الشعر الجميل والغناء الرصين إشراق وتألق وجاذبية (5) محمد سليمان دخيل الله ملامح الأغنية السودانية متعددة ورغم تعددها فإنها تحمل صورا جمالية فيها الشوق والسلوى والحنين.. وتعتمد على الذكريات والصدى.. وهنالك أغنيات تحتفل بالليل والنجوم ومعاناة العاشقين.. وقصائد تحتفل بالنيل والوطن والتراب انه عشق الشعراء ووله المحبين.. فالأغنية السودانية الرصينة ملمح للثقافة السودانية.. وهي تفاصيل حياة الانسان السوداني وهي لوحة مرسومة بالكلمات وتعطيها أبعاداً الألحان إن كانت بآلات موسيقية حديثة أو شعبية، والأغنية السودانية هي صوت الشاعر والمغني ودوزنة الموسيقيين لذلك نجد انها تتمتع بالثراء في التباين وتحمل قيما جميلة ونبيلة وهي قيم الحق والخير والجمال.. وإن أخذنا أغنية الزيارة التي ألف كلماتها الشاعر عبيد عبد الرحمن وشدا بها الفنان ابراهيم الكاشف فنجد ان الزيارة تصوير شعري رائع وغناء يحمل جمال الكاشف: حبيبي آه قلبي تاه في يوم الزياره الدنيا وعماره الجنه ونعيمه بزهوره وثماره الناصع بياضا الفاقع صفاره فصود في خديد يضون وخدود بدون إماره يرسلو نور ملون اخضر اصفر فاتن سماره التفت واداني بسمه يزري بالزهر ازدهاره مثلت فيها الوداعه وخفه الروح والمهاره ده الجذب عقلي بي فنو نظره مني ونظره منو وهذه الأبيات من الأغنية أخذتها للايضاح في ان هذه الأغنية هي عبارة عن محاضرة في علم الألوان وتوزيع الاضاءة وهي وصف للوحة زيتية أبدع عبيد عبد الرحمن في تشكيلها بالكلمات، وهي من الأغنيات السودانية الخالدة والرائعة وكما كان ابراهيم الكاشف رائداً في الغناء السوداني وحافظا على القيم النبيلة في الفن السوداني فإن هنالك في فن الطنبور رائدا آخر انه النعام آدم، وهو ملك الطمبور و تكتب احياناً الطمبور ومرات الطنبور وأغنياته مضمخة بالحب والحنية فلنقرأ بعض أبيات هذه الأغنية للنعام آدم:- الزول الوسيم في طبعو دايماً هادي من أوصافو قول اسكرني هات يا شادي من حور العيون يحتار غزال الوادي والخد كالزهور تلقاهو دائماً نادي من عينيه السهام تقطع دائماً في فؤادي فاقت لي سيوف عنتر بني شداد فإن النعام آدم بأغنياته سجل اسمه بأحرف من نور في خريطة الغناء السوداني، وان الغناء السوداني تتشكل فه المدارس والاتجاهات حسب رسم الشعراء: وهات يا زمن جيب كل أحزانك تعال وطول يا أسى وكتر ينابيع الشجن هات يا زمن إن الكلمات السابقة قد تغنى بها الفنان الجابري وهي من كلمات الشاعر مصطفى عبد الرحيم والجابري من الطيور المغردة في حديقة الغناء السوداني. ويا غايب عن العين انت موجود في دواخلنا فنانا غنى وأطرب انه الفنان التاج مصطفى والذي اسهم اسهاما كبيرا في الغناء السوداني منذ بداية الاربعينيات ومن أشهر أغنياته الملهمة وحياتي فداك ورسالة حب وهو المغني والملحن وقد لحن للفنان ابراهيم الكاشف وهو من أساطين الطرب الأصيل في بلادي وكما غنى وشدا التاج مصطفى فإن الفنان عثمان حسين قد طوع الكلمات لحناً شجياً وناس لالا للشاعر عبد المنعم عبد الحي علامة من علامات الغناء السوداني:- يا ناس لالا ناس لالا ناس لالا خلو اللالا واللالا في حالا خلو الماخطر زول على بالا بكره الدنيا جا يالا جايلا سهران وحيران وما نائم ولهان وهيمان أنا الصايم السمار النجوم طول الليل ما بنوم من النوح والهموم من ناس لالا هاجرانا ناس لالا ناس لالا انهم العاشقون من الفنانين للحرف الجميل للكلمة لشرف الغناء.. انه الغناء الباذخ الذي سطر في السودان للعشق وللوطن، وسيد أحمد الحردلو خط عشانك بكاتل الريح وأضاف لها الفنان محمد عثمان وردي عنصر التطريب والشدو الجميل:- عشانك بكاتل الريح عشنك فؤادي جريح عشانك أنا مكتول عشانك يا حزن نبيل عشانك يا