تناولنا في الحلقة السابقة منطقة جنوب كردفان أو جبال النوبة واطلعنا على تكوينها الإثني واثرها على الصراع المسلح وبجانب علاقتهم مع جنوب السودان والظلال التي ألقت على هذه العلاقة وكيف ان هذه المنطقة بسكانها تمثل الامتداد النوبي الذي يرتكز على جبل مرة في دارفور ويمد ارجله الى اقاصي شمال السودان. واستعرضنا التعقيدات التي تنتظر هذه المنطقة عقب انفصال الجنوب. جنوب النيل الأزرق هي محافظة النيل الأزرق التي أنشئت في عام 1992 في اطار الاقليم الاوسط ثم أصبحت ولاية النيل الازرق بموجب المرسوم العاشر 1994 واحيانا تسمى بجنوب الفونج. تحادد اثيوبيا من جهة الشرق وولاية اعالي النيل في الغرب ، ولاية سنار في الشمال والشرق و السكان اغلبهم من القبائل غير العربية و يعتنقون الديانتين الاسلام والمسيحية . تاريخيا كانت جزء من مملكة كوش التي تمتد من اسوان في الشمال حتى اثيوبيا في الجنوب وتشمل اسوان ومصوع في البحر الاحمر ويبلغ امتدادها حتى الصحراء الليبية. اندثرت في AD 1505 حيث قامت على انقاضتها مملكة الفونج الاسلامية. تلبغ مساحتها45844 كليو ، يقدر عدد سكانها بحوالي 1193293 نسمة حسب ٍاٍحصاء 1993. جبال الانقسنا (حيث ٍاشتهرت بهذا الاسم) تشبه جبال النوبة تسكنها مجموعات مختلفة : المجموعة الاولى هي القبائل المحلية وتحتوي على 20 قبيلة: برتا،برون،انقسنا، هماجا، الفونج، دوالا، قموز، جبلاوس، وطاويط، ريكاريق، كادولا،بلادكاكو، مكاجا،سلوك،ماكين،جمام،اودواك،كوما،كونزا، سركام. مجموعة القبائل العربية: الاشراف، كنانة، كماتير،رفاعة، اضافة الى القبائل الدارفورية اشهرهم فور وبرقو، المساليت،زغاوة، ونوبة. هنالك ايضا القبائل الوافدة من غرب افريقيا منهم، الفولاني، الهوسا،والبرنو. بجانب بعض القبائل النيلية من الدينكا والشلك والمابان الذين وفدوا كعمالة محلية في بناء خزان الروصيرص في الستينيات من القرن الماضي. حاول الاستعمار الانجليزي الحاق هذه بمنطقة اعالي النيل حتى تكون تجمعاً للقبائل التي تدين بالمعتقدات الافريقية وخلق حزام افريقي اشبه بسياسة المناطق المقفولة ولكنها حقيقة ضمت منها فقط منطقة شالي ويابوس ولكن تمت اعادتها الى النيل الازرق قبيل استقلال السودان1 ثقافيا ، يتحدث غالبية السكان اللغة العربية بجانب لغة البرتاBarta التي يتحدثها بعض الاثيوبيين كما انهم يعتنقون الاسلام نتيجة لاثر الهجرات العربية الى هنالك. لم تمتد حركة التمرد الاولى 1955 الى هذه المنطقة لكن المنطقة شهدت تدفق استثمارات الخليجيين مستغلة تطبيق قانون الاراضي الذي يصادر كل الاراضي غير المسجلة لصالح الحكومة حتى ولو كانت تضم مزارعاً صغيرة مستغلة بواسطة الاهالي عن طريق الزراعة الآلية بجانب عمليات قطع الاخشاب والتعدين.2 نصت اتفاقية اديس ابابا على ارجاع كل المناطق التي كانت جزء من الجنوب قبل الاستقلال مثل منطقة شالي في النيل الازرق ومنطقة كافي كنجي وحفرة النحاس بارجاعها الى بحرالغزال المشهورتين بالمعادن النفيسة حيث باشرت اول شركة صينية التعدين عن الذهب هنالك. نصت اتفاقية اديس ابابا ايضا على ممارسة حق تقرير المصير لهذه المناطق لاول مرة في تاريخ السودان، ٍإما الانضمام الى الشمال او الجنوب 3 ولكن هذا الاستفتاء لم ينفذ ، فقد اشار بعض الكتاب ان حكومة النميري مارست الارهاب والتخويف لقادة الكنائس الذين نادوا بذلك مما جعل المنطقة مهيأة للانخراط في التمرد الذي اندلع في عام 1983 ودخل الى المنطقة من الكرمك واسس له قاعدة في 1985. شهدت المنطقة صراعاً بين قبيلة اندوك في جبال الانقسنا الذين حالفوا الحركة الشعبية ضد القبائل العربية التي كانت اغلب عناصرها من قبيلة رفاعة العربية التي نسب اليها حرق الكنائس والقرى الخاصة بالندوك في منطقة شالي في عام 1987. تعرضت منطقة الكرمك الى احتلال من الحركة الشعبية مرتين1987، 1989 و اثر هذا الاحتلال تعرض سكان الدمازين من القبائل غير العربية الى عمليات قتل وحرق القرى من قبل المواطنين العرب مثل الذي حدث للدينكا في القطار (محرقة الضعين1987) على ايدي قبيلة الرزيقات حيث وثقّ لها كل من دكتور عشاري وبلدو في كتابهما ( وصف مجزرة الضعين)، مما دفعهم بالنزوح والانضمام الى الحركة الشعبية. موقع المنطقة الحدودي كما اشرنا اليه من قبل جعلها هدفاً لتدفقات اللاجئين