اكتسبت المناطق المتنازع عليها بين دولة السودان ودولة جنوب السودان مابعد الانفصال- على طول الحدود التي يبلغ طولها 1800 كلم- بين الدولتين أهمية خاصة لتميزها بالكثافة السكانية التي تتجاوز عشرة ملايين شخص، ووفرة المياه والثروة الحيوانية، بجانب توفر عدد من الموارد الطبيعية الأخرى، والمناطق المعنية هي دبة الفخار، وهي منطقة تقع على بعد أربعة كيلومترات جنوب منطقة جودة بولاية النيل الأبيض.. وهناك منطقة جبل المقينص والتي تقع في مساحة حدودية بين ثلاث ولايات هي النيل الأبيض- وجنوب كردفان- وولاية أعالي النيل بجنوب السودان- والمنطقة الثالثة هي كاكا التجارية، وهي منطقة تجارية حدودية تفصل بين ولايتي جنوب كردفان وولاية أعالي النيل، والمنطقة الرابعة هي منطقة كافي كنجي- حفرة النحاس منطقة تقع في جنوب دارفور بالإضافة إلى منطقة أبيي الشهيرة.. والآن ظهرت منطقة سماحة بولاية شرق دارفور، لتتسع رقعة المناطق التي تتنازع عليها حكومتا السودان وجنوب السودان على الشريط الحدودي دون التوصل الى حل، مما جعلها مناطق ملتهبة مابين الحين والآخر، لتقع القبائل السودانية التي تعيش في كل هذه المناطق- وهي قبائل رعوية وبعضها يمتهن الزراعة- تحت مرمى النيران والاعتداءات المتكررة، وحالة عدم الاستقرار الأمني والحياة تحت التهديد المستمر، وهى قبائل المسيرية في أببي، وقبائل سليم والكواهلة في النيل الأبيض والرزيقات في سماحة، وبعض القبائل الأخرى والمزارعين على الشريط الحدودي.. * المقينص.. قصة أرض وقبيلة تحت النيران منطقة جبل المقينص والتي تقع في مساحة حدودية بين ثلاث ولايات.. هي النيل الأبيض- وجنوب كردفان- ومن على سهولها الخضراء.. ومع رعاتها البسطاء وقفت آخر لحظة على تخوم جبل المقينص وعلى مدار الثلاث ساعات تجولت معهم ووثقت لما يتعرضون له من مضايقات ونهب واعتداءات من قبل جيش الحركة الشعبية على الشريط الحدودي، وكاميرا الزميل أنس عيسى تعكس حقيقة الصورة الكاملة لمنطقة المقينص، وهي منطقة وجود سكاني لا يستهان به، وتسكنها قبيلة سليم وبعض قبائل النيل الأبيض، وهي امتداد مابين سليم جنوباً والشنخاب والأحامدة شمالاً على امتداد قراها من المسبل، والمشارة، وكوكة، والبشارة، والدبة الطيشة، والمطمير، وهيرة الجداد، والتبلدية، وإنسانها مسالم وبسيط يعيش حياة البداوة بكل تفاصيلها، ويوجد نزاع قديم بين قبائل سليم والشلك في بعض الأراضي الزراعية والرعوية، وفي تجمعهم أمام انعامهم من الضأن وماشيتهم حكوا لنا قصتهم مع المعاناة التي يتعرضون لها، دون أن يجدوا حماية لحياتهم وأمنهم وسلامتهم وكذلك ثروتهم الحيوانية * تفاصيل ما يحدث..(يحيى الصافي) يحكي أكثر... بالقرب من صهريج المياه وهم يوردون قطيع ضأنهم اقتربنا منهم، فرحبوا بنا ببساطة أهلنا الطيبين، وتحدث الينا المواطن يحيى حسين الصافي من قبيلة سليم، وفى عينيه نظرة عميقة وحزينة، وهو يقف متكئاً على عصاته، وهو يتحدث الينا بلغة بسيطة ولكنها قوية كمن ينفث من صدره حملاً ثقيلاً ووجعاً أرهقه التحمل، وهو يقول:(لقد تعبنا تعبنا من ناس جيش الحركة الشعبية وسرقتها لبهائمنا ونحن نفتقد الحماية، وما