها دلقت سطل مائها دون أن يكون بجانبها نهر أو بئر أو نبع، أو (سبيل) حتى.. بعد الانتخابات والفوز المشكوك فيه زاد عقار انتفاخاً على ماهو عليه، وتضخّم تضخماً زائفاً، وأصبحنا نتمثل فيه قول الشاعر: ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد وعندما جد الجد، فرّ «عقار» وعاد إلى صفوف التمرد، وأرادت به الحركة الشعبية بوجوده على رأس السلطة في ولاية النيل الأزرق أن يكون لها بمثابة (مسمار جحا)، كما أرادت أن يضعف لها خصومها في الخرطوم، ثم يضعفهم حتى تؤول لها كل الأمور بعد زحف المهمشين في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور إلى «الخرطوم».. وأن تستخدمه وغيره مخالب تنهش في جسد الوطن الكبير، بل أرادت من خلاله أن تقضي على خصومها في جمهورية السودان من واقع استصحاب المثل القائل: (جوّع قطك يأكل فأرك).. ولكن جاع القط ولم يجد فأراً بل أسوداً تكشر عن أنيابها ترد كيد الكائدين. ما كنت أتصور أن يقع أخي وصديقي الدكتور يوسف الكودة في هذا الفخ، ويذهب طائعاً مختاراً إلى «كمبالا» في يوغندا ليكون من الموقعين على وثيقة العار المسماة بالفجر الجديد، لكن «الكودة» وللأسف الشديد فعلها، وأثار جملة من التساؤلات حول الأسباب التي دفعت به إلى حافة الهاوية، مع ثلة الخونة والمنبوذين الذين أرادوا (شطب) الدين بجرة قلم، ليحكموا سوداناً لا شريعة فيه ولا دين، ولا يحزنون.. سوداناً تتقاذفه أمواج العلمانية المتلاطمة، وتدفع به إلى حضن الشيطان الأكبر، وبقية الشياطين في مشارق الأرض ومغاربها. نعم.. فعلها «الكودة» ووقع في الفخ ووقّع، ومع ذلك مازالت أبواب التساؤلات مفتوحة لا تُغلق حول إن كان هناك من حرّك هذا القيادي الإسلامي إلى طريق «كمبالا»، أم أن هذه مجرّد بداية لتكوين جبهة عريضة ضد النظام حتى من حلفائه الأساسيين، ونعني بذلك المجموعات السلفية أو الوسطية، أو التي تدعى التمسك بشرع الله. أمسك «الكودة» بالقلم ووقع.. وفتح بذلك عمل الشيطان رغم أن عتاة المعارضين التاريخيين، والذين هم من وزن الريشة أو وزن الذبابة على أكثر تقدير نكصوا عن فعلتهم تلك، وقال قائل منهم إنهم تراجعوا لأن الوثيقة المسماة بالفجر الجديد لم تجد قبولاً لدى الشعب السوداني وعامة الناس.. وأخذ كل الموقعين ينكرون ما (بصموا) عليه بالعشرة.. والحكومة لم تستطع أن تفعل شيئاً سوى الإدانة والتنديد السياسي دون فعل قانوني يوقف مثل هذه المهازل، وهذا هو ما يشجِّع كهنة المعارضة وديناصوراتها على استقطاب قوى حقيقية ترفع راية الإسلام للتوقيع معها، حتى تكسبها شرعية اجتماعية وسياسية، وتؤسس لها أرضية شعبية تنطلق منها إلى أهدافها المعلومة.