كرتنا السودانية بين الأمس واليوم)    شاهد بالفيديو.. البرهان يصل من تركيا ويتلقى التعازي في وفاة ابنه    ديمبلي ومبابي على رأس تشكيل باريس أمام دورتموند    لماذا دائماً نصعد الطائرة من الجهة اليسرى؟    ترامب يواجه عقوبة السجن المحتملة بسبب ارتكابه انتهاكات.. والقاضي يحذره    محمد الطيب كبور يكتب: لا للحرب كيف يعني ؟!    القوات المسلحة تنفي علاقة منسوبيها بفيديو التمثيل بجثمان أحد القتلى    مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    إيلون ماسك: لا نبغي تعليم الذكاء الاصطناعي الكذب    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بعد ميثاق (الفجر الجديد) (2) ... تكتيكات المواقف .. بقلم: ماهر أبوجوخ
نشر في سودانيل يوم 25 - 01 - 2013

خلصنا في الحلقة السابقة لإنتهاء اجتماع كمبالا بالتوقيع على ميثاق (الفجر الجديد) وفي خاتمة ذلك المقال نوهنا لإرتفاع صوت احد الحضور منادياً بإرجاء التوقيع على الوثيقة لحين عرضها على القيادات السياسية بالداخل وتجاوز هذا الاعتراض بإعلان المناديب تفويضهم وإكتمال المشهد بالتوقيع على الوثيقة التي باتت معروفة بإسم (ميثاق الفجر الجديد).
في هذا المقال والذي اخترت له عنوان (تكتيكات المواقف) سأحاول التطرق فيه لجوانب من ردود الفعل على ميثاق (الفجر الجديد) من قبل الحكومة والمعارضة على حد السواء.
انتهي اجتماع كمبالا واعتبر الحضور أن الاتفاق على محتوى ميثاق (الفجر الجديد) هو تجاوز لشيطان التفاصيل لا سيما عقب النقاشات الشديدة التي شهدتها بعض بنوده، وبدأ لهم أن التوقيع عليه هو بمثابة فقأ لعين شيطان التفاصيل وتوقعوا أن يفضي لإنهاء حالة تعدد مراكز المعارضة السودانية التي تقسمت بشكل اساسي بين معارضة الداخل المنضوية تحت لواء (تحالف قوي الاجماع الوطني) والخارج المنضوية تحت لواء (الجبهة الثورية) بجانب وجود طرف ثالث لا يمكن اغفاله يتمثل في (الجبهة الوطنية العريضة)، ولعل تلك المعطيات دفعت العديد من المشاركين لمحاولة مقارنة (الفجر الجديد) بحدث اخر هو اتفاق فصائل التجمع الوطني الديمقراطي في اجتماعهم الذي عقد في العاصمة الارترية اسمرا في يونيو 1995م على (مقرارات مؤتمر القضايا المصيرية)، وكان التساؤول الرئيسي المطروح في أذهان المشاركين باجتماعات كمبالا ينحصر في توقع سيناريوهات ردة فعل الحكومة السودانية على هذه الخطوة، إلا أن الوقائع التالية فجرت مفاجأة لم تكن مستصحبة والمتمثلة في ردة فعل الأطراف الرئيسة في معارضة الداخل على الاتفاق والتي ادهشت جميع اولئك المشاركين حتى أن تلك الدهشة سادت في اوساطهم وباتت سيدة الموقف.
