يبدو أن فرضيات جديدة قد تغيرت في الساحة السياسية السودانية بعد انتقال الصراع من محطة المؤتمر الوطني والمعارضة الى دخول الأخيرة في مواجهة مباشرة مع الحكومة، وما يؤكد ذلك موافقة أحزاب التحالف الخجولة على وثيقة كمبالا التي تعتمد العمل المسلح لإسقاط النظام، رغم نكوص بعض الأحزاب عن التوقيع تحت مزاعم عدم إحكام الصياغة والخلاف حول علاقة الدين بالدولة، والأخطر من ذلك إعلان المعارضة لرفضها دخول الانتخابات والمشاركة فى صياغة الدستور بدعوى عدم شرعية النظام، وضرورة تشكيل سلطة انتقالية بعد تفكيك الحكومة القائمة، وفي الطرف الآخر تتمترس قيادات الصف الأول في الحكومة خلف شرعية النظام، وتحذر من استمرار تشكيك المعارضة الدائم في الانتخابات، وأعلن ذلك جلياً د نافع علي نافع مساعد الرئيس في خطابه قبل أيام خلال مراسم التوقيع على ميثاق شرف لنبذ العنف الطلابي في الجامعات، والذي دعا فيه القوى السياسية لفتح صفحة جديدة تكون قاعدتها مبدأ الحوار، لكن تلك الدعوة رفضت بقوة من قبل المعارضة- وعلى لسان عضو تحالف قوى الاجماع الوطني محمد ضياء الدين- الذي شككك في مصداقيتها قبل أن يعلن تمسك الأحزاب بتفكيك النظام، وإعلان سلطة انتقالية لإدارة الانتخابات.. وقال لا حوار مع الحزب الحاكم، وعليه أن يترك مسألة الانتخابات لأن تكاليفها المالية والسياسية باهظة الثمن، وأن البلاد تعاني من ظرف اقتصادي معقد وخطير.. وأضاف «نقول للوطني مبروك الفوز بالتزكية أو الاجماع السكوتي» وتوقع أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين بروفيسور حسن الساعوري حدوث مواجهة بالسلاح بين الحكومة والمعارضة في أعقاب تمترس كل طرف بقناعاته حول الأوضاع السياسية القائمة في البلاد.. مشيراً الى أن أكبر دليل على أن الساحة تتهيأ لمواجهة مغادرة الأحزاب المعارضة لمحطة الحوار، وتأييد العمل المسلح من خلال التوقيع على وثيقة كمبالا، رغم ما أظهرته بعض الأحزاب من مبادئ نكوص وعدم اتفاق تحت دعاوى عدم إحكام صياغة الوثيقة، والاختلاف حول علاقة الدين بالدولة.. موضحاً أن السماء ملبدة بالغيوم والرؤية غير واضحة.. وأرجع الساعوري مهاجمة د. نافع علي نافع مساعد الرئيس في كل المناسبات للمعارضة الى وجود هواجس ومخاوف منها.. وقال يبدو أن المعارضة موجودة في ذهن نافع، لذا تراه دائماً يصوب سهامه عليها.. مبيناً أن ذلك يؤكد أنها موجودة على الأرض وذات تأثير وإلا لما أصبحت تشكل هاجساً لدى قيادات النظام، ونوه الساعوري الى أن المشهد يذهب في اتجاه الصدام.. فالمعارضة موجودة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق، بجانب الخلافات مع الجنوب والأزمات والمشاكل على الحدود، لافتاً النظر الى الهجوم المتكرر من قيادات النظام على المعارضة، وذلك يشير بوضوح الى خوف الحزب الحاكم من مخاطرها، وقطع بأن ذلك يثبت أن المعارضة لم تنهزم- كما ذكر نافع خلال مخاطبته أمس حفل تدشين ادخال الكهرباء ل12 قرية من قرى الريف الشمالي- بأن الغرب يئس من جدوى المعارضة، وأنه راجع مواقفه وأوراقه تجاهها، وتساءل الساعوري إذا كانت المعارضة مهزومة ومنكسرة لماذا تذكر دائماً ولماذا الانشغال بها.. ونوه الساعوري الى أن المعارضة لم تنهزم، ولكن تكتيكها يعتمد على ادخال الحكومة في حالة هوس وأرق وخوف دائم وعدم استقرار، في انتظار أن تلوح الفرصة وساعة الصفر للانقضاض على النظام واسقاطه من الداخل، ولذا أرى أن المشهد الحالي عبارة عن صراع بين غريمين المنتصر فيه من يحسن الانقضاض واستثمار ساعة الصفر.