الآن مضى شهر الخير والبركة، شهر رمضان الكريم، وعشنا بعده أيام الفرحة والتسامح والتزيّن بأفضل ما لدينا من ملبس لنا ولأطفالنا، والتوسعة في الرزق، وتقديم أفضل الطعام، والجود على الأقربين والمساكين حتى ولو بأقل القليل.. نعم مضت أيام رمضان المباركة، ومن بعدها أيام العيد التي لكل مسلم منا فيه فرحتان، ولكن هل يمكن أن نجعل من أيامنا كلها أيام بركة وجود وعبادة وتسامح...؟.. يصعب ذلك.. فقد انطلقت شياطين الإنس والجن من عقالها، وأصبح الناس يتدافعون من جديد نحو المصالح ويخاصمون ويحاربون من أجل الذات.. لذلك يصبح من الصعب أن نعيش أيام التجليات والعبادة والتعبد والتهجد، مثلما كنا نعيشها طوال الشهر المبارك، لكن هذا لا يمنع أن نسعى لأن نجعل من سلوكنا الرمضاني سلوكاً عاماً، وأن نسعى لأن يكون مسعانا هو ذات المسعى وطريقنا ذات الطريق بعد انقضاء أيام رمضان المبارك. اليوم وغداً وبعد غدٍ تعود الحياة والضجيج إلى الأسواق، ويعود التسابق في الطرقات، ويعود البعض للسباب وتبادل الشتائم مع الآخرين، من أعلى المستