بافتراض أن المرأة كلها (عورة) و حتى (صوتها) وبذات منطق الدونية الأسطورية و العرفية التي تنتهي إلي (تبخيس) المرأة، و غير ما ذكرناه عن نقص عقلها و دينها و جعلها نصفا للرجل في كل شيئ. بخلفية ذلك أسدلوا عليها غطاء الثوب من رأسها إلي أخمص قدميها ، ثم بعد ذلك عزلها البعض في غرف مغلقة علي مستوي الدرس الجامعي ، فلا يخاطبها المعلم الذكر إلا عبر أجهزة إلكترونية . فحتي صوتها جعلوه عورة ، في حين يستمع الله إلي صوت المرأة و يجيب : (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) ? (المجادلة/1) ويستمع إلي صوت إمرأة عمران ويستجيب : (إِذْ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ? (آل عمران/35) . دعونا نرجع إلي نصوص هذا القرآن الذي أتخذ (مهجورا) ، و الذي دل علي تماثل الرجل و المرأة في الخلق و في الشهادة و في الوعي الثلاثي و في مطلق الوجود . إن مفردة نجس التي لم يستخدمها الله إلا مرة واحدة فقط في القرآن لوصف حالة الشرك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )( 28 التوبة )، قد اتسعت استخداماتها في الفقه الإسلامي لتمتد إلى مني الرجل وماء المرأة وهما أصل التكوين العضوي البايولوجي للإنسان، وإلى ما يخرج من بطون الناس، وهكذا يصبح الإنسان نفسه نجساً ولو كان من أولياء الله الصالحين طالما أن أصله نجس وما يخرج منه نجس، فطهارتنا ليس عن نجاسة ولكن لنظافة. وما كانت لتشيع هذه الأخطاء الدلالية في فهم مفردات اللغة العربية والإستخدام الإلهي لها بمنطق رياضي مثالي واصطلاحي دقيق حيث لا مترادف ولا مشترك ولا مجاز، لو خضع العرب وتعلموا اللغة من القرآن وليس بالركون إلى بلاغتهم وكلامهم العفوي وقصائد شعرائهم ، ولهذا نفى الله عن خاصية الرسول أن يكون شاعراً (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ)(69 يس). ولهذا يأتي الخلط بين لغة القرآن الاصطلاحية وكلام العرب البلاغي نثراً وشعراً فيخلطون بين(المس) و(اللمس) وبين هبوط آدم عن منزلته الروحية المتعالية على الطبيعة في ذات مكانه على الأرض وبين نزول آدم كما يتوهمون من سموات الجنة إلى تراب الأرض ، بل وبين قول الله أنه جاعل في الأرض خليفة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (30 البقرة) وبين قوله أنه خالق وليس جاعلاً بشراً من طين(إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) (ص) كما يخلطون بين لباس التقوى وثوب الغطاء ، وتماماً كالخلط بين الخمار الذي أمر الله بضربه على جيوب المرأة لستر الأبطين والفخذين والنهدين والصلبين ، وبين الحجاب الذي يعني الحائط والعازل فحركوا المرأة جسداً يمشي داخل غمامة سوداء أو كخيمة. في حين أن الله يطلب من النساء إدناء جلابيبهن على مواضعهن الجسدية ( زينتهن) ليعرفن كنسوة وليس رجلاً متخفياً في زي النساء ، ويطلب من النساء ألا يضربن بأرجلهن على الأرض ليثرن اهتزازاً في زينتهن الجسدية بمعنى المشية المتمايلة لهز الصلبين والنهدين ، فأحكام فقهائنا إذ لم تميز بين الحجاب والخمار فإنما لم تميز كذلك بين الحٌلى المصاغة وزينة المرأة في مباضع جسدها ، ولم يتوقفوا بسبب العرف الإجتماعي والأخلاقي لدى أمر الله بإدناء جلابيبهن على جسدهن. إن عقوبة الجلد مائة جلدة قائمة على الزانية والزاني تساوقاً وإتساقاً مع النمط البهيمي لهده الجريمة الإنسانية كما ذكرنا والتي تدمر النواة العائلية وروابطها وإمتداداتها الجسدية والنفسية وتربك السلوك الإجتماعي . لهدا السبب فرض الله الخمار على نساء المسلمين ووجه لأمر آخر، وهو الحفاظ على الفروج وغض الطرف ووجه الامر للذكور كما للإناث (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (النور 30-31) . والفروج هي كامل ما بين الفخدين حيث ينتهيان إلى العورة حيث المباضع الجنسية للرجل والمرآة وقد حدد الله في هذه الآية مواضع ضرب الخمار على الجيوب ، ودلالة معنى الجيب في المفردة القرآنية بقياس استدلالي فيما يتضح في سورة الغاشية بالنظر إلى تكوين الإبل ، نرجع فيه إلى خطاب الله لموسى (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ )(النمل 12) . فالمطلوب من المٌسلِمة غض الطرف وحفظ الفرج وضرب الخمار على الجيوب وعدم إبداء الزينة من أصل المباضع الجسدية إلا ما ظهر منها بحكم التكوين وبحكم إدناء الثوب والجلباب على الجسد دون التصاق ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )(الأحزاب 59) . فزينة المراة مباضع جسدها التي تميزها بالأنوثة والزينة معيار جمالي زاهٍ كالكرنفالات والاحتفالات ((قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) (طه 59). وتعني الأٌبهة من دلالة نفس المفردة (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) (القصص 79) . والتجمل والتطيب لدى أداء الصلوات في المساجد هما زينة للرجل ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) (الأعراف 31) . والزينة غير الحلي التي تٌلحق وتٌضاف ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (النحل 14) . فالزينة تقوم بذاتها إذا أضيفت إليها الحلي أو لم تضف، ولم يأمر الله المسلمين حين دخولهم المساجد بالحلي والأساور وإنما باتخاذ الزينة. الفارق بين الخمار والحجاب : أما الحجاب فلا علاقة له بالخمار والثوب والجيوب، وإنما هو عازل قطعي مانع للرؤية العينية (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (الشورى 51) وكذلك ( فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ) (ص 32) وكذلك ( فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ) (مريم 17) وأدنى معاني الحجاب الحائط أو الباب المغلق ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا ) (الأحزاب 53). فالله سبحانه لم يأمر بما يسميه الناس خطاً الحجاب وإنما أمر بالخمار.