«نظرة واقعية لعلاقة أزلية» إن أقدار الشعوب لا تتعلق بالكلمات ومستقبلها لا يرتهن بالنوايا ومصائرها لا يضمنها مزاج لحظة بعينها. المصير المشترك للشعوب تحدده قوة الإرادة والتصميم مع التخطيط العلمي والمثابرة على إنفاذ الخطط والبرامج التي تحافظ على المصالح المشتركة مع علو الهمة وصحوة الضمير. كيف تنطلق أمتنا العربية؟ إن أي علاقة خاصة مع مصر لا يمكن أن تتكامل إن لم يكن للأمة كلها مرتكز ومنطلق واحد، إن البداية الصحيحة لانطلاقة أمتنا ترتكز على الآتي: الإحساس الحقيقي بالخطر الماثل أمام الأمة العربية والإدراك الواعي بحجم المتغيرات الآنية والمستقبلية التي تواجهها.لابد من التنسيق كأمر حيوي ومهم تفرضه وحدة المصالح ووحدة المخاطر على كل المستويات المحلية والإقليمية والدولية. ألا نسمح بوعي أو بدون وعي بدعوات الانكفاء على الذات والتقوقع لكي نكون سياسة معلنة لتجنب الوقوع تحت مطرقة التهديد والتحريض الإسرائيلي وحماته المغلف بمتطلبات العولمة ومكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان الخيار المطلوب كبديل لدعوات الإنكفاء على الذات وتعميق روح الأنانية القطرية التي كانت رد فعل لسلبيات فلسفة القومية العربية والروح التسلطية فيها وفي تغليب المنهج العاطفي على المنهج العقلاني دون تقدير للعواقب والنتائج التي تترتب على مثل هذه السياسات الانفعالية غير المدروسة- ينبغي علينا أن نفرق بين ضرورات مراجعة التجربة وبين حتمية الاستمساك بالثوابت والركائز الأساسية التي يقوم عليها بنيان النظام العربي لتبقى بمثابة عقيدة راسخة لا تخضع للجدل ولا تدخل تحت بند المزايدات. الخطر الحقيقي المحدق بالأمة ليس في التحديات ومخططات الآخرين وإنما ينبع من ظهرانينا على ألسنة من يدعون الحكمة بأثر رجعي يريدون أن يهزوا ثقة الأمة في ثوابتها، لأن غلبة ذلك على العقل العربي سوف تعني استسلاماً سيدفن الحلم القومي إلى الأبد. نحن نحتاج إلى: الإدراك الواعي لضرورة تحكيم العقل بعيداً عن المشاعر والعواطف مثلما نحتاج أيضاً إلى أن ندرك أن الخطر المحدق بنا جميعاً لا يستثني أحداً إن لم يكن اليوم فغداً- ضرورة اللحاق بالعصر ومواكبة التقدم العلمي والتكنلوجي الرهيب وصولاً إلى أفضل السبل ملاءمة لمجاراة التكتلات الاقتصادية العملاقة تحت ظلال العولمة. لقد آن الأوان لكي تعيد الأمة العربية حساباتها وتصحح رؤيتها تحت مظلة من الواقعية والوعي وأن يدرك الجميع أنه لم يعد أمامنا سوى سرعة التوافق حول منهج واضح ومحدد لأبجديات وأولويات العمل العربي المشترك. نعم يمكننا أن نشرع في استخدام سلاح المصالح استخداماً صحيحاً دون أن نتورط في الصدام والمواجهة وإجراءات الحظر والمقاطعة وإنما بمنهج الترغيب والتبشير وإثبات قدراتنا على أن نكون شركاء وأصدقاء بالدرجة التي لا تسمح لقوة التحريض والدس والوقيعة أن تواصل لعبتها في تسميم الأجواء بين العرب والقوى الفاعلة في عالم اليوم. إننا نعلن لإخواننا وبوضوح شديد أننا على رجاء اليأس من خصوم «صهاينة وحلفاء لهم» تضيع معهم حكمة لقمان ولا يجدي معهم حلم معاوية ولا يرضيهم عدل ابن الخطاب ولا تسامح صلاح الدين وليس لنزاعهم معنا غاية غير تكميم أفواهنا وكسر أقلامنا ثم إقلاق راحتنا إن أعجزتهم المقادير عن إزهاق أرواحنا. مصر والسودان: بعد هذه المقدمة التي أطلنا فيها قليلاً ولكنها مهمة وضرورية، أعتقد أن البداية الصحيحة المنشودة لهذه النقلة للأمة العربية هي بين السودان ومصر، يقول ابن باديس: إن أي مجموعة إنما تكون لها قوة إذا كانت لها جماعة منظمة تفكر وتدبر، تتشاور وتتآزر وتنهض لجلب المصلحة ولدفع الضرر متساندة في العمل عن فكر وعزيمة.. هذه المجموعة في نظري هي المجموعات الشعبية المشتركة التي نريد لمصر والسودان صناعتها لأنهما الأقدر على ذلك، لأن ظروف أمتيهما واستقرارهما ورفاهية شعبيهما تجبرهما عليه وننتظر منهما العمل من أجل ذلك، كثيرون كانوا يقولون قبل ثورات الربيع العربي إن العرب لم ولن يتغيروا أو يتبدل حالهم وإن كل عناصر القوة عندهم أصبحت من أسباب ضعفهم، فنحن نتكلم لغة واحدة ولدينا دين غالب واحد وتاريخ مشترك واحد وجغرافيا واحدة ولكن ينطبق علينا ما قاله برنارد شو عن الإنجليز والأمريكان «إنهم شعب واحد تفصل بينهم لغة واحدة»، وعلينا نحن العرب أن نخرج من هذا الاتهام بأنه ليس بيننا إلا كلام في كلام في كلام، ويصدق علينا ما قاله الكاتب السعودي الساخر الأستاذ القسيمي «إن العرب ظاهرة صوتية»، قليلون يتعلمون من التاريخ ولذلك فإن الذين لا يتعلمون منه محكوم عليهم بتكراره، إنني لا أشعر بأن هناك شيئاً قد ضاع، لا يضيع شيء في التاريخ. صحيح إن بعض سنوات التاريخ عقيمة ولكن السنوات العقيمة تعطي دفعاً مضاعافاً لسنوات الخصب والنماء، ذلك رأي كواحد من المؤمنين بالتطور بالتاريخ ولذا تجدني متفائلاً دوماً.