عند زيارة الشاعر المصري الأسطورة عبد الرحمن الأبنودي للسودان قبل سنين قليلة خلت، وُجهت لي الدعوة إن كانت لدي الرغبة في المشاركة، والحقيقة لم أكن مستعداً على الإطلاق، فتردّدت كثيراً لأعتذر، نسبة لضيق الزمن ، فالدعوة وصلتني قبل أيام قليلة ،لا تكفي للاستعداد لمناسبة هامة كهذه.. وتحت عنوان (هلالية الأبنودي مايسترواللفة العطرة الجميلة) والحقيقة كانت الفرحة عظيمة وأكبر من أن أتحملها وحدي وأنا وسط هؤلاء العمالقة ، عمالقة الكلمة الرائعة لسوداني الحبيب الذين لا أسمو إلى مقامهم الرفيع ، وكم كانت سعادتي وكأني امتلكت الدنيا بمن فيها وحتى إن كنت غير مشارك يكفي أن أتمتع بعطر وجودهم .. وقد كان إسمي في البرنامج مصاحباً للشاعر النبيل والذي يعرف بطلاقة اللسان وقوة البيان، ذلكم الشاعر محمد طه القدال، والشاعر الفذ الأستاذ كمال الجزولي، صاحب الشعر الرصين والمشاعر، الأستاذ يوسف البنا والذي يعرف جيداً كيف يوصل كلمات شعره إلى القلب والوجدان.. والحقيقة كان يوماً رائعاً أمام هذا السيل من روائع الشعر الرصين والمؤثر والثائر، الشيئ الذي أعطاني الإحساس بضآلتي الشديدة، وإن اشتراكي يعني تطاولي على الشعر والشعراء ،رغم أن كلماتي وجدت قبولاً حسناً لدى الشاعر الأبنودي ، فالشكر كل الشكر للشعراء الأمدرمانيين الذي ارتضوا أن أكون مشاركاً وأعطوني هذا الفخر رغم اقتناعي التام باكتشافهم لمواقع الخلل وأخطائي اللغوية وعيوبي في نطق بعض الكلمات حيث أنني أميل دائماً إلى العامية لبساطتها وتلقائيتها التي تريحني كثيراً من التقيد بقانون اللغة ومفرداتها، كما أحرص دائماً على الاعتذار في أي مقام- قبل أن ينطلق لساني -إذ أنني أعلم جيداً أن من بين الحضور أدباء ومثقفين وحتى أشارك بهدوء وفي جو صحي معافى خالياً من التوتر الذي يصاحب الإنسان في مثل هذه المواقف.. كان الحفل يزدان هيبةً وجمالاً بوجود نيافة الحبر الجليل الأنبا صرامون أسقف عطبرة وأمدرمان، وسعادة وزير الثقافة والإعلام، وسعادة السفير المصري ، وبعض الشخصيات الموقرة من رموز بلادي الحبيبة ، وجمع غفير من الذين يعشقون كلمات المحتفى به الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي. القارئ العزيز: كانت كلماتي موجهة للمحتفى به، كلمات ترحيب لضيف عزيز ملك على قلوب الكثيرين الذين يكنون له أجمل المشاعر والمحبة الخالصة لشعره الدارجي البسيط الذي ينفذ إلى الأعماق والوجدان، شعر ملئ بعطر ورائحة أرياف مصر الطيبة، استهللتُ كلماتي المتواضعة علّها تجدُ القبول عند القارئ العزيز إن لم تحظ بالقبول أنها أتسمت بنبل المحاولة. أبنودي يا فرحة: جيتك مشتاق يا أبنودي شاديني الحنين أزمان.. يانسر عملاق مشتاق لي ملتقى النيلين في محبة زايدة حنان.. يا هرم شامخ خلد ذكراه في الوجدان.. عبد الرحمن: يا إسم مبروك مربوط بي طاعة الرحمن.. يا شمعة قايدة شديد لي رفعة الأوطان.. يانسر من لهب يامنصف الغلبان.. وفي قلوب الشعوب الحرة كم ولعت نيران.. حروفك.. حروفك واقفة في خطوط النار ساندة الجندي في الميدان.. سلامك سلاح بتار مدجج بي رجاحة عقل ولسان.. أمل حياتك وهدف عمرك عرفناه، تضامن عربي وحرية الإنسان.. شموح وحضارة يا أبنودي ليك عنوان.. ياكريم الأصل يا إشراقة وبانية في كل زمان ومكان.. فيك بتذكر ولاد جيلي ولمة الخلان.. فيك بتذكر أيام الصبا والصفا ومودة الحبان.. فيك بتذكر حضن والدتي وحنان الحبوبة وعمه آمنة والخيلان.. دي ما ذكري طيبة حنينة يا أبنودي ذي الندى الريّان.. يا طلة حلوة حنينة ممزوجة بي نسمة الياسمينة والريحان.. يا ضحكة رضيع ضاميهو الصدر بحنان.. أبنودي يا فرحة.. أبنودي يانسمة ربيع حلوة.. أبنودي يا إبن النيل العظيم في مصر والسودان... ما بنقول وداع ياضيف مقيم في أعماقنا وفي قلوبنا والوجدان.. تحية من نيلينا ونخيلنا وسنابل قمحنا وشجيرة البان.. وتحية حلوة شديد مكتوبة بي نور البرق والفؤاد طربان.... وتحية من زخات المطر وطيور الجنة والجديان... ومع السلامة أقول سلام وسلام وتجمعنا الظروف الطيبة في ظل رحمة الرحمن.. كسرة: جلست مع الجالسين في انتظار بداية الحفل وكنت حريصاً أن لا أجلس في المقاعد الوثيرة ا لأمامية المخصصة للمشتركين من الشعراء الأجلاء وعندما حان دروي ، وأنا متوجه للمنصة قال أحدهم مداعباً لي بأسلوب ساخر وبصوت مرتفع حين مررت بجانبه: (كمان الشاعر الأحمر دا جانا من وين)؟ فقلت له سريعاً وعلى عجل (ما تقول الزول أحمر وفي كلامو لهجة العربان.. شهادة الميلاد قنتي الشمالية وباقي الرضعة في أمدرمان).. وعندما اعتليت المنصة ، رأيته واقفاً وقد حياني بانحناءة جميلة دلّت على إعتذار جميل ، ومن شخص جميل... أجدّد تحياتي وشكري له.