في إحدى فترات الديمقراطيات في السودان، كانت هناك مجموعة من الشباب المثقف تنتمي للحزب الاتحادي الديمقراطي، وقد كان هذا هو الاسم قبل إضافة «الأصل» بعد أن تعددت تياراته واتجاهاته وتفرقت قياداته بين معارض ومعارض، ومؤيد ومعارض، ومؤيد ومؤيد.. ولكن كل هذه التيارات تلتقي تحت مظلة مولانا الميرغني، وقد كانت تلك المجموعة من الشباب تضم الأستاذ بابكر عبد الرحمن المحامي، وعبود المحامي، وموسى الحسين، ود. ود بادي، وحاتم السر، والمرحوم فتح الرحمن شيلا، وحسن مساعد، وآخرين. وقد أردت في هذه المساحة أن أقصر حديثي عن أحد هذه القيادات، وهو المرحوم فتحي شيلا، فأقول إنه الفتى الأبنوسي القادم من أرض المحس والدناقلة، وهو شمالي النكهة، ولكنه قومي الطعم، وأذكر قبل أن تنهار حكومة الصادق المهدي الأخيرة، كان هناك مقعد وزاري مخصص للاتحادي الديمقراطي بالولاية الشمالية، وقد ظل شاعراً لفترة، وقد تم ترشح كل من الأستاذ المرحوم عبود، والأستاذ المرحوم فتحي شيلا للمئة، وقد كان الاختيار صعباً في ظل الجهويات، حيث كان يمثل عبود جنوب الولاية منطقة الشايقية، وشيلا منطقة المحس والدناقلة شمال الولاية.. ولكن أخيراً رجحت كفة المرحوم فتحي شيلا، فعمل وزيراً لفترة قصيرة حتى جاءت الإنقاذ وانتهى تكليفه. فجاء للخرطوم وأنشأ كافتيريا بالقرب من عمارة هجو، ورئاسة شركة شيكان للتأمين، وكنا نزوره هناك فيكرمنا بالبارد وأحياناً بالساندوتشات، وكان يجلس في «الكاشي» بجلبابه الأبيض وشاله الذي يكسو معظم جسمه، ولكن كنت أحس أن الفتى الأبنوسي مميز مقتنع بما يفعل، وكان قلبه على الوطن أكثر من عمله الخاص. لذلك وفجاة سمعت بأنه التحق بالمعارضة خارج السودان، وهناك لمع اسمه وبرزت مقدراته بين المعارضين، وقفز إلى المواقع الأمامية بين قيادات المعارضة التي كانت تضم أحزاباً مختلفة، وبعد سنوات طويلة من المناكفة وعند إجراء المصالحات عاد للسودان وواصل نشاطه داخلياً، وعندما كنت أعمل بالأبيض جاء فتحي شيلا يقود وفداً من حزبه لإقامة ندوة هناك- لكن بصراحة أحسست في تلك الندوة أن حماس فتحي شيلا الذي أعرفه قد برد، وأن كلماته وتعابيره قد اختلفت عن ما قبل، وعقب الندوة سلم علي سلاماً حاراً برغم أننا كنا نجلس جانباً، باعتبار أننا نعمل في وظائف قيادية بحكومة ولاية شمال كردفان، وأن الندوة كانت لمعارضين للحكومة، وتناولنا الأحاديث والأخبار. وبعد فترة تم الإعلان عن انضمام فتحي شيلا للمؤتمر الوطني، وأوكلت اليه مهام إعلامية متعددة. إنني أعتقد أن تلك الخطوة قد جاءت لرغبة فتحي شيلا في تقديم خدمة للوطن، وقد سعى إلى ذلك بشتى الوسائل والطرق.. لكنه رأي أخيراً أن هذا المنفذ قد يمكنه من تنفيذ ذلك.. ورغم انسلاخه كما جرى تعبير الذين يحولون من أحزابهم، فإن علاقاته وصداقاته بأخوانه بالاتحادي الديمقراطي، ظلت ممتدة وقد ظلت تلك القيادات تعاوده في المرض، وقد ضاقت بهم الفسحات عند وفاته. ألا رحم الله فتح الرحمن شيلا وأسكنه فسيح جناته.