عندنا سلاح ندافع به عن أنفسنا، وفقدنا أكثر من 800 راس من الضأن، وكمان في ناس فقدوا فلوسهم، لأن ما يحصل هو نهب بالقوة وإذا رفضنا بقتلونا على طول، وفي ناس ماتوا والحكومة ما جايبه خبر، ونحن أكثر القبائل تعرضاً لهذا الاعتداء، ولا نجد الحماية من الحكومة، وحياتنا في خطر وماشيتنا وضاننا في خطر، وسبق بلغنا الأجهزة الأمنية، ولكن المنطقة واسعة ومتداخلة، وجيش الحركة بخش وبنهب وبرجع لحدودهم، ونحن مجبورين للتحرك ومتابعة بهائمنا وأسرنا، رحلنا الى داخل ولاية النيل الأبيض ونحن محتاجون لمورد الماء من بحر العرب، ولكن بعد الهجوم المتواصل بقينا نجي للصهاريج.. بس فصل الصيف قادم وسنعاني أكثر الى أن نحضر عندكم في الخرطوم للنيل، والسعية عندنا كبيرة، ونتعرض للنهب المتواصل، فناس الحركة لديهم نقاط في مناطق حدودية وعادي بياخدوا أبقارنا وضاننا.. وبقول إننا عايزين سلاح ندافع به عن أنفسنا، وما بننتظر لحد ما الحكومة تجىء لأن ناس الحركة ما بنتظروا زول يا قتلوك يا سرقوك... ومافي زول من القبيلة ما تعرض للنهب والسرقة أو القتل لواحد من أهلو... ونحن ما عندنا إلا عصاياتنا، لذلك بقول دا واجب الحكومة، وحقنا طوالى بنشال بقوة السلاح... وحتى اخوانا من الزراع تعرضوا أيضاً للنهب والقتل، ففي منطقة الكحيلة تم الاستيلاء على مواشي بعض الرعاة، ونحن من خلال جريدتكم ودا صوتنا للحكومة فهل تسمعنا وتدافع عنا لأن الوضع أصبح صعباً)... * حرب الحدود... الرعاة الضحية في انتظار الحل.. حوالي 13 مليون شخص ترتبط حياتهم بالحركة على جانبي الحدود- وهم معظمهم رعاة أو تجار يتبادلون المرعى والمنافع طوال شهور السنة.. حياتهم الآن في خطر بسبب اعتداءات أفراد جيش الحركة الشعبية، فالشاهد على ذلك توالي الأحداث فمتن الصحف حملت من قبل الاعتداء على هلجيج، وكذلك مناوشات أبيي، وقبل يومين أحداث محلية ابو جبيهة، وهجوم جيش الحركة على قبائل أولاد حميد، وقبلها أحداث سماحة، والاعتداءات على الرزيقات فيها.. كلها مؤشرات على نذر حرب حدودية مقبلة إذا لم يتم حسم ملف الحدود، والذي تم قطع شوط كبير فيه، ولكن تحركات جيش الحركة الشعبية وتغولها المستمر يجعل من المناطق الحدودية فتيلاً في انتظار الشررة الحارقة، لأن الرعاة على الحدود لن يصمتوا على الاعتداءات المتكررة، والشاهد أن تلك المناطق المعنية مقبلة على فصل صيف حار وجفاف قبل حلول الخريف.. فإن أوضاع الرعاة والماشية ستسوء إن لم تعد الحركة الطبيعية كما كانت، ويتم فتح الحدود، وهذا بالتالي يستتبع ضرورة حل الخلافات القائمة بين دولتي السودان بما يتيح فتح الحدود بأسرع وقت ممكن. وإلا فإن الرعاة مضطرون الى جلب بهائمهم الى الخرطوم لتشرب من النيل، كما هدد بذلك أحد نظارهم.. أو كما تحدث الينا الصافي من قبيلة سليم في المقينص، وإن كان لا يعني حرفياً ما قاله، إلا أنهم يحملون المسؤولية للحكومة حتى تجد لهم حلاً... فهل تطول معاناة هؤلاء الرعاة على امتداد الحدود؟ وكذلك الرعاة والذين لديهم قصص مشابهة... نأمل انفراج الأزمة الحدودية وترسيم ما تبقى من مناطق، ووضع اتفاقيات تحد من مسارات للرعاة وتحفظ حقهم في الرعي والحركة...