ونحن بين الآهة والأنين.. نغالب الدمع الهتون.. نتجلد.. ونقول لصديقتنا وزميلتنا «ناهد بشير الطيب» ما تشيلي هم اتصبري.. ونحن أعلم الناس بصعوبة الأمر.. لا سيما وأنها فقدت كبرى بناتها وزهرة العائلة والشباب الدكتورة «هبة».. تعرفت في أيام المرض والعزاء العصيبة تلك على كل أهلها.. منهم خالتها «قدرية معوض» المرأة المثقفة الواعية التي تعرف كل كتّاب الصحف وقد خصتني بكثير ثناء أخجلني وقالت لي ربما احتاجك يوماً يا بنتي. تواصلنا بالهاتف أكثر من مرة.. آخرها بالأمس وهي مفجوعة ملتاعة.. «أستاذة زينب» عايزاك ترثي لي أختي «رجاء».. رفيقة دربي.. وشريكة طفولتي.. آآه يا وجع قلبي.. وبكت بحرقة جعلتني ملتاعة.. وهي تحكي لي عن المرحومة عميدة الأسرة.. وجامعة الشتات.. ومواصلة الأرحام.. بصورة مستمرة ولو بالهاتف.. أم «غازي» الطيبة.. قارئة القرآن.. طيبة القلب.. الودودة المحبوبة.. التي تغسل كلماتها بكل أنواع العطور قبل أن تنطق بها..! رجاء «معوض».. التي تحشرجت أنفاسها الزكية داخل صدرها الكبير الذي يسع كل الدنيا.. وضاقت «البراحة» على سعتها.. وعجز الأطباء عن رد القضاء.. ففاضت روحها الطاهرة إلى بارئها.. والجميع يبكي داخل وخارج أرض الوطن.. «سلامة القلب.. وسعة الصدر.. وحلو الحديث..!». أتعلمون يا سادة أن الناس لا تبكي الأجساد الزائلة فهي إلى فناء ولكنها تبكي القيم واندثار الفضائل.. تبكي النموذج الروحي المتكامل الذي يعرف أن الدين المعاملة.. ويستفيد من ثقافته وعقيدته في أن يجعل من نفسه المتصالحة مهوى للأفئدة ومحبة الناس!! ترملت «رجاء» بعد وفاة زوجها إبراهيم صالح رئيس نادي الهلال الأسبق.. وشالت الشيلة التي تقصم الظهر المعوج.. وتظهر أصالة المعدن وصدق الإيمان.. والإرادة والعزيمة.. ربت الأبناء والبنات.. وزرعت وغرست.. ورعت.. وسقت.. بالدموع والسهر.. والرهق.. وحصدت جيلاً مثقفاً واعٍ.. محترماً.. حتماً سيكون أيضاً نواة لأجيال أخرى.. تدانيه مكانة.. يفصح البكاء بمرارة.. والدموع بغزارة.. على عظم الفقد.. وجلالة القدر عند الأهل والأحباب.. فالناس شهود على بعضها.. زاوية أخير: ونحن بين القدر والرجاء.. نحتسب عند الجليل العظيم.. الوالدة «رجاء معوض».. عوضها الله جنة وحريراً رحمة وغفران.. ومس بيده الرحيمة على تلك القلوب المفجوعة بمرهم الصبر والتسليم!!