نحن سنجلس كما قلت سابقاً مع مالك عقار، ياسر عرمان، وعبد العزيز الحلو خلال أيام ونعود إلى المربع الأول وهو مربع يوم 28/6/2011م تاريخ توقيع الاتفاقية الإطارية بين د. نافع نائب رئيس المؤتمر الوطني، ومالك عقار رئيس قطاع الشمال في الحركة الشعبية.. نعود إلى الاتفاقية الإطارية بعد رفضها ووأدها في مهدها، بعد أن أضعنا أثنين وعشرين شهراً أزهقت فيها آلاف الأرواح، واستنزفت مئات الملايين من الدولارات، ونزحت فيها مئات الآلاف من المواطنين الأبرياء الآمنين المستقرين، نعود إليها ولم يتغير فيها حرف.. نعود إليها لسببين مهمين: الأول هو إمتثال لقرار مجلس الأمن 2046 الذي يطالب فيه في المادة الثالثة (القرار من عشر مواد) بجلوس حكومة السودان مع قطاع الشمال في الحركة الشعبية، والتعاون الكامل مع لجنة أمبيكي ورئيس الإيقاد للوصول إلى اتفاق بمرجعية الاتفاقية الإطارية، والمسماة «الشراكة السياسية بين المؤتمر الوطني وقطاع الشمال في الحركة الشعبية والترتيبات السياسية والأمنية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان». القرار 2046 تحت الفصل السابع لميثاق الأممالمتحدة الذي يجّوز التدخل العسكري الأممي لفرض القرار تمت إجازته في مجلس الأمن بكل أعضائه دون اعتراض من روسيا والصين تمت إجازته في 2/5/2012م. والسبب الثاني والأهم الذي به تمت الموافقة في جانب الحكومة على الجلوس مع قطاع الشمال هو التطابق الغريب والمنطقي مع توجه الدولة الجديد، وكل بنود الاتفاقية الإطارية خاصة الجزء الأول من الاتفاقية وهو الشراكة السياسية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قطاع الشمال كما سنرى.. أدل مؤشرات تغيير موقف واستراتيجية الحكومة في الاتفاقية هو تحويل ملف المفاوضات من الأخ د. كمال عبيد، وهو يعتبر من المتشددين إلى البروفيسور إبراهيم غندور المعتدل والمقبول لدى الجميع. والآن نقرأ الجزء الأول هذا، ونقارنه بالتوجه الجديد والجيد الذي حمل لواءه السيد الرئيس بكل شجاعة وإقدام.. المادة الأولى في الجزء الأول هذا تنادي بتكوين لجنة سياسية مشتركة بمشاركة لجنة أمبيكي لمناقشة كل القضايا المتصلة بجنوب كردفان والنيل الأزرق، بما فيها القضايا التي تتناول المسائل الدستورية والقومية.. (اليوم كل الحديث والتوجه نحو اعداد دستور مجمع عليه لاستيعاب كل قضايا السودان).. المادة الثانية تؤكد أن الطرفين يعترفان بحق قطاع الشمال في أن يكون حزباً سياسياً شرعياً في السودان.. (شرعياً تعني امتثال قطاع الشمال لكل القوانين واللوائح الحاكمة لتكوين الأحزاب تحت اشراف وتنفيذ الحكومة السودانية).. المادة الثالثة تحدد المباديء التي تحكم عمل اللجنة السياسية المشتركة والمباديء هي: (أ) رؤية مستوحاة من المعتقدات المشتركة التي تؤدي إلى مستقبل زاهر لكل السودانيين. (ب) الالتزام بالحكم الديمقراطي الذي يستند على المحاسبة والمساواة واحترام حكم القانون والقضاء لكل السودانيين. (ج) الحل السلمي لكل النزاعات عن طريق المفاوضات. (د) الالتزام بالتنمية المتوازنة مع الاهتمام الخاص بولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان والمناطق الأقل نمواً. (ه) يقوم الحكم على الشراكة وتحقيق المصالحة السياسية لكل السودانيين مع الاعتراف بالتنوع السياسي والاجتماعي والثقافي في كل المجتمعات. (و) تقوم المفاوضات في إطار حوار سياسي واسع على المستوى القومي مع الاعتراف بأهمية التعاون بين الأطراف من أجل الاستقرار والتنمية والديمقراطية والاصلاح الدستوري في السودان.. (هذا تماماً ما يقود نشاط المؤتمر الوطني في هذه الأيام). (ز) يعمل الطرفان معاً لتحقيق العملية الوطنية الشاملة في السودان التي تهدف إلى الإصلاح الدستور. (وهذا أيضاً توجه الحكومة والمؤتمر الوطني للفترة القادمة حتى قيام الانتخابات القادمة).. بقية المباديء في هذه المادة تتحدث عن تنفيذ بروتوكول ميشاكوس، اتفاقية السلام الشامل في بنودهما المتعلقة باحترام التعددية وحقوق الإنسان، إقتسام السلطة والثروة والمصالحة الوطنية واكمال المشورة الشعبية في النيل الأزرق