تنويه(هذا المقال ليس بأي حال دعوة لتعاطي المخدرات أو تشجيع تعاطيها) جاء بصحيفة آخر لحظة في عددها الصادر صباح يوم الأحد السابع عشر من شهر مارس أن د. عبدالحي يوسف قد أفاد في خطبة له بأحد المساجد أن ال (C.I.A.) تقوم بترويج المخدرات في الدول الإسلامية و دعى لعدم إرسال الشباب للدراسة في أوربا .. دُهِشنا إذ لم نطلع منذ زمن طويل على إفادة بمثل هذه السذاجة، من عالمٌ بالدِّين يحمل درجة علمية رفيعة!! تكاد تكون كل إفاداته فتاوى، أو بمثابة فتاوى في أمور شتى تخص حياة المسلمين .. ولم تكن دهشتنا دون أسباب.. تقدر الاممالمتحدة حجم تجارة المخدرات عالميا بحوالي 400 بليون ملياردولار امريكي مما يجعلها ثالث أكبر سلعة يتم تداولها عالمياً بعد البترول والسلاح. يعود إرتفاع قيمتها للمخاطر الكثيرة التي تحيط بإنتاجها، والمتاجرة فيها، إذ نجد في أن معظم دول العالم تحرِّم تعاطيها، وتوقع عقوبات صارمة على المتعاملين بها، و مستخدميها..ولكثرة المخاطر المحيطة بها صارت عائداتها مجزية ومغرية لكثير من الطامعين في الثراء .. ولذلك يبرعون في تطوير أساليب إنتاجها وتوزيعها.. دُهِشَّنا لعلمنا أن حكومة الولاياتالمتحدة تنفق سنوياً ما بين 40- 60 مليار دولار لمكافحة إنتاج المخدرات، وتسويقها و توزيعها و تعاطيها و علاج مدمنيها، ولقد بلغ مجمل ما أنفقته في هذا الصَّدد في الفترة ما بين عامي 1980 و 2010 حوالي 800 مليار دولار .. وما زالت عاجزة عن تحقيق أهدافها بعد 32 عاماً منذ أن أعلن الرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون أول أكبر حملة لمكافحة المخدرات أسماها (الحرب على المخدرات).. إنهم يبذلون جهدًا خارقاً وينفقون أموالاً طائلة في حربهم على المخدرات .. و يكاد المرء أن يصاب بالذهول من حجم الدراسات حول المخدرات والخطط والبرامج التي يتبعونها لتقليل آثارها الضارة،.. نقول تقليلها ولا نقول إجتثاثها !! لأنهم لا يدفنون رؤوسهم في الرمال مثلنا إذ أدركوا أن ذلك مستحيلاً .. ولتقليل أضرارها الإقتصادية على مجتمعاتهم، والمخاطر الصحية الناجمة عن إحتساء الخمور يرى بعضهم ضرورة إباحة استخدام بعض أنواعها داخل بلادهم مثل (المارجوانا) أحدى فصائل ال (Cannabis) و التي يسمونها مخدرات ترفيهية، و أخرى علاجية .. تفيد إحصاءات و زارة الصحة البريطانية أنه خلال عام 2010م لقي 6,000 شخصاً حتفهم نتيجةً لاحتساء الكحول بينما - لم تحدث أي حالة وفاة نتيجة لاستخدام ال (Cannabis).. و لقد أثار بروفسور نت ديفيد رئيس لجنة مكافحة سوء إستخدام الأدوية و العقاقير،وهي أعلى سلطة رقابية على الأدوية في بريطانيا في عام 2009 لغطاً حين دعى للسَّماح بإستخدام ال (Cannabis) لتقليل الآثار الضارة لاحتساء الكحول .. دفع تصريحه وزير الداخلية البريطاني للضغط عليه و اجباره على تقديم إستقالته التي تلتها استقالة عالمين آخرين من أعضاء نفس اللجنة تضامناً معه، لما رأوه من صواب علمي فيما إقترحه .. تنفق بريطانيا سنوياً 500 مليون جنيهاً إسترلينياً لمكافحة المخدرات و 6 مليارات اخرى لمعالجة الأضرار الناجمة عن إحتساء الكحول .. لقد أنفقت الولاياتالمتحدة أموالاً طائلةً لدفع زراع المخدرات في عدد من الدول الاسلامية مثل: تركيا و لبنان وافغانستان لوقف إنتاجها و استبدالها بمحاصيل أخرى .. كما تنفق أموالاً طائلة في عدد من دول أمريكا اللاتينية والمكسيك لنفس السبب .. ولم تنجو اوربا من إستهداف تجار المخدرات لأسواقها .. منذ أمد بعيد إرتبطت ظاهرتيَّ غسيل الأموال و الإرهاب بتجارة المخدرات .. ففي أمريكا الجنوبية إرتبط ما يعرف بالمنظمات الثورية بهذه التجارة، اذ كانت تستخدم عائداتها في تمويل انشطتها.. كما ارتبطت حركة طالبان و تنظيم القاعدة بنفس التجارة. ولقد سبب تجار المخدرات المسلمون مثل الأتراك و اللبنانيون والإيرانيون والأفغان صداعاً للدول الأوربية، لكثرة ما تم ويتم تصديره إليها من هذه الجمهوريات الاسلامية من مخدرات .. تبلغ المساحات المزروعة بالمخدرات في جمهوريتي أفغانستان والباكستان الاسلاميتين أكثر من مائتي الف هيكتار .. دار لغطاً في البرلمان المغربي حول العشرات من الهكتارات التابعة للأوقاف الاسلامية تزرع بالحشيش مؤجرة لبعض مستغلي هذه الأراضي الذين يزرعونها بما يسمونه «الذهب الأخضر» الذي يدر على أصحابه ملايين «السنتيمات» سنوياً بعد تصديره الى أوروبا.. وفي اليمن الشقيق والصومال وأرتريا لا يجد إنتاج القات وتدواله و(تخزينه) أي مضغه معارضة من السلطات بل يحظى بكامل الشرعية .. تتم زراعته وبيعه علنا في الأسواق .. يقوم تلاميذ المدارس والطلاب في جمهورية اليمن الاسلامية (بتخزين) القات بعلم وموافقة وتحت بصر آبائهم المسلمين لاعتقاد راسخ أنه يعينهم على تصفية عقولهم !! و استيعاب الدروس والفروض المدرسية .. والآباء يمضغونه و يمصون عصارته للإنتشاء وللإستمتاع بممارسة الجنس.. ليس لوكالة المخابرات المركزية الامريكية يد في هذا الأمر .. إن الأسباب التي دعت بلادًا كالولاياتالمتحدةالامريكية، ودول الاتحاد الأوربي لشن حرب بهذا الحجم على تجارة المخدرات تعود للحقبة الاستعمارية .. فبعد أن استقر المقام بالمستعمرين الأوربيين في مستعمراتهم السابقة اكتشفوا وجود أنواعاً مختلفة من النباتات المخدرة كنبات الخشخاش بأنواعه المختلفة، والافيون يمكن أن يكون تعاطيه بديلاً لإحتساء الخمور، لأنها أقل تكلفة و أقل ضررًا من الناحية الصحية .. رأى المستعمرون أن السماح بانتاج مخدرات كال (Cannabis) وتسويقها وتعاطيها سيجلب ثروات لهذه البلاد، تزيدها قوة ومنعة، مما يجعل السيطرة على مثل هذه الدول، و الشعوب وإخضاعها أمرًا صعباً .. كما أنها تضر بصناعة الخمور في أوربا وربما تقود الى إنهيارها .. لهذه الأسباب سنَّوا التشريعات وانشأوا المنظمات والأجهزة اللازمة لمحاربتها .. ودُهِشَّنا للفشل الذريع لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في اختيار مروجين فاشلين يقعون بسهولة فريسة لأجهزة مكافحة المخدرات في السودان .. و هذا ليس من عاداتهم و لا أساليب عملهم .. اذ تطلعنا الصحف اليومية هذه الأيام بالنجاحات الكبيرة التي تحققها الشرطة السودانية، وضبطها لكميات ضخمة من المخدر المحلي المعروف باسم (البنقو) أو العلامة التجارية الجديدة (شاشامني) الواردة من الشقيقة أثيوبيا.. إن الهجرة لطلب العلم فريضة حض عليها رسولنا الكريم .. سنوياً يهاجر الآف المسلمين الى أوربا لطلب العلم .. إن العلماء المسلمون الذين تلقى بعضهم تعليمه في أوربا وأمريكا و المنتشرون في كل بقاع الدنيا ليس بالضرورة متعاطِّي مخدرات .. ان اعدادًا ضخمة من العلماء المسلمين إتخذوا من أوربا وأمريكا مستقرًا لهم .. حقق ويحقق الكثيرين منهم إنجازات ضخمة لخدمة البشرية .. وهم ليس بمتعاطي مخدرات..إن عددًا غير يسير من أولئك العلماء، وبعضهم من غلاة المسلمين المتشددين الذين تلقوا تعليمهم في تلك البلاد، و عادوا الي ديارهم يحملون جنسيات أوربية وأمريكية .. وهم ايضاً ليس بمتعاطي مخدرات .. كما أن أكبر مركز للدراسات الاسلامية في العالم يتبع لجامعة امستردام في هولندا التي تشتهر بكثرة المقاهي التي تعرف (بمقاهي المارجوانا).. ان هذه المقاهي ليست قبلةً لطلاب العلم المسلمين .. ان صحت إفادة د. عبدالحي وما لها أن تصح فلا بد أن مدير ال سي. أي. أيه. يخضع الآن للمحاسبة لفشله في توفير الإمدادات الكافية للمتعاطين في الخرطوم هذه الأيام مما أدى الى تضخم أسعار بيعه بأكثر من 200% كما تفيد معلومات السوق الإستخباراتية .. ولهذا أثر سلبي في تقليل قاعدة المتعاطين يتعارض مع إسترايتجيتهم إن كانت فعلاً هناك إستراتيجية لأغراق شباب الدول الإسلامية في خضم تعاطي المخدرات .. ولربما يتم توبيخه على فشله في إختيار مروجين أكفاء وعدم تسليحهم كما تفعل العصابات الكولمبية و لاهداره أموالاً لدافعي الضرائب الامريكان اذ لا مصلحة لهم في ترويج المخدرات وسط المسلمين أينما كانوا