إصدار واشنطن ترخيصاً عاماً للسماح لبعض الأنشطة للتبادل المهني والأكاديمي بين أمريكا والسودان، يحيل الذاكرة السياسية إلى بدايات القرارات الأمريكية بالعقوبات، فمنذ إصدار الرئيس الأمريكي بل كلينتون للأمر الرئاسي رقم 13067 كان بداية تطبيق العقوبات الاقتصادية على السودان وتم حظر استيراد أي سلع أو خدمات من أصل سوداني إلى الولاياتالمتحدة وغيرها من المعلومات أو المواد الإعلامية وكذلك السلع الإلكترونية والتكنلوجية، من ضمنها البيانات التقنية والبرمجيات وغيرها من المعلومات أو أي خدمات من الولاياتالمتحدة أو من قبل شخص أو شركة أمريكية، كذلك القروض والمنح في هذا المجال التقني لحكومة السودان. الشاهد أن آثار هذا القرار الاقتصادي المتعدد الأغراض والذي تضمن الوسائل والمعنيات التقنية الحديثة أحدثت أثراً واضحاً في مجال المعلومات والحاسوب والتقنية في السودان، حيث جدد جورج بوش العقوبات بالأمر الرئاسي رقم 13400 وتلاه القرار الرئاسي 13412 ليشمل الصناعات النفطية والبتروكيميات بالسودان، وفي عام 2007م تم حظر 31 شركة سودانية.. يرى بعض المراقبين أن لهذه العقوبات الأثر الكبير على اقتصاد السودان، وأن الهدف الأساسي كان معاقبة الحكومة السودانية لتوجهاتها الإسلامية فجاءت العقوبات كسيف مسلط على الحكومة، ووسيلة لقبول اقترحات وحلول للاتجاه نحو الديمقراطية والتحول عن المشروع الحضاري والنفود الإسلامي الذي بدأ يتمدد حينها في بداية ثورة الإنقاذ، وكذلك الصراع مع دولة الجنوب والذي تم فيه الاتفاق للسلام وانتهى بالانفصال وقيام دولة جنوب السودان، ويؤكد هؤلاء الخبراء أن القصد من وراء العقوبات الاقتصادية تغيير سلوك الحكومة السودانية والضغط عليها عبر زيادة تكلفة العمل التجاري في معظم القطاعات مما أدى إلى انهيار قطاعات كثيرة «سودانير- السكة الحديد»، وذلك لسيطرة أمريكا الكاملة على قطع الغيار في هذه المجالات. د. سيف الدين عثمان الأستاذ بجامعة السودان العالمية يرى في ورقته التي قدمها في ورشة عمل فك الحظر الأمريكي عن البرمجيات أن للعقوبات الاقتصادية الأمريكية أثراً كبيراً على صناعة البرمجيات في السودان لأنها تملك أسياسيات هذه البرمجيات وهنالك صعوبة في الحصول على براءتها ونقلها للسودان بسبب الحظر، وضرب المثال في ما حدث لافتتاح مصنع سكر النيل الأبيض نتيجة لعدم امتلاك التقنية البرمجية الأصلية للتشغيل، وأشار إلى أن الحلول في أن تتحسن العلاقات السودانية الأمريكية خاصة بعد تصريحات القائم بالأعمال الأمريكية في السودان بأن واشنطن ستحدث قريباً تغيرات على لوائح العقوبات التي من شأنها أن تسمح للمؤسسات التعليمية في كلا البلدين للتعامل مباشرة مع بعضهم البعض في إشارة إلى فتح أفق جديد لرفع العقوبات. من جانبها نظمت المؤسسة الشبابية لتقانة المعلومات بالتنسيق مع الاتحاد الوطني للشباب السوداني ورشة فك الحظر الأميكي عن البرمجيات ويرعاية الدكتور تهاني عبد الله وزيرة الدولة بالعلوم والاتصالات ودعت مخرجات الورشة إلى العمل على توجيه نداء الحكومة الأمريكية لرفع العقوبات في مسألة تقنية علمية أكدت المؤتمرات العلمية بجنيف 2005م وتونس 2007م على أنها حق إنساني مشروع في العلم لا ينبغي أن يحاصر أو يحظر على دولة لأنه يخدم المجتمعات لا الحكومات.. وأشار المتحدثون جميعاً في ورشة العمل إلى ضرورة عمل التقنيين والمهندسين السودانيين في مجال المعلومات التقنية الحديثة. ونوه ياسر جمال الدين مدير المؤسسة الشبابية لتقانة المعلومات بأن هنالك خططاً شبابية طموحة تتبناها المؤسسة وتعمل على نشر ثقافة الوعي المعلوماتي. ومن جانبه ثمن بله يوسف دور الشباب الطموح في مجال خدمة الحاسوب والمعلوماتية. وقال إن هذا حق إنساني ينبغي أن لا يحاصر، ووافقه الرأي المهندس مبارك محمد أحمد مدير مركز المعلومات ا لذي دعا إلى حوار فكري علمي مع أمريكا بعيداً عن السياسة لأن القضية علمية عالمية هادفة. وشددت الوزيرة الدكتورة تهاني عبد الله على مواصلة الطرق في وسائل الإعلام على هذه القضية لتحويل الرأي العام إلى المطالبة بحق استخدام التقنيات الحديثة دون قيود أو حظر على دولة ومحاسبتها ومعاقبتها لأن العلم للجميع. ويبقى البحث عن الانفراج الأمريكي للحصار في هذا المجال محل الانتظار!!