وجنوب كردفان، وتضمين كل ما يتفق عليه في الدستور الجديد.. المادة الرابعة في الجزء الأول هذا تطالب بعقد اجتماع مشترك للجنة السياسية المحددة في المادة الأولى في الحال ولمناقشة قضايا الحل في جنوب كردفان والنيل الأزرق بطريقة ودية خلال ثلاثين يوماً.. المادة الخامسة تنادي بأن يلتزم الطرفان بالأجندة التالية وبرامج العمل في اللجنة السياسية المشتركة. (أ) تطبيق ما تبقى من بنود اتفاقية السلام الشامل لحل الصراع في الولايتين. (ب) إنشاء شراكة سياسية وترتيبات للحكم في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، (وهذا مطابق للتوجه الجديد وخطابات الأخ أحمد هارون).. المادة السادسة تؤكد أن الطرفين إتفقا على تكوين لجنة مشتركة لمناقشة القضايا القومية المشتركة، وتتكون أجندة هذه اللجنة من الآتي: (أ) استعراض دستوري موسع. (ب) العلاقة بين المركز والولايات. (ج) المحافظة على المواد المضمنة في اتفاقية السلام الشامل- الفصل الثاني- والدستور القومي الحالي كأساس لدستور جديد. (د) العمل على انشاء علاقات جديدة مع الجيران خاصة دولة الجنوب (هذا يتسق تماماً مع توجه الرئيس البشير الجديد وزيارته الناجحة إلى جوبا يوم الجمعة 12/4/2013م).. المادة السابعة تقول إن نتيجة هذا النقاش تشكل موقفاً مشتركاً بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قطاع الشمال خلال حوار سياسي وطني واسع، يضم كل الأحزاب السياسية (هذه مادة مهمة وعميقة وتتماشى تماماً مع توجه المؤتمر الوطني بل تقوي موقف المؤتمر الوطني بخلق هذا الموقف المشترك في كل التفاهمات التي يدعو لها المؤتمر الوطني.. ستكون هذه المادة داعمة لخلق جبهة قوية واحدة في مواجهة كل أحزاب المعارضة الطائفية، العقائدية أو الجهوية، وستكون قوة دافعة مؤثرة في حلحلة كل المشاكل العالقة في السودان في دارفور، كردفان والنيل الأزرق.. لماذا نرفض مثل هذا الطرح المتقدم خاصة وأنا أتوقع أن يكون حزب قطاع الشمالي (قطعاً تحت مسمى آخر أكثر عمقاً ومضموناً وأقل استفزازاً شكلاً) حزباً قوياً جماهيراً مؤثراً خاصة وسط الشباب.. لماذا نرفض دعوتهم للمؤتمر الوطني لخلق جبهة مشتركة متوافقة في الطرح المقترح لتوسيع المشاركة والمصالحة الوطنية القادمة؟ هذا التحالف بين المؤتمر الوطني وقطاع الشمال حسب هذه المادة في الاتفاقية الإطارية سيكون له أثر إيجابي واستقرار في كل السودان ودولة جنوب السودان. الجزء الثاني في الاتفاقية الإطارية من المادة (8) حتى المادة (13) يتحدث عن تكوين لجنة أمنية مشتركة لحل ووقف الحروب.. احترام سيادة ووحدة السودان.. تحقيق سلام دائم في كل السودان.. أعضاء الحركة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق هم مواطنون بجمهورية السودان، وأن مستقبلهم بجمهورية السودان.. جمهورية السودان لها جيش قومي واحد.. قوات الحركة الشعبية من مواطني النيل الأزرق وجنوب كردفان يتم دمج جزء منهم خلال فترة زمنية محددة في قوات الشعب المسلحة السودانية، والمؤسسات الأمنية الأخرى، والخدمة العامة أو تحويلهم لمفوضية نزع السلاح والتسريح، وإعادة الدمج (هذا يعني وبالضرورة وقف كل العمل والتمرد العسكري والحروبات فوراً وتجريد حزب قطاع الشمال الجديد من أي مظهر عسكري أو قوة عسكرية، وهذا مكسب كبير جداً وافق عليه قطاع الشمال بالرغم من فقده لأكبر عنصر قوة). لذلك يجب أن تتسارع الخطى للاجتماع مع قطاع الشمال ونصل معهم إلى اتفاق بمرجعية هذه الاتفاقية الإطارية العظيمة التي تستبدل الصراع المسلح بالصراع السياسي الراقي الحضاري، وفي معظم بنودها تنادي الاتفاقية ويوافق قطاع الشمال على تنسيق المواقف لدرجة الدخول مع الآخرين في حوار وطني جامع بموقف مشترك بين المؤتمر الوطني وقطاع الشمال، أي تحالف حزبي قوي ومؤثر في كل حاضر ومستقبل السودان، وهذا هدف استراتيجي لو تعلمون عظيم، مفتاحه السمو وتناسي كل مرارات وأحقاد الماضي والمصداقية والتسامح النبيل.. دعونا نجرب هذا التوجه الرفيع ونكران الذات مشرئبين في شموخ وبعد نظر، لأجيالنا القادمة والتاريخ لا يرحم.. والله الموفق