لكن دعونا قبل التطرق لنماذج من مواقف المعارضة الداخلية واحزابها نحاول المرور بشكل على سريع على مواقف الحكومية الأولية على ميثاق (الفجر الجديد) وجاء اول تعليق رسمي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم على الناطق الرسمي باسمه الدكتور بدالدين ابراهيم الذي اعلن فيه رفض حزبه للوثيقة وتلميحه بإتخاذ اجراءات قانونية حيال المجموعات السياسية الموقعة على تلك الوثيقة، أما ردة الفعل الاعنف والاقوي فجأت في اليوم التالي من مساعد الرئيس ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم د.نافع على نافع خلال مخاطبته لاحتفال الدفاع الشعبي والتي هاجم فيها الوثيقة والموقعين عليها واسمها (الفجر الكاذب) معتبراً العام 2013م سيكون عاماً لحسم "العملاء والمتمردين"، مشيراً إلي أن المعارضة بتوقيعها على تلك الوثيقة "حفرت قبرها بيدها وانهم لن يتركوا لها فتحة تتنفس بها". وبشكل ادق للمتابعين فإن تصريحات نافع تلك كانت بمثابة تدشين رسمي لانتقال ردة الفعل الحكومية من دائرة (الأقوال) ل(الأفعال) وما اعقبها بشكل مباشر من شن حملة الاعتقالات لعدد من القيادات السياسية المشاركين في اجتماعات كمبالا، وشن حملة إعلامية وسياسية على القوي السياسية المعارضة.
يمكن النظر لردة الفعل الحكومية –حينها- وإستراتيجتها حيال الوثيقة باعتبارها أمر متوقع ومتسق مع تقيمها لتبعات ونتائج أي تحالف علني بين المعارضتين الداخلية والخارجية وبالتالي فإن انقضاضها الاستباقي لاجهاض اي مساعى لعمل مشترك بين الطرفين هو خطوة متوقعة منها لايقاف هذه الخطوة، أما الجانب الثاني لتلك الاستراتيجية فكانت ارسال رسائل للقوي المعارضة بتحذيرها من مغبة استمرارها وموافقتها على تلك الخطوة، مع وجود ملاحظة مرتبط بالخطاب السياسي لنافع –يومها- بتركيزه توجيه رسالة موجه بشكل مباشر لقواعد حزبي (الامة) و(المؤتمر الشعبي) –بوصفهما اكبر حزبين في المعارضة الداخلية- بالتركيز على إقرار الميثاق لعلمانية الدولة بهدف إحداث حالة من الارتباك الداخلي وسط قواعد الحزبين–خاصة الثاني- في حال تمسك قيادتهما بنصوص الميثاق –ولعل (الوطني) حتي تلك اللحظة توقع تمسك الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي د.حسن الترابي بالميثاق اسوة بما فعله في مذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية في فبراير 2011م- بالنفاذ من أكبر ثغرة في الميثاق والمتمثل في الجزئية الخاصة بعلاقة الدين بالدولة، وهو امر في حالة إقراره من قيادات الحزبين عموماً والشعبي على وجه الخصوص ستؤدي لخلق تصدعات واهتزازات تنظيمية عنيفية في بنيته الداخلية وربما تفضي لدخول القيادة في صراعات داخلية مع تيارات رافضة او متحفظة على تلك الجزئية، وستنعكس بدورها على فعاليتهما التنظيمية ومن المؤكد أنها ستشل من قدرتهما لفترة من الوقت، والمتضرر الاكبر من حالة الاضطراب تلك هو ميثاق الفجر الجديد والذي سيكون وقتها قد افضي لنتيجة عكسية فبدلاًَ من تطويره لعمل المعارضة فسيكون وقتها قد اضعف من حراكها وشل الاحزاب الاساسية فيها ويترتب عليه ارباك اوضاع المعارضة الداخلية. النقطة الثانية والاهم ل(الوطني) أن توقعاتهم بتمسك الترابي بالميثاق –ربما لمعرفتهم وخبرتهم الطويلة بعناد الرجل وعدم تراجعة عن مواقفه- سيكون قد اتاح لهم فرصة ذهبية للانقضاض السياسي والفكري عليه بإعتباره قد اسقط اخر اوراق التوت التي كانت تستره وتخلى علناً عن المشروع الإسلامي وهو أمر سيسهل عليهم مهمهة استمالة عناصر عديدة من حزبه ذات الخلفية الإسلامية إم لصفوف (الوطني) أو لكيان الحركة الإسلامية أوعلى اسوء تقدير إخراجهم من دائرة الفعل من صفوف (الشعبي) وجميع تلك النتائج تصب في مصلحة (الوطني) وتخدمه في صراعه مع أخوان الامس في (الشعبي).
