الرماد كال حماد هذه سلسلة مقالات مختلفة المواضيع نشرتها على صحيفة (آخرلحظة) المحترمة تحت عنوان «الكلام دخل الحوش» وها أنا ذا اليوم أكتب المقال الخامس من هذه المجموعة تحت عنوان «الرماد كال حماد». في كل ما سبق من مقالات حاولت أن أكون شفافاً وصريحاً «للطيش»- أي أن أسجل على الورق ما أشعر به واعتقد بأنه الصواب بلا رتوش أو مجاملة، وأتحمل في النهاية مسئولية صراحتي وفي هذه المساهمة المتواضعة أقرر مسبقاً بأني مسؤول عن كل كلمة تورد فيها. في البداية لابد لي أن أشكر المثقف السوداني السيد السموأل خلف الله أمين عام مؤسسة أروقة للدعوة الكريمة التي وجهها لي للمشاركة في نقاش كتاب قيم «بلا مجاملة» ألفه المفكر السوداني الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل بعنوان:( الربيع العربي.. ثورات لم تكتمل بعد)، وقد شارك في نقاش ما جاء في الكتاب المفكر الإسلامي إمام الأنصار الحسيب النسيب الصادق المهدي، وزميلي د. عبدالله علي إبراهيم، والداعية الإسلامي الذي يتمتع بجزالة اللفظ «Poetic Diction» الدكتور عصام أحمد البشير، وساهم كثيرون من الحضور في النقاش ومن بينهم شخصي. ü الإمام الصادق كان كعادته مرتباً في أفكاره، لكن الواقع السياسي المحبط في بلادنا قد شغله أكثر من الكتاب موضوع المنتدى، بالرغم من أنه قد عدد نقاط الاتفاق والاختلاف مع المؤلف. ü أما النقطة الجوهرية التي التقطتها «أنا» من حديث الإمام فهي قوله بإنه يختلف مع المؤلف في تسمية ما حدث من ثورات في العالم العربي بأنها «ربيع عربي» وقال إنه يصفها بالفجر الجديد. ü أما مساهمة زميلي العالم الدكتور عبدالله علي إبراهيم، فقد كانت كعادته مساهمة مثقف بحق وحقيقة، انحصرت في الكتاب وعباراته ولغته وابتعدت عن السياسة، لكن ما لفت الانبتاه في مساهمته قوله إن إسرائيل ليست عدواً مباشراً للعالم العربي، بل هي أيضاً ضحية للسياسات الأمبريالية في المنطقة، وكانت هذه المعلومة نقطة معقدة اعتقد أن أغلب الحاضرين لم يتفهمها، وأنا من بينهم. ü وحديث العالم الإسلامي د. عصام أحمد البشير كان وعظاً وإرشاداً ونصحاً يحمد عليه وثوابه عند المولى عز وجل. ü ما دعاني لكتابة هذه المساهمة عدم تمكني في المنتدى المذكور من توضيح وجهة نظري وأفكاري نسبة لضيق الوقت، لأن مدير الحلقة البروفيسور علي شمو كان صارماً في تحديد الوقت للمشاركين، ومن ثم رأيت أن أدلي بدلوي فيما جاء في هذا الكتاب القيِّم بهذه المساهمة المتواضعة، على أن انشرها على صحيفة (آخرلحظة) المحترمة نسبة لأن بعض الأفكار التي جاءت في الكتاب لم تكن موفقة، وتعامت عن الحقائق التي اعتقد جازماً بأنها بائنة وواضحة مثل الشمس في كبد السماء. فيما يختص باسم الكتاب فإني اختلف مع المؤلف المحترم «بحق» بأن الثورات التي عمت بعض الدول العربية من الخطأ الفادح تسميتها ووصفها بثورات الربيع العربي، ذلك لأن كلمة الربيع تعني الخضرة والجمال، وباختصار غير مخل تعني أيضاً الشيء الحسن، وأنا لا اعتقد أن هذه الثورات العربية تستحق هذا الاسم الإيجابي المفعم بالتفاؤل، وفي نفس الاتجاه فإني اختلف مع السيد الصادق المهدي الذي وصف هذه الثورات بالفجر الجديد.. هذا في تقديري حلم ومع احترامي «الأكيد» للسيد الصادق يقول السودانيون بأن حلم الجعان عيش» من جانبي اعتبر أن الوصف المناسب لهذه الثورات العربية ليس وصفها بالربيع العربي ولا الفجر الجديد، بل هي فجر كاذب ولدي من الأسباب ما يجعلني أصر على ذلك. ü لقد قرأت مؤلف مصطفى عثمان اسماعيل صفحة تلو الأخرى، والمؤلف يحتوي على أربعة فصول ولا خلاف بيني وبينه حول الفصل الأول فيما يختص بالعلاقات الدولية ومراحل تطورها، وقد سمعت مثل هذا السرد الجيد للتاريخ السياسي منذ خمس عقود من الدكتور «شارما» الهندي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم في ذلك الزمن الغابر - إذن مافي مشكلة - وهذا الحال ينطبق أيضاً على الفصل الثاني للكتاب حول علاقة العرب في الجاهلية وبواكير الإسلام- أيضاً ما في مشكلة- أما الفصل الثالث وعنوانه العلاقات العربية بعد ظهور الإسلام، وحتى قيام ثورات الربيع العربي فهو فصل يمثل في تقديري لب المشكلة في مؤلف الدكتور المحترم مصطفى عثمان إسماعيل. ü لقد غاب على المؤلف المحترم وربما لدبلوماسيته وعلاقاته الدولية أن يشير الى أن ظهور الإسلام قد فجر صراعاً ثقافياً في ذلك العصر عندما طرح نفسه بأنه هو البديل الإنساني والمنقذ للبشرية من فساد ذلك العصر بما في ذلك أوربا، التي كانت ترزح تحت طغيان أنظمة فاسدة وقمعية ومستبدة.. كان على الدكتور المحترم «المؤلف» أن يشير الى أن الإسلام الدين القيم قد قدم بالرسالة المحمدية حضارة بديلة للعالم ترتكز على المساواة بين البشر وعلى مفاهيم الحرية والعدالة الاجتماعية، بما في ذلك محاربة العبودية والاسترقاق والظلم البائن الذي كان يسود العالم قبل ظهور الإسلام.واعتقد بأنه كان على المؤلف الذي ينتمي للتيار الإسلامي في بلادي أن يكيف الصراع الماثل الآن في المنطقة، ويعود به إلى جذوره منذ الحروب الصليبية، وسقوط الدولة العثمانية التي تآمر عليها الصليبيون والصهيونية العالمية، وفات أيضاً عليه بل كان يجب عليه أن يؤرخ لمرحلة الانحطاط في العالمين العربي والإسلامي منذ عام 1942م- على أقل تقدير- عندما تم تكوين جامعة الدول العربية بمبادرة من أربع دول عربية كانت كلها تحت الاحتلال البريطاني. ü في تقديري المتواضع أن سقوط القدس على أيدي الصليبيين والتآمر والانقضاض على دولة الخلافة العثمانية، وقيام جامعة الدول العربية بديلة لدولة الخلافة وحتى قيام ما يسمى بثورات الربيع العربي، كلها مسلسل واحد يهدف إلى تحجيم الإسلام ومحاربته، لأنه هو البديل لمادية الغرب الذي يحابي الصهيونية العالمية في مواجهة الشعوب المسلمة وعلى رأسها الشعب الفلسطيني. ü وكان على الدكتور المحترم أن يتطرق أيضاً لظهور الأنظمة القومية في العالم العربي ويفضح ممارساتها، وفي تقديري المتواضع أن أكبر هزيمة مُني بها العالم الإسلامي ظهور أنظمة الناصرية والبعث التي قضت على أممية الإسلام، والمجازر التي تمت للإخوان المسلمين في مصر وسوريا والعراق خير دليل على ذلك، وهذه المجازر تمثل في تقديري انتصاراً للصليبيين علماً بأن الأخوان المسلمين في مصر عندما طالهم القمع الناصري كانوا يرابطون على قنال السويس ويقاتلون الدولة الصهيونية. ü اعتقد أن هذه المعلومات لم تكن غائبة على مؤلف الكتاب، لكنه غض الطرف عنها لأسباب عدة من بينها دبلوماسيته وعلاقته الدولية، بما أضعف من اطروحاته. ü أما تفاؤل المؤلف بأن هذه الثورات العربية التي سميت بالربيع العربي قد تنتصر لشعوبها نسبة لأن قادتها من الإسلاميين، فإنه تفاؤل لا يسنده واقع الحال، ذلك لأن هذه القيادات الإسلامية كانت أغلبها إن لم تكن كلها لاجئة في دول الغرب لعقود عدة، وتحت سيطرة مخابراتها. ü نعم وإني اتفق مع المؤلف بأن قيادة هذه الثورات إسلامية تصلي وتصوم وتزكي، لكنها وللأسف الشديد لديها ارتباطات مع الدول التي احتضنتها لعدة عقود، وهي الآن من المؤكد عليها سداد فاتورة استضافتها في الغرب لخمسة عقود على الأقل وما خفي أعظم.!! ü بالرغم من احترامي الخاص للدكتور المؤدب والمحترم ومؤلف الكتاب، لكني اعتقد بأنه قد أخفى على القارئ معلومات مهمة لأسباب عدة من بينها انتماؤه الفكري لهذه التيارات الإسلامية التي أصبحت الآن حاكمة في دول ما يسمى بالربيع العربي، ولا أبالغ إن قلت إن أغلب هذه القيادات لديها الآن جوازات سفر غربية!! ü في نهاية المطاف أرجو أن يسمح لي قراء صحيفة (آخرلحظة) المحترمة أن أوجه سؤالاً وأحاول في نفس الوقت الإجابة عليه- والسؤال هو: ما هو الاختلاف بين التنظيمات التي قادت ثورات الربيع العربي وبين التنظيم الذي انتظم ضد بلادنا في كمبالا وسمي بالفجر الجديد؟ في تقديري ليس هناك اختلاف اطلاقاً لأن الجهة الممولة واحدة والمحرضة واحدة، وعلى المؤلف المحترم أن يتفهم ذلك. ü أخيراً أقول وأنا مسئول عن كل كلمة أوردها بأن ثورات الربيع العربي (الفجر الكاذب) قد اكتملت لأن الفوضى الخلاقة تعم ربوعها الآن.. أما «الفجر الكاذب» السوداني فإنه يتشكل وسوف يكتمل ويبدأ العد التنازلي لنظام الإنقاذ إذا وقع أمام الأنصار عليه- وعليه الحقوا الصادق واستمعوا إليه وبالعدم الرماد كال حماد!. üالمحامي