المشهد السوداني لا يمكن ضبط إيقاعه أو استراق السمع لسماع صوت الهرموني السياسي والثقافي لأن النوتة الموسيقية والعازفون على أوتار تلك الآلات لا ينسجمون ويعطوننا موسيقى تذهب عنا كآبة المنظر وسوء منقلب السياسة وأحقادها ..! ولأن ذلك المشهد أصبح مرتعاً تصول فيه خيول الشر المعقود بنواصيها الخير افتراضاً وسجية.. وتمنعت إلا أن تصهل معلنةً حرباً جديدةً.. في ركنٍ جديد تختلط أصوات الحق والفضيلة للوطن مع أصوات الباطل والرذيلة في اغتصاب الوطن ودك عروة النسيج الاجتماعي تمهيداً لخلق أوطان تدار من(مضارب) القبائل التي خرجت علينا من (الفيدرالية) الكسيحة ، هذا على مستوى الحكم المحلي (تقليل الظل الإداري ، وتكبير القبائل في لامركزية الحكم) التي تحتاج الي مركزية قابضة تعيد لنا الوطن الجميل وتخرج من أحشائها مضادات للقبلية والجهوية وإيقاف عملية هرولة الساسة نحو القبائل والجهات ودعوتهم للذهاب الي أحزابهم . هنالك واقع سياسي أسست له حالات الإحتقان السياسي في السودان، فبدأت تطل علينا لغة القبائل للتنشئة السياسية وتشكيل اللا وعي في النشء وأنصاف القادة الذين صعدوا على أكتاف قبائلهم فأسسوا الأحزاب الجهوية والحركات التي تنطلق بدواعي ودوافع الإثنية المسيسة ، هذه الكيانات أصبحت جزءً أصيلاً في المعادلة السياسية وعمليات التسوية والسلام وانتقلت أمراض الإثنية ونهج القبائل الي الأحزاب الكبيرة فمنها ما هو بائن وكاتم ،و القبائل تتحرك داخل مؤسسات الأحزاب الكبيرة وتشكل مساحة كبيرة في نشاط الحزب . وتأثير القبيلة واضح في الساحة السياسية السودانية خاصة في حالة الإحتراب التي تشهدها دارفور وجنوب كردفان ، حيث نجد أن توصيف الأزمة لا يمر إلا عبر قبائل المنطقة، وعادة ما يحمل هذا التوصيف دلالات سلبية تعقد الأزمة هذا المشهد (القبلي) هنالك عوامل كثيرة تحكمت فيه منها :- 1. دول الاستهداف الداعية لإعادة المنطقة العربية والشرق الأوسط ترى أن السودان أضعف حلقات الأمن القومي هي القبائل(التكوين المجتمعي) وتم إجراء تجربة علي تلك الفرضية في جنوب السودان 1955م الي 2010م،وكذلك يتم إعادة السيناريو في دارفور وجنوب كردفان، والإستفادة من المكونات المجتمعية الموجودة وإثارتها ضد الدولة من جهة ، وعلي صعيد متصل بفتنة الإثنيات الموجودة في المنطقة مع بعضها البعض . 2. البناء المختل داخل الأحزاب السياسية السودانية والتي قام بناءها علي العشائرية والإتجاه نحو أقاليم معينة واحتكار الولاء بها، وحينما برزت الأحزاب العقائدية حاولت تجاوز نقطة الجهوية عبر برامجها ،ونجحت ولكن سرعان ما انقلبت إلي وسارت في ركب الجهويات والهوامش وإشكالات الهوية مابين العروبة الأفريقانية واتسعت دائرة الإستقطاب الجهوي في صراع الأحزاب العقائدية مابين الإسلامية واليسارية (أزمة الحاضر). 3 . تجربة الحكم اللامركزي جزء من أزمات الإثنية المسيسة، رغم أن اتساع رقعة الجغرافيا في السودان والتي تحتاج الي اللامركزية ولكن التنفيذ لهذه التجربة جعلها بيئة لتوالد الكيانات الجهوية والتكتلات القبلية (وهي معركة مكشوفة) تحتاج الي إعادة صياغة . 4. الإعلام الالكتروني وهو عامل جديد استفادت منه القوى السياسية الحاكمة والمعارضة خاصة بعد دخول مواقع التواصل الاجتماعي الي دائرة الإعلام الجديد ، وفي ظل الاحتقان السياسي بين الحكومة والمعارضة لجأت قوى المعارضة ونخبها بالتحرك في مساحات وفراغات الإعلام الالكتروني كبديل لوسائل الإعلام الداخلية التي تتحكم فيها المسؤولية الاجتماعية والرقابة وغيرها من أشكال ونظريات الإعلام ، هذه المواقع التي تديرها مجموعات لها خلافات مع النظام الحاكم، أصبحت تتناول قضايا الجهوية والقبلية بصورة فاضحة، وأسست للخطاب الجهوي والعرقي، مستفيدة من مشكلة جنوب السودان والأزمة في دارفور وجنوب كردفان وتصويرها في ذهنية المتلقي على أنها حرب إستهداف لقبائل معينة ، فمثلاً تصور تلك المواقع الصراع بين الحكومة والحركات المسلحة في دارفور على أنه صراع بين الحكومة وقبيلة الفور أو الزغاوة ، والحكومة وقطاع الشمال في جنوب كردفان على أنه ضد النوبة ، هذه الإنتهازية التي يمارسها الإعلام الإسفيري الذي تغيب على القائمين على أمره المسؤولية الاجتماعية ، ويعتقدون أن النظام ينهار من أسفيرهم وعالمهم الإلكتروني، ولم يدروا أنهم يؤسسون لوطن ربما تكون القبيلة مهدداً لبقاء الدولة السودانية. حافر وصهيل ما يقوم به الإعلام الاسفيري من تجاوز المسؤولية نحو المحافظة على النسيج الاجتماعي ، هو واحد أسباب الاحتقان السياسي في وجهه الاثني ، وهو كسب رخيص للقوى والأشخاص الذين يديرون معركتهم مع النظام التي تصور تلك المعركة بأنها معركة عرقية تستهدف القبائل ، وما يجري من حرب إسفيرية لا تقل خطورة عن ما يجري في الحرب مع الجبهة الثورية لأن الحرب التقليدية ولغة (البندق) معلومة الهدف محدودة التأثير ربما التوصل الي حل ينزع فتيل الأزمة ، ولكن الحرب الإسفيري الذي تمارسه المواقع الالكترونية ومن يقف خلفها والذين يعارضون النظام الحاكم ، ويديرون معركتهم الاسفيرية بلغة(الإثنية) فهي حرب شعواء لا تبقي ولا تذر ولا تسقط النظام ولكنها تحرق الوطن.