على الضفة الاخرى فى وسط احزاب المعارضة الداخلية فقد بدأت بعض الاصوات ترتفع احتجاجاً على بنود الميثاق وكانت ضربة البداية من التنظيم الطلابي لحزب المؤتمر الشعبي بالجامعات –والذي يحمل اسم الحركة الاسلامية الطالبية- والتي اصدرت بياناً رفضت فيه ذلك الميثاق بسبب عدد من النقاط الاساسية اولهما التحفظ على ما ورد فيه بالنص على الفصل بين الدولة والمؤسسات الدينية باعتبارها يتعارض مع الاصول والمنطلقات الفكرية لحزب المؤتمر الشعبي أما النقطة الثانية فكانت اقرار مبدأ العمل المسلح والذي يرفضه الشعبي المتمسك بالعمل السلمي والمدني لاسقاط النظام وثالثهما الاتفاق على قضايا لا تحظى بموافقة الحزب وعلى رأسها الجانب المتصل بمدة الفترة الاتقالية التي تم تحديدها بأربع سنوات.
هذا الموقف الطلابي نظر إليه البعض باعتباره لا يعبر رسمياً عن الحزب وانما هو رأي لأحد قطاعاته الفئوية، ونجد أن هذا التحليل اغفل نقطة مهمة تتمثل في أن الموقف الرسمي للحزب يتأثر بمواقف واراء مكوناته الداخلية وان هذا الرفض والتحفظ كان في حقيقة الامر بمثابة (رأي عام) بدأ في التشكل داخل الحزب من الميثاق، أما آخرون فقد طفقوا يراجعون موقف (الشعبي) من الاجتماع وتفسير الاسباب الحقيقية لغياب نائب امينه العام د.على الحاج ومندوب الحزب بالداخل وتخفيض التمثيل بمندوب ويربطون بين جميع تلك الوقائع وما تردد من اشاعات عن وجود اجتماع سري بين رئيس الجمهورية المشير عمر البشير والامين العام للشعبي د.حسن الترابي ببري استكمالاً للقاء سابق بالدوحة جمع بين الثاني ونائبه من جهة ورئيس الوفد الحكومي بمفاوضات سلام دارفور د.امين حسن عمر والنظر للمشهد بأكمله باعتباره ضمن مشهد (إعادة توحيد الحركة الاسلامية) برعاية قطرية، مع ضرورة عدم استبعاد أن ما تم من قبل طلاب (الشعبي) تم بمباركة من زعيمه الترابي بقصد الافلات من ردة الفعل التي بدأت في الظهور وسط منسوبي حزبه وبالتالي الخروج من هذا المطب ريثما يتم ترتيب الاوراق مستقبلاً.
صدر أول موقف حزبي رسمي من الميثاق عن المكتب السياسي لحزب الامة القومي مكون من (7) فقرات من بينها فقرة واحدة يمكن النظر لها بأنها تدعم الاتفاق والتي ترحب بعقد لقاء قومي جامع بين كل القوي السياسية بغرض ابرام اتفاق قومي يحقق السلام الشامل والتحول الديمقراطي الكامل، اما بقية الفقرات الستة فقد حوت نقداً لمحتويات اجتماع كمبالا بالاعتراض على (البند الخاص بحق اختيار الوحدة الطوعية، علاقة الدين بالدولة، رفض تقويض الدولة وتبنيه لنهج إعادة هيكلتها على اساس قومي، الالتزام بتحقيق الاهداف الوطنية ما عدا العنف والاستنصار بالخارج) واعتبر البيان أن الجوانب الاجرائية للاجتماع ومفردة الدعوة والاجندة لم تكن شاملة بحيث تنفي العيوب. أما النقطة السابعة من البيان فبدأت وكأنها حمالة اوجه فهي اشارت (لوجود ترهلات وتناقضات بالميثاق مما يوجب على حزب الامة الحوار مع كافة القوي السياسية لتوحيد الرؤية الوطنية من اجل النظام الجديد المنشود) ولذلك فهي قد تفهم بأنها بمثابة اهالة التراب على الميثاق ورفضه من قبل الحزب ومن الناحية الاخرى فقد ينظر لها باعتبارها تعني اللجوء ل(ترقيع وإصلاح) ما ظهر من عيوب الميثاق.
اما في دوائر حزب المؤتمر الشعبي فقد ابدى اجتماع للامانة العامة للحزب عدة ملاحظات على الميثاق وطبقاً لما نقلته صحيفة (المجهر السياسي) عن القيادي بالحزب ابوبكر عبد الرازق فإن "الحزب لم يفوض أياً من قيادته للتوقيع نيابة عنه .. وان ما تم قام به موفدهم في الخارج دون تنسيق مسبق مع أجهزة الحزب التنظيمية بالداخل"، أما الاعتراضات التي تم ابدائها في ذلك الاجتماع على الميثاق فقد لخصها عبدالرازق –في تلك التصريحات- في عدة نقاط وهي ( إعادة هيكلة الدولة السودانية الذي يقسم البلاد الى أقاليم، وجود رئيس للجمهورية وفي الوقت ذاته هو رئيس للوزراء بثمانية نواب من الأقاليم، تحديد الفترة الانتقالية بأربع سنوات باعتبارها تكريسا للديكتاتورية، مصطلح الدولة العلمانية التي وردت في الوثيقة تحت عنوان فصل المؤسسات الدينية عن الدولة ومراجعة الصيغ الإسلامية في البنوك).
بالنسبة للحزب الشيوعي السوداني فإن سكرتيره السياسي –وليس سكرتيره العام كما يتردد في الاجهزة الاعلامية- محمد الخطيب سارع في مؤتمر صحفي عقده الحزب بمركزه العام بالترحيب المبدئي بالميثاق بإعتباره يحقق القوي المعارضة مع تمسكه بنهج الحزب في تبني وسائل العمل السلمي المدني، وجاء العنوان الرئيسي لصحيفة (الميدان) الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوداني الصادرة في الثامن من يناير 2013م (الشيوعي يرحب بميثاق الفجر الجديد ويطالب بإطلاق الحريات) وجاءت الكلمة الافتتاحية لعدد بعنوان (ميثاق الفجر الجديد) والتي رحبت بالميثاق وبنوده ونشر في ذات العدد وعلى صفحتين النص الكامل للميثاق. لكن بشكل غير متوقع ودون ادنى مقدمات تبدل موقف الشيوعي للنقيض بشكل كامل إذ صدر بيان عن مكتبه السياسي اعتبر فيه أن مندوبي تحالف قوى الاجماع تجاوز صلاحيته وقام بالتوقيع على الميثاق يعتمد وسيلة الكفاح المسلح لاسقاط النظام ويتبني قضايا اخرى غير متفق عليها او يتم عرضها على تحالف قوي الاجماع قبل نشرها كميثاق، وثمن البيان موقف قوي الاجماع التي قررت استمرار الحوار مع الجبهة الثورية لتوحيد القوى المعارضة واخضاع ما تم التوصل اليه في كمبالا لمزيد من الحوار بإعتباره مجرد مشروع للتداول حوله وصولاً لاتفاق وطني شامل يعبر عن إرادة الشعب السوداني وقواه السياسية بالداخل والخارج. كما حذر البيان المؤتمر الوطني من مغبة مسلكه التصعيدي ضد القوي السياسية واطلاقه للتهديدات ضدها ومحاولته سحب الشرعية عن احزاب المعارضة او الاقدام على اعتقال قياداتها. وخصصت كلمة عدد (الميدان) الصادر في العاشر من يناير 2013م بعنوان (من يحاكم من) للرد على تهديدات الحكومة للمعارضة بعد التوقيع على الميثاق وتلاحظ نشر بيان المكتب السياسي في الصفحة الثانية وعدم ابرزه كخبر رئيسي للصحيفة أو حتى الإشارة إليه في الصفحة الاولي والاكتفاء بنشره في الصفحة الثانية أما في الصفحة الخامسة من ذات العدد فقد نشرت الصحيفة مقالاً للقيادي بالحزب د.الشفيع خضر قدم فيه رؤيته حول ميثاق (الفجر الجديد) والتحفظات عليه، أما السكرتير السياسي للحزب فقد أشار في حوار نشرته معه صحيفة (السوداني) لثلاثة تحفظات للحزب على الميثاق والتي اجلمها في (كان يجب طرح وثيقة البديل الديمقراطي على الجبهة الثورية واقناعها بها وليس التوقيع معها على وثيقة جديدة، حضور عناصر من خارج الاجماع الوطني لهذا الاجتماع وأن لا يتم أي توقيع وانما عرض ما تم الاتفاق عليه على الاحزاب وقوى الاجماع لاجراء حوار والتوافق على ما تم التوصل له).
