ويالبهاء وروعة التراجع عندما يكون عن خطأ أو خطيئة.. إنه تراجع بديع وحميد وبالأمس أوردنا نصاً وصية الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية، وهو يوصي أخوانه القياديين أن يتقوا الله في الاختيار للخدمة المدنية، وأن يكون المعيار فقط هو الكفاءة، بعيداً عن الحزب أو الجهة أو القبيلة، وأن تكون القوة والأمانة هي الجواز الوحيد لتسنم الوظيفة. نعم أنه تراجع حميد، ولكن لا بد من كلمات تقال للسيد النائب الأول لرئيس الجمهورية، كلمات نكتبها نيابة عن ظلم فادح لحق بأبرياء من أبناء هذه الأمة، وأيضاً نقول لماذا تأخر هذا القرار لمدى ثلاث وعشرين سنة وتزيد، ونسأل في إلحاح ما مصير كل أولئك الذين أطاح برقابهم سيف الصالح العام، وما مصير أولئك الذين تقدموا للوظائف يحملون من الشهادات أرفعها، ومن الأخلاق أقومها ومن القوة أجسرها، ولكن قذف بهم (التمكين)، بعيداً عن شواطئ الخدمة العامة، وأيضاً له نقول إن من أهم شروط الإقلاع عن الذنب.. وقد كان اختيار معظم أو جل الذين عبروا بوابات الخدمة المدنية طيلة عمر الإنقاذ استظلوا بمظلة التمكين وتدثروا بثياب (أهل الثقة)، وذلك كان ذنباً عظيماً.. نعم أن توجيه النائب الأول تصحيح بل إقلاع عن ذنب اقترفته الإنقاذ منذ لحظة انطلاقتها وحتى اليوم، ومن أوجب واجبات التصحيح والعودة عن ذاك الذنب، هو أولاً التأكيد على أن لا تعود الإنقاذ لذات الذنب، ثم ارجاع الحق وجبر الكسر والضرر لكل من تأذى وتضرر من ذاك النهج، الذي لم يخلخل الخدمة المدنية فحسب، بل خلخل حتى صدق الانتماء للوطن، ورسم ظلالاً حتى على لوحة المواطنة داخل نفوس من لفظهم الوطن كالنواة، فقط لأنهم ليسوا من أهل الثقة، بل وبصراحة كدة انهم ليسوا من ذاك التنظيم الحديدي، والذي لا يرى في غير الأخوان سوى أشرار ومعوقين. سيدي النائب الأول: نأمل ونتمنى ونرجو أن تكمل هذا المشروع- مشروع عودة الإنقاذ لبقية الشعب من المواطنين، وذلك باتخاذ قرارات شجاعة بأن تعيد الحق لكل من تضرر من تلك السياسات العاصفة المزلزلة، والتي حدثت في عهد الإنقاذ، كما نرجو ان تفتح ملف الصالح العام تطالعه سطراً.. سطراً، عندها ستعرف كيف أراقت أسنان التمكين وأظافر وأنياب الصالح العام دماء جرت على أرض الوطن كما السيل، وستعرف سيدي كم عصف الصالح العام بأسر، وكيف هدم الصالح العام من بنيان، وكيف تفككت عوائل.. وكيف هرب أرباب أسر عندما وجدوا أنفسهم في الشارع العريض، فكان لابد من الهروب من نظرات بل صرخات أطفال وزوجات.. وستجد منهم من مات كمداً، وتجد من (جن) وتجد من انحرف عن جادة الطريق تحت أعاصير اليأس والقنوط.. وتجد نفوساً كفرت حتى بالوطن نفسه، وأسئلة تهطل كالوابل من المطر ترددها ألسنة تسأل في مشروعية.. ما هو الوطن وأين هو في الدواخل؟!! إذا كان ذات الوطن يحرمك حتى من العمل.. وذات الوطن يعتبرك وفقاً للتمكين في درجة أقل من ذاك الذي يحمل بطاقة (أهل الثقة).. نعم جميل من الإنقاذ إن تراجع وتتراجع عن مظالم شديدة الظلام، ولكن يكون الأجمل أن ترتق تلك الجروح الدامية والنازفة.. ورجاء آخر للسيد النائب الأول لرئيس الجمهورية هو أن يلحق ذاك القرار بقرار أشد قوة وصرامة، وهو الإطاحة بكل الذين تسللوا الى الخدمة العامة عبر بوابة التمكين، وعبر دهليز أو (شباك) أهل الثقة من غير مؤهلات، فقد أثبتت الأيام.. بل السنوات أن كماً مقدراً من هؤلاء تنقصهم في جلاء القوة وتعوزهم في نصاعة الأمانة، وتخونهم في وضح النهار الكفاءة قل لهم شكراً واذهبوا الى (بيوتكم) فأنتم (مرفوتين).