حدث خلط في أذهان الذين كانوا يفاوضون عن ولاية النيل الأزرق في نيفاشا، إذ كان عليهم التفريق بين الولاية كلها وجنوبها جنوب النيل الأزرق- وهذه هي المنطقة المعنية بالأمر، وتسيطر عليها الحركة اليوم مجلس ريفي الكرمك ومحلية الكرمك حسب التقسيمات الإدارية الحالية، ففي هذا المجلس أقامت بعض القبائل شبه الزنجية، ولكل قبيلة عاداتها وتقاليدها، وحكم الانجليز هذا الجزء من السودان بقانون المناطق المقفولة مع جبال النوبة، وجنوب السودان، وفيها نجد قبائل الكوما في يابوس متاخمة لحدود جنوب النيل الأزرق مع أعالي النيل، والأدوك في شالي، والجمجم (بضم الجيمين) في ودكة، ومفو، والكراره، (بضم الكاف) في بليلة الكر، ثم البرون (بضم الباء والراء) وهم عدة، فهناك برون السركم، وبرون ميك، وبرون الزريبة، وبرون الشيمي، وبرون بالدقو، ويرون ود الكجك، ثم الهمج وقليل من الفونج في الكيلي، والراقريق، ومحلياً اشتهرت هذه القبيلة باسم (الرقاريق)، ووسط هذه القبائل انعدمت المدارس والخدمات الصحية، وبقيت منغلقة على نفسها مع بعض جهود التبشيريين، وعلى الرغم من هذا لابد من القول إن هذه المنطقة لم تكن في يوم من الأيام جزءاً من جنوب السودان حتى في زمن الاستعمار، وكذا بعد استقلال السودان في الأول من يناير 1956م، وهذه حقيقة أولى، والحقيقة الثانية أنها لم تكن ضمن أجندة التمرد الأول في جنوب السودان، بقيادة الفريق جوزيف لاقو من البداية وحتى توقيع اتفاقية السلام في أديس أبابا عاصمة أثيوبيا، في الثالث من مارس عام 1972م.. والحقيقة الثالثة أنها لم تكن ضمن أجندة حركة التمرد تحت قيادة الراحل العقيد د. جون قرنق، عندما بدأ في مارس 1983م حتى عام 1978م عندما احتلت قواته مدينة الكرمك ثم قيسا ، وهذه هي بداية التغيير في جنوب النيل الأزرق، ودخول المنطقة في حركة التمرد، وهنا أيضاً نلحظ أن بعض أبناء جنوب النيل الأزرق قد انضموا إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان ولأول مرة، بينما لم يشارك أي واحد قط من جنوب النيل الأزرق في حركة التمرد بقيادة جوزيف لاقو- حركة التمرد الأولى- ومن بين الذين انضموا إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان السيد مالك عقار، وهو من أبناء قبيلة الانقسنا، ومنطقة جبال الانقسنا حسب التقسيم الإداري القديم كانت تتبع لمجلس ريفي الروصيرص، أما اليوم فهي محلية قائمة بذاتها، وقد أظهر السيد مالك كفاءة جعلته يصل درجة الفريق في الجيش الشعبي للحركة، ويصبح أحد نواب رئيس الحركة الشعبية، ويفوز في الانتخابات الأخيرة في ابريل 2010 بمنصب الوالي في ولاية النيل الأزرق، وبذلك فهو الوالي الوحيد للحركة الشعبية في الجزء الشمالي من البلاد.. الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل د. جون قرنق، الحقت جنوب النيل الأزرق، كما الحقت جبال النوبة، وتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد، والبترول إلى أجندتها، فهي إذن ملحقات من باب (كبر كومك)، فتطبيق الشريعة الإسلامية مثلاً أعلنها الرئيس الراحل جعفر نميري في سبتمبر 1983م بفارق ستة أشهر.. ونسبة لهذا الالحاق ولعدم انتماء جنوب النيل الأزرق وجبال النوبة إلى جنوب السودان، جاءت بروتوكولات النيل الأزرق وجبال النوبة ملحقات أيضاً باتفاقية السلام الشامل، الذي تم توقيعه في التاسع من يناير 2005م، وقد منحت هذه الاتفاقية حق تقرير المصير لجنوب السودان، بينما أعطت ولاية النيل الأزرق وجبال النوبة (المشورة الشعبية)، وصدر لها (قانون تنظيم المشورة الشعبية) من ثمانية عشر مادة غلبت عليها مواد الأحكام التمهيدية والتفسير والمرجعيات، والهدف كما جاء في هذا القانون تحت المادة الخامسة هو: أ/ تأكيد وجهة نظر شعبي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بشأن اتفاقية السلام الشامل بخصوص أي من الولايتين وعن مدى تحقيقها لتطلعاتهم. تسوية نهائية للنزاع السياسي في أي من الولايتين وإرساء السلام.تصحيح اي قصور في الترتيبات الدستورية، والسياسية، والإدارية، والاقتصادية في إطار اتفاقية السلام الشامل، بخصوص أي من الولايتين. بذا نجد لا المشورة الشعبية ولا قانون تنظيمها يعطي الولايتين الحق في تقرير المصير كما هو واضح بالنسبة لجنوب السودان، وأبيي في اتفاقية السلام الشامل، بل كل ما هناك تأكيد وجهة نظر شعبي الولايتين عن مدى تحقيق اتفاقية السلام الشامل لتطلعاتهم. يقيني أن اتفاقية السلام الشامل لم تلبِ تطلعات شعب ولاية النيل الأزرق، وهذا ما يعنيني بحكم أنني من أبنائها وليتني استطيع أن أعبر عن وجهة نظر أهلي في جنوب كردفان، فالاتفاقية ظلمت ولاية النيل الأزرق في تقسيم الثروة والسلطة، فلا تسمع عن أي صندوق لإعادة إعمار الولاية، بل تسمع عن صناديق لإعادة إعمار الجنوب والمناطق التي امتدت اليها الحرب، ويكون التركيز دائماً نحو الجنوب، فهنالك صندوق إعادة إعمار دارفور، وصندوق إعادة إعمار شرق السودان، وكأن ولاية النيل الأزرق لم تمتد اليها الحرب، ومن ناحية أخرى فقد منحت اتفاقية السلام الشامل نسبة 2% من دخل البترول للمناطق التي فيها بترول لإعادة تعميرها وتأهيلها، ولا يوجد بترول في ولاية النيل الأزرق في الوقت الحاضر، ولكن فيها خزان الروصيرص، ومحطة توليد الطاقة الكهربائية المائية بواقع مائتين وثمانين ميغاواط، وكانت هذه المحطة حتى وقت قريب المغذي الرئيسي للشبكة القومية للكهرباء بالكهرباء، فلماذا لا يتم تخصيص 2% من دخل هذه الثروة لصالح ولاية النيل الأزرق، علماً أن الولاية لا تستفيد من هذه الطاقة الكهربائية إلا في خدمات الإنارة في المنازل ودواوين الحكومة، وفي حدود العاصمة? الدمازين- وأظن أن نصيبها يكفيها لإعادة التعمير والتنمية، وإقامة بنيات تحتية، ولا بد من الاسراع في تعبيد طريق الدمازين الكرمك ثم الكرمك يابوس، وطريق الدمازين قيسان، وطريق الدمازين بوط، مع الطرق المغذية لهذه الطرق الرئيسية، والاهتمام بالخدمات الاجتماعية من مدارس ومستشفيات، ومراكز ثقافية وتوسيع دائرة مشاهدة تلفزيون الولاية، ليغطي كل أجزائها، وردايو الولاية ليكون مسموعاً على نطاق واسع، فالولاية صغيرة في مساحتها وقليلة السكان، أقل من مليون نسمة، وهذا يجعل أمر تنميتها أسهل، والاهتمام بإنسانها أيسر، فالإنسان هو العمود الفقري للتنمية والإعمار وإعادة التأهيل، والثروة ضرورية لخدمات المياه بحفر الحفاير، وتنقيتها لتصبح صالحة للشرب، ثم لإعداد مراكز للتدريب المهني، فالحرب قد أوجدت أعداداً كبيرة من الفاقد التربوي، وتتوفر في الولاية المعينات ، فإن اتفاقية السلام الشامل لم تمنح ولاية النيل الأزرق شيئاً، فلا تجد في الحكومة الاتحادية أي وكيل لوزارة من أبنائها، وذهبت وزارة الاستثمار حيث ذهبت عندما غادرها السيد الفريق مالك عقار والياً على الولاية، ولا نجزم إن كان قد شغل ذلك المنصب الوزاري بحكم أنه من أبناء النيل الأزرق، أم أنه من القياديين في الحركة الشعبية، لم تضف اتفاقية السلام الشامل أي فرد من أبناء النيل الأزرق إلى العاملين منها في الخدمة المدنية، والذين دخلوها قبل توقيع الاتفاقية بعرق الجبين، بينما أضافت الاتفاقية أعداداً من الجنوبيين في مجالات مختلفة في الخدمة المدنية بنسبة عشرين في المائة، كما جاء فيها، فدخلت عناصر جديدة الخدمة، والحق يقال فقد دخل معهم شخص واحد عبر الحركة الشعبية وزارة الخارجية وفي أول السلم - سكرتير ثالث- من ولاية النيل الأزرق.. وإذا سارت أموره طبيعية فسيكون في درجة السفير بعد عشرين عاماً إن شاء الله، ولا يوجد معه أي شخص آخر من الولاية لا في السلك الدبلوماسي ولا في الإداري ولا في المالي..والوزارات الاخرى والمعالجة ليس بالأمر الصعب.. وبالله التوفيق.