دعونا نحاول الاجابة هنا على سؤال اساسي (لماذا تحولت مواقف الشيوعي وتبدلت بشكل مفاجئ من الترحيب بالميثاق والاعلان عن ذلك بلسان السكرتير السياسي للحزب وإبرازه في صحيفة الحزب بالتراجع السريع في غضون 48 ساعة عن هذا الموقف؟). في تقديري أن الشيوعي لم يحتاج تلك الساعات ال48 ليستبين المثالب الثلاثة التي ذكرها الخطيب في مقابلة (السوداني)- والتي مثلت ذات النقاط التي وردت في مقال د.الشفيع خضر المنشور بالصفحة الخامسة من (الميدان)- أو إكتشاف أن ممثلي وفد التحالف لم يكونوا مخولين للتوقيع على الاتفاق، وفي ذات الوقت لا يمكن إرجاع الأمر بسبب ما يقوله البعض أن الشيوعي (قد جبن) فهو امر مردود على اصحاب ذلك القول فالحزب كان من السباقين علناً بالترحيب بالميثاق. لكل ذلك اعتقد أن التحولات التي شهدها موقف الشيوعي نتجت عن حالة التراجع من الميثاق من ابرز طرفين بالمعارضة ممثلين في –الامة والشعبي- وهو تحول سيجعل الحزب امام مواجهة مكشوفة مع السلطة ويجعله يتحمل تبعات هذا الموقف، خاصة أن الحزب لديه ذاكرة عامرة بتجارب مريرة سابقة قادت لحل الحزب وحظر نشاطه وإمكانية تعرضه لهذا الوضع مجدداً لا سيما بعد سحب الامة والشعبي لدعمها عن الميثاق، أما النقطة الثانية فمرتبطة بالميثاق نفسه الذي بات بعد تحفظ الامة والشعبي واطراف اخرى عليه فاقد للاجماع وفي حالة استمرار موقفه الداعم للميثاق فسيترتب عليه توسعة لدائرة اعدائه لتشمل الحكومة واحزاب سابقة كانوا ضمن حلفائه وهو ما قد يسهل مهمة الراغبين في الانقضاض عليه، لكن الامر المؤكد أنه سيؤدي لنتيجة مؤكدة والمتمثلة في تفكيك تحالف قوي الاجماع الوطني وخلق مركزين للمعارضة في الداخل الذي تم تجاوزه بعد انفضاض المركزين السابقين بعد الانفضاض الهادئ لسامر التجمع الوطني الديمقراطي –وهي تجربة ووضعية لا يرغب الشيوعي في تكرارها- حينما نشأ مركزين للمعارضة احدهم للتجمع والثاني للمناوئين له عقب خروج حزب الامة القومي من التجمع. لجميع تلك المعطيات اعتقد أن الشيوعى رجح كفة (التكتيك) الذي يجنبه الوجود في موقع مكشوف يمكن الحكومة من استهدافه وربما حله وتعطيل عمله السياسي والتنظيمي العلني –والذي يعتبر استمراره العلني حتى في ظل التضييق اكثر فعالية واجدى من خيار العمل السري- والمحافظة في ذات الوقت على تماسك صيغة تحالف قوي الاجماع والعمل على تجاوز الخلافات حول محتويات الميثاق مستقبلاً.
اما في ما يتصل بتحالف المعارضة بالداخل (قوي الاجماع) وردود فعله من الميثاق فإن أولي المؤشرات التي اشارت لوجود اعتراضات على ما تم التوصل اليه في كمبالا صدرت عن عضو المكتب السياسي لحزب البعث السوداني –والقيادي بتحالف الاجماع- يحى الحسين المحامي والذي اعتبر التوقيع عليه (غير توافقى ولايحظى بالاجماع ... وانه لا يمثل ميثاقا متفق عليه ويمكن ان يكون مشروعا يخضع للمناقشة والحوار بين كافة قوى المعارضة بكافة أقسامها)، ولاحقاً صدرت مواقف رافضة من حزب البعث العربي الاشتراكي –المعروف باسم البعث العراقي- الذي رفض بدوره الاتفاق. ولعل تلك المعطيات التي افرزت اطراف مؤيدة واخرى معترضة وثالثة متحفظة على الميثاق جعلت اجتماع الهيئة العامة لتحالف المعارضة يخلص للترحيب بالحوار مع الجبهة الثورية وكافة القوي المعارضة والاتفاق على اخضاع ميثاق كمبالا للمراجعة بغية الوصول لاتفاق وطني شامل مع التأكيد على تمسك قوي الاجماع بالنهج السلمي الديمقراطي لاسقاط النظام كما ادان التصريحات العدائية لمسؤولي الحزب الحاكم واعتباره مؤشراً لمزيد من التضييق على الحريات العامة مع التأكيد على استمرار الحوار مع كافة المكونات الشعب السوداني باعتباره استحقاق وطني مهم لايجد مخرج ديمقراطي لازمات الوطن.
نستخلص من مواقف (الامة، الشعبي والشيوعي) أن تلك الاحزاب الثلاثة -والتي ينظر لها باعتبارها الاكبر ضمن منظومة تحالف المعارضة الداخلية- رغماً عن عدم رفضها لمبدأ الحوار مع الجبهة الثورية فلم تصدر مواقف –لاسباب تقديرية وتكتيكية منها- لدعم مباشر لميثاق الفجر الجديد وبدت تلك المواقف في ثنياها معترضة او متحفظة عليه بشكل أو بأخر، وهي مواقف بشكل عام وبغض النظر عن مبرارات الرفض أو دوافعها تصب في غير مصلحة الميثاق وتصب بشكل مباشر في مصلحة الموقف الحكومي المناهض والرافض للميثاق، وبذات القدر فإن الموقف الرسمي لقوي الاجماع ورغم ترحيبه بمبدأ الحوار مع الجبهة الثورية فهو قد رفض الميثاق بشكل ضكمي نتيجة لتباين وجهات النظر بين أطرافه اعتماد ميثاق (الفجر الجديد) واعتبرها (اساس للحوار قابل للتطوير) وهو موقف يفضي لذات النتيجة السابقة لمواقف الاحزاب الثلاثة ويمكن أن يوظف لدعم الموقف الحكومي المناهض للميثاق.
وفقاً لتلك المعطيات فإن المشهد العام –حينها- افضي لانحسار الغطاء السياسي لميثاق (الفجر الجديد) نسبة لعدم تأييده قوي الاجماع أو الاحزاب الثلاثة الكبيرة بالمعارضة له بشكل مباشر وهو ما كان يعني عملياً أن الحكومة قد حققت هدفها السياسي بدون كبير عناء، ولذلك بدأ وقتها أن الحكومة ستنتهج خطوة سياسية وإعلامية تقوم على توظيف تلك المواقف المتراجعة (سياسياً واعلامياً) بشكل يؤدي لسحب الغطاء نهائياً عن الجبهة الثورية ويحيل حصيلة اجتماعات كمبالا ل(صفر) وتعيد الاوضاع لنقطة البداية لما قبل (الميثاق)، لكن الحكومة بدلاً من ذلك انتهجت تكتيكات أفضت لنتائج عكسية من خلال تبنيها لاستراتيجية تصعيد امني باعتقالها لرئيس الحزب الوحودي الناصري د.جمال ادريس والقيادية بالحزب انتصار العقلي بعد اجتماعات الهيئة العامة لقوي الاجماع الوطني وما تلاها من اعتقالها لثلاث قيادات بالحركة الاتحادية وهم هشام المفتي والبرفسور محمد زين العابدين و ود.عبد الرحيم عبدالله عقب وصولهما للبلاد، بالتزامن مع حملة سياسية واعلامية كان ابرزها المؤتمر الصحفي الذي عقده القياديين بحزب المؤتمر الوطني د.نافع على نافع ود.امين حسن عمر والذي احتوى على اتجاه جديد في الحملة من خلال استهداف الحزب الشيوعي وتحميله مسؤولية التوقيع على ميثاق (الفجر الجديد) وتطور الامر –لاحقاً- بمداهمة الاجهزة الامنية لمنزل السكرتير التنظيمي للحزب د.على الكنين ومصادرة بعض الاجهزة –جسب بيان صادر عن الحزب الشيوعي- واستدعائه والسكرتير السياسي للحزب للاستدعاء للتحقيق بمقر جهاز الامن. خلاصة تلك التحولات افضت لإعادة تشكيل مواقف الاحزاب المعارضة بشكل جديد بعدما وجدت نفسها في حاجة للاصطفاف مجدداً لمواجهة الحملة السياسية والاعلامية والامنية الموجه ضدها، لكن ابرز الخسائر على الصعيد السياسي والاعلامي بالنسبة للحكومة السودانية كان إعادة احياء الزخم السياسي لميثاق الفجر الجديد الذي كان يترنح بشكل كبير جراء النكسة التي تعرض لها بسبب حالة التراجع السياسي من المعارضة الداخلية وافضي لاخفاء الخلافات حوله.
بالنسبة لمركز المعارضة الثالث والمتمثل في الجبهة الوطنية العريضة -التي يرأسها نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) على محمود حسنين المحامي- فقد اصدرت بياناً رحبت فيه بلقاء القوي السياسية في كمبالا وما صدر عن اللقاء من ميثاق ولكنها اعلنت في بيانها ذلك تحفظها على ثلاثة نقاط وهي (فكرة الوحدة الطوعية للاقاليم، ضرورة قيام الحكم الفيدرالي على مستويين وليس اربع مستويات هما المركز والاقليم وان يترك للاقليم الحق في إدارة شؤونه بالطريقة التي يختارها سواء كان ذلك عبر الولايات أو محافظات، معتمديات أو خلافه، ضرورة الفصل بين نائب الرئيس وحاكم الإقليم باعتبار أن الدمج يفشل المهام الجسمية على مستوي القومي أو الاقليمي واقترحت انتخاب الاقاليم لشخصين احدهما نائباً للرئيس والثاني حاكماً للاقليم). رغم تلك التحفظات فإن الجبهة العريضة اعلنت ترحيبها بالميثاق الصادر في كمبالا وأكدت في ذات الوقت استعداده للتنسيق والعمل مع القوي الموقعة عليه لمواجهة النظام. أبرز الملاحظات على بيان الجبهة العريضة فأولها انه لم اكتفي بالاشارة للميثاق دون ان يعقبه بمسماه (الفجر الجديد)، وثانيها حينما يتم التمعن في موقف الجبهة العريضة فإنه يمكن تصنيفه باعتباره موقف ايجابي يصب لمصلحة الميثاق اكثر من بمواقف اطراف اخرى شارك ممثلين عنها في الاجتماعات والمناقشات التي سبقت التوصل للميثاق ووقعوا عليها، رغماً عن عدم حضور أو مشاركة أي ممثلين عن الجبهة العريضة في تلك الاجتماعات. ما يمكن استخلصه من بيان الجبهة العريضة حول الميثاق نجده يدعم الهدف الاساسي الذي ظلت الجبهة تسعي لتحقيه منذ تأسيسها والمتمثل في وحدة القوي المعارضة بمراكزها المتعددة على صعيد واحد بغرض اسقاط النظام.
أما في كمبالا فإن حالة الترنح الشديدة التي تعرض لها ميثاق (الفجر الجديد) بعد الانباء القادمة من الخرطوم وتراجع المعارضة الداخلية والاحزاب الثلاثة الرئيسية عنه بشكل يبنأ بإنهيار وشيك له اسعفته المنهج الحكومي السياسي والاعلامي والامني –سيما اعتقال خمسة قيادات معارضة- باعتبار ان تلك الاعتقالات اظهرت وجود قيادات متمسكة بما تم التوصل إليه واعادت احياء الميثاق مجدداً وفي ذات الوقت اسهم في تقليل موجة الانتقادات المعارضة له وسط القوي السياسية المعارضة التي تناست خلافاتها وبدأت في توحيد صفوفها لصد القمع الحكومي المتصاعد ضدها. أما الأمر الثاني الذي مثل اسعافاً عاجلاً للميثاق فكان قيام رئيس حزب التحالف الوطني السوداني –والمرشح الرئاسي السابق بانتخابات 2010م- العميد ركن متقاعد عبد العزيز خالد بالتوقيع على الميثاق –رغماً عن التحفظات التي ابدتها قوي عديدة عليه- وإعلانه العودة للخرطوم واستعداده للاعتقال وهي الخطوة التي قابلتها قيادة الجبهة الثورية بشكل احتفائي كبير من خلال حفل التوقيع لهذه المناسبة باعتبارها أكدت استمرار حالة الدعم السياسي للاتفاق حتي في ظل التراجع من قبل الأحزاب الرئيسية، أما الأمر الثالث فكان إعلان انضمام سليل الاسرة الميرغنية تاج السر محمد سرالختم الميرغني للجبهة الثورية في احتفال توقيع خالد. نجد أن تاج السر الميرغني بخلاف وضعه التنظيمي بالحزب الاتحادي (الاصل) بشرق السودان هو نجل ابن عم مرشد الطريقة الختمية ورئيس الحزب الاتحادي الاصل محمد عثمان الميرغني، لكن الاهم من ذلك أن والده محمد سرالختم الميرغني يوصف بأنه رجل الشرق القوي في الطريقة الختمية. لكن سيبقي المثير للدهشة حقاً أن الجبهة الثورية لم تكلف نفسها إصدار بيان يدين اعتقال خالد من قبل الأجهزة الامنية بعد حوالي 48 ساعة من وصوله للخرطوم، وإكتفائها بإصدارها لبيان أخر ترحب فيه بما خلص له اجتماع قوي الاجماع الوطني باستمرار التحاور بين الطرفين على اساس ميثاق (الفجر الجديد) بوصفه أساساً للحوار بين الطرفين وهو ما يعني عملياً أن الميثاق الذي سعت لتاكيد حيويته واحتفت بتوقيع خالد عليه بات الأن وثيقة غير نهائية وقابلة للتحاور ولعل حرصها على استمرار الوصل بينها وبين تحالف قوي الاجماع قد انساها إصدار بيان يرفض إعتقال اخر الموقعين على ميثاق تحول لاساس للتحاور بين الطرفين.
خلاصة هذا المشهد قد تجعل قائل يقول(ليتهم استمعوا لنصح القائل بأن يتأنوا ولا يوقعوا على الوثيقة قبل أن يتعجلوا ويندموا) ولكن حينما نتمعن في الجانب المخفي من جبل الجليد المخفي تحت الماء سنجد أن تلك العجلة لم تكن من (الشطيان) وانما بسبب (الامريكان) ..!!!
-نواصل في الحلقة القادمة انشاء الله تعالي شرح وتفسير هذا الأمر-
mahir abugoukh [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.