طافت بالذهن ذكريات تعود الى بداية عقد الثمانينات و أنا استعرض فكرة هذا المقال .. زميل انجليزي كنا نتقاسم مكتبا واحدا في مدينة صغيرة بمقاطعة هيرتفوردشاير بانجلترا كان يحرص على قراءة صحيفتين شهيرتين من صحف التابلويد انذاك (ديلي ميرور و ذي صن) و يجافي صحيفتي القارديان والفاينانشيل تايمز و اللتان كانتا توفران مجانا بالمكتب حتى خلال عطلة نهاية الاسبوع .. كنت استغرب ولعه الشديد وشغفه بقراءة اخبار الفضائح .. وتبين لي لاحقا أن حرص فئات كبيرة من هذا الشعب الراقي على تتبع اخبار الفضائح انما يعود الى ثقافة تهتم بكشف المخادعين والفاسدين والمفسدين والمتهربين من الضرائب و الخارجين عن المألوف الاجتماعي من الشخصيات العامة و المشاهير.. يتربص صحفيوا هاتين الصحيفتين بامثال هؤلاء الناس واللذين قد يعاقبوا في نهاة المطاف بالعزل الاجتماعي.. ورغما عن ما تذخر به كتابات هؤلاء الصحفيون من اثارة قد تصل الى حد ذبح الشخصية الا أنهم لا يجافوا الموضوعية للأسباب التي سبق ذكرها ..صحافتنا السودانية عريقة .. كابد روادها الاوائل ما كابدوا من مصاعب ومتاعب حتى تركوا لنا أرثا نباهي به الامم .. وتوالت اجيال من الصحفيين اضافت لهذا الميراث العظيم حتى في احلك ظروف القهر والتسلط والرقابة .. واليوم تذخر صحافتنا بصحفيين جادون تلمس في كتاباتهم حبهم لهذا البلد الطيب و العمل على رفعته ..نفخر بهم .. وبوجودهم يطمئن المرء على البلاد ومستقبلها ..هذه هي القاعدة .. ولبعض القواعد استثناءات .. ما دفعنا لكتابة هذا المقال و هذه المقدمة الطويلة نسبيا ما سطره الصحفي حيدر احمد خيرالله في عموده(سلام يا وطن) بصحيفة الجريدة الاسبوع الماضي والذي تضمن هجوما جائرا على جمعية حماية المستهلك واثنين من قادتها .. اجتهدنا بقدر ما اتيح لنا من معرفة فنية وخبرة وبصيرة في تبين لمحة من موضوعية فيما رمي اليه .. كما باءت محاولتنا في ايجاد نزر يسير من الشبه بين ما كتب وما يكتبه صحفيو الديلي ميرور أو ذي صن و لسؤ حظه لم نجد شيئا يعينه .. واستغربنا له وهو يباهى بأنه يكتب منذ أن كان صبيا غرا في السادسة عشر من عمره .. ورغما عن الشيب الذي بدأ يرسم خطوطه في شعر رأسه نرى فيما كتب حول هذا الموضوع تحديدا أنه لم يبلغ سن الرشد الصحفي بعد .. وكما أن هناك مفقوداً تربوياً لا نرى خلالا في وجود مفقود صحفي ان جاز التشبيه .. ونقص صحفي راشد لن يضر بمسيرة الصحافة السودانية القاصدة لخير هذه الامة ..كان محور حديثه الضعف الفني والاخلاقي للجمعية وقادتها والذي لم نجد فيه الا تشكيكا غير مؤسس في الجمعية وتجريحاً لقادتها .. فنيا نقول له ان رسالة جمعيات حماية المستهلك تنحصر في توعية المستهلكين بالمخاطر الاقتصادية والصحية والبيئية التي تهدد حياتهم .. واقتراح الحلول والبدائل التي تعين على تحسين حياة المستهلكين .. ان عملية توعية وتنوير وتثقيف المستهلكين عملية مستمرة (a lifetime process) و لا تأتي نتائجها بين يوم وليلة .. ان السيطرة على الاسعار وخفضها لا يقعان ضمن مسئولياتها .. لأن الأسعار تحددها اليات السوق .. أي قوانين العرض والطلب .. وعندما تدعو جمعية حماية المستهلك الى مقاطعة استهلاك أي سلعة انما تتبع فكرة ذكية و مشروعة وصحيحة متى ما دعت الحاجة اليها تعتمد على القاعدة الاقتصادية البسيطة .. عندما يقل الطلب على سلعة ما على المعروض منها ينخفض سعرها والعكس صحيح.. ولكي تنجح الفكرة لا بد من مشاركة عدد كبير من المستهلكين .. ينتهى دور الجمعية بحض وتشجيع المستهلكين و المستهلكين احرارا فيما يتخذون من قرارات .. وجمعيات حماية المستهلك .. هي مجموعات ضغط تعمل على دفع السلطات الحاكمة لاصدار التشريعات التى تضمن وتؤمن حماية المستهلكين .. وليس من واجبها أواختصاصها مناهضة ومقاومة قرارات وسياسات السلطات الحاكمة ..ان ما يجمع بين جمعية حماية المستهلك السودانية ووزارة المالية وشئون المستهلكين وحدة في هدف نبيل الا وهو حماية ورفاهية المستهلك.. والحديث عن زواج متعة بينهما انما هو لغو حديث واثارة في غير مكانها .. ولقد اوقع الكاتب نفسه في تناقض غريب حين دعا لمحاسبة وزير مالية ولاية الخرطوم و نسي أن يسحب ذات الدعوة على النائب الاول .. والغريب في الامر أنه اباح لنفسه في مداهنة واضحة أن يحدث قراءه نيابة عنه مسببا دعمه للجمعية بنبل الفكرة!! وان كان يتحدث عن اهدار للمال العام فلقد طاش سهمه.. ان الدعم الذي تحصل عليه الجمعية انما يوجه لفائدة دافعي الضرائب وليس غيرهم .. وهو بذلك واجبا على الحكومة قبل أن يكون منة أو رشوة لترويض الجمعية واستئناسها كما حاول أن يوهم القراء ثمة امر اخر لا يقل اهمية .. فلا جمعية حماية المستهلك ولا قيادتها مسئولتان عن شح موارد المنظمات المدنية الاخرى أو تمويلها .. خلط للاوراق لا نرى له مكانا في سياق الموضوع.. والحديث عن الضعف الاخلاقي لا يعدو أن يكون همزا و غمزا و تشكيكا لا اساس له في ذمة رئيس الجمعية و امينها العام المالية .. ان جمعية حماية المستهلك تنظيم طوعي يستمد شرعيته من عضويته و جمعيته العمومية تنتخب ادارتها و هي الجهة الوحيدة في الكون المخولة بمحاسبة ادارتها على ادائها الفني و المالي .. ولا ندرى من اين جاء لنفسه بالحق في المطالبة بمحاسبة ادارة الجمعية .. ان محاولة استعداء مفوض العون الانساني على ادارة الجمعية محاولة طائشة لاقحامه في امر ليس من شأنه ..ولتعلم يا استاذ/ حيدر أن نصرالدين شلقامي الذي اجتهدت في الانتقاص من قدره رجل من الاخيار .. ففي عرفنا انه يقع ضمن تصنيف رسولنا الكريم (خير الناس أنفعهم للناس) .. وذلك يكفي .. لن نعدد انجازاته على كثرتها و كبر حجمها و قيمتها فما عهدناه يتباهى بالقيام بواجبه نحو وطنه وهذا الشعب الطيب .. ولن نفسد عمله الطيب بالمن و الأذى ..لا شك لدينا من انك مدين باعتذار للرجلين و لأعضاء جمعية حماية المستهلك .. فاعضاء الجمعية ليسوا في حاجة لوصاية من أي كان ..كلمة اخيرة .. من باب المناصحة نقول لك .. لا تكن سببا في تنفير الناس من قراءة الصحيفة التي تنتمي اليها .. لأنه يحزننا ألا يجد جهدك و جهد زملائك نصيبا كافيا من اهتمام القراء .. وفي يقيننا أنه طالما كانت صحافتنا بخير ستكون امتنا بخير .. ودمت يا استاذ / حيدر احمد خير الله حتى نراك صحفياراشدا ..