حلم جميل عشانك أنا يا بلد يا نيل يا ليل يا سمح يا زين يا بلدي يا حبوب يا أبجلابيه وتوب وسروال ومركوب وجبه وسدير وسيف وسكين يا سمح يا زين وإن الزين جاء من الحردلو ووردي تنمية واعمارا لوجدان الأغنية السودانية بشفافية الفنانين والمبدعين.. ومرت الأيام كالخيال أحلام لكروان الغناء السوداني عبد الدافع عثمان من الغناء الذي يجعلك تطرب ويتقلقل في الوجدان ويستمر الطرب من عدد كبير من مبدعي بلادي ومنهم الفنان أحمد شاويش الذي يأخذك إلى فضاءات جميلة وبتذكرك وكت الكلام يصبح صعب.. ومن نسج شعراء بلادي وللشاعر الهادي آدم تغنت أم كلثوم كوكب الشرق وملكة الغناء المصري وقد غنى الفنان الصومالي أحمد ربشة شاقي روحك ليك من الحان يوسف الموصلي وقد أطربت الفنانة زينب الحويرص قول النصيحة مع الدكتور عز الدين هلالي، وانه وان تمعنا في هذه الاشراقات الغنائية فنجد ان السودان يحمل لوحات من المعاني والجمال واللورى حلى بي دلاني في الودي لوحة في ربوع السودان نبحر فيها دائماً مع الدكتور الفنان عبد القادر سالم، والشاعر عبد الله الكاظم وإن الوجدان في السودان يتشكل بالغناء والريد كلما ردد الفنان ابراهيم حسين:- لما الريد يفوت حده يبقى مصيرنا في يده يحن قلبو يبين وده ونتبين ان الغناء السوداني هو التوق والوجدان والسلوى والحنين والشاعر التجاني حاج موسى من مرجعيات الغناء السوداني لأنه صاحب رؤية شعرية رقيقة ومتدفقة وقد أطل مع الفنان زيدان ابراهيم والملحن عمر الشاعر وشكلوا ثلاثيا مبدعا أضاف كثيراً لمسيرة الغناء السوداني.. وفي عز الليل أنا مسافر ساعة النسمه في هدب الدغش ترتاح وتنوم أنا مسافر.. والفنان محمد ميرغني يصدح ب:- اشتقت ليك ساعة المساء فرد الجناح لملم مصابيح النهار العتمة تاهت في الدروب والكون شرب لون الجراح اشتقت ليك شوق السحابه الراحله في جوف الشتاء عطشانه تحلم بالخريف وبقيت ضعيف مديت معابر شوقي ليك وحنين حنيني الطاغي ليك عايز أجيك وكايس مجيك وهذه القصيدة الأغنية بها رؤى ابداعية تزين جيد الغناء السوداني. والغناء السوداني هو ذاكرة أمة وتاريخ أجيال وهو كنوز من الثقافة السودانية والغناء وجدان للأمة السودانية كما صوره الشاعر علي محمود التنقاري في أغنية من دار الاذاعة التي غنتها الفنانة عائشة الفلاتية في العام 1961م:- من دار الاذاعة ارسل ليك تهاني اترقب سماعها برسل تهاني يا وطني البريدك بالهنا والسعاده أبارك ليك عيدك صداح الخميله معاي أهتف نشيدا الحانو الجميله تزيد في الكون قصيده ويحمد للإذاعة السودانية انها حفظت كل الغناء السوداني وبها كنوز من الغناء على مر الأجيال.. ومن الدرر الموجودة بمكتبة الاذاعة أنا يا طير بشوفك من ألحان وغناء ابراهيم الكاشف وكلمات الشاعر الذي شكل جزءا كبيرا من الغناء السوداني عبيد عبد الرحمن:- أنا يا طير بشوفك محل ما تطير بشوفك فرحان وبتغني.. وحبيبك معاك وحبيبي غاب عني ويتمنى الشاعر أن يكون حراً وطليقاً كالطير مع الحبيب يا ريت كنت زيك لو يجدي التمني حبيبي يكون معايا وفي الاشجار نقيل وبالأغصان نميل وفي خفة جناحك وحرية صراحك في الأفنان نغني. والغناء السوداني لوحة متعددة الألوان ومختلفة الزوايا، ولكنها مدهشة من زمن ود الرضي والعطر والابداع إلى زمن ترباس وتناغم الألحان والبحث عن الجمال لدى الشاعر عوض جبريل والتمنيات:- ويا ظلام الليل العلي ما تزيدو طال بعاد أفراحي والألم طال بيهو يا حليلو حنانا وريدنا بنلوليه والغناء السوداني أجيال وأجيال، رواد مغنون وملحنون وشعراء وتاريخ ناصع بالعطاء والتجرد مضمخ بالفن والروعة والابداع ومسيرة حافلة بالاشراق والتألق من الغناء الرصين رغم سقوط بعض مدعي الغناء هذه الأيام في بحر الغناء الساقط.