الاثيوبيين عقب انهيار نظام منقستو1991 اضافة الى الجوع الذي ضرب المنطقة في عام 1985 حيث دفع باعداد كبيرة منهم الى النزوح الى خارج المنطقة . ظلت المنطقة تحت تأثير الصراعات السياسية الاثيوبية ، حيث صارت أرضاً للمعارك بين الثوار الاثيوبيين والحكومة الاثيوبية آنذاك. يؤرخ للبداية الحقيقية للعمل العسكري بانضمام احد من ابناء المنطقة الفريق مالك عقاروهو من قبيلة انودك حيث احتل الكرمك في 1997 وكيسان وتمت السيطرةعلى مناطق تنقيب الذهب في المنطقة الحدودية بين اثيوبيا واصبحت منطقة خور عدار حقل البترول تحت القصف المدفعي للحركة. مهددات علاقة النيل الأزرق بالشمال قال مالك عقار نائب رئيس الحركة الشعبية ووالي ولاية النيل الازرق( ان السودان يمضي في اتجاه التمزق من اطرافه واكد اتجاهاً لفصل النيل الازرق وتبعيتها الى اثيوبيا والشرق الى ارتريا وانضمام دارفور الى تشاد وان ابناء كردفان سوف يصبحون العبيد الجدد للاستعمار لذلك دعاهم للتمسك بالحركة الشعبية بعد الانفصال. وانهم لا علاقة لهم بالعرب وهم اقرب الى اثيوبيا4 لقد اشارت اتفاقية السلام الشامل الى الإلتزام بكل الاتفاقات السابقة خاصة تلك التي تتحدث عن السلام، اتفاقية اديس ابابا 1972 هي احدى الاتفاقيات التي تعني بذلك. أشارت هذه الاتفاقية الى أن المناطق التي كانت ضمن جنوب السودان يتم ممارسة الاستفتاء فيها وهي حق تقرير المصير وهي كما ورد سابقا بعض جبال الانقسنا،بجانب حفرة النحاس وكافن جاني في جنوب دارفور التي كانت تمثل حلقة وصل بين الشمال والجنوب حتى تم حرقها في عام 1932 من قبل السلطات البريطانية. لم يتم ممارسة هذا الاستفتاء لرفض الحكومة له آنذاك رغم ضغط المنظمات الكنسية التي كانت تشكل حضورا مميزا في المدافعة عن هذا الحق. سكان النيل الازرق يقاسمون جنوب السودان القسمات و الملامح الزنجية والثقافة الافريقية بجانب ٍاعتناق الديانة المسيحية وبعض المعتقدات الروحية الافريقية. كما ان هنالك خلفية ممارسة الرق الذي كان يستهدف سكان النيل الازرق دون القبائل العربية الاخرى مما دفعهم الى النظر اليهم كغزاة بالتالي تزكية الكراهية للشمال الذي يرمز اليه بالعربي. النضال المشترك والآيديولوجية الفكرية والعقيدة القتالية بين عضوية الحركة الشعبية بالنيل الازرق وجنوب السودان ،كلها تقوم كعوامل جذب بين بعض شعوب النيل الازرق والجنوبيين وبالتالي تهدد اٍرتباط شعب النيل الازرق بالشمال. هنالك الرابط الوجداني والاجتماعي الذي نما ابان فترة القتال في الاحراش مما يصعب تصور الانفصال عنه. كما الحركة الشعبية بالنيل الازرق ترى في الانفصال مهدداً لامن عضويتها حيث سينكشف ظهرها وتكون في مواجهة مباشرة مع الشمال الذي ناضلت ضده باعتباره الاستعمار الجديد الذي تم شحنهم ضده طوال العشرين عاماً امد الحرب. أثر انفصال الجنوب على النيل الأزرق أثر انفصال جنوب السودان على النيل الازرق سيكون اعمق من جنوب كردفان للاسباب التي قامت كمهددات لوحدته مع الشمال. المنطقة غنية بالمعادن مما يدفع الحركة الشعبية بالجنوب التمسك بها بجانب الحق القانوني التاريخي الذي ورد في اتفاقية اديس ابابا الفقرة الثانية الذي يعطي شعب هذه المناطق ممارسة حق تقرير المصير عن طريق الاستفتاء بالبقاء ضمن حدود جنوب السودان او الانضمام الى الشمال باعتبارها مناطق كانت تتبع لجنوب السودان قبل الاستقلال.هذا الحق التاريخي يفسر رؤية هذه المناطق لمفهوم المشورة الشعبية باعتبارها ذات الحق حق تقرير المصير وليس النظر في تعديل الاتفاقية كما رشح في الاعلام من خلال الورش التثقيفية التي تقام هنالك. العوامل التي اصبحت كمحفزات للاندماج بين العناصر الاثنية بالنيل الازرق والجنوب ستجعل التواصل الاجتماعي مستمرا رغم الرسم السياسي المرجح للانفصال مما يضعف التهديد بهتك النسيج الاجتماعي يقوم كحائض صد للصراعات الاثنية التي تحاول ٍإحدى قطبي الرحى( المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) استغلاله كما حدث في السابق في مرحلة التمرد. 1 Douglas H.Johnson ،The root Causes of Sudan -s Civil Wars Africa Issues، James Curry oxford second edition 2004 2 لعام 1971 قانون حيازة و ملكية الاراضي 3 اتفاقية اديس ابابا الفصل الثاني المادة 11/3 4 آخر لحظة /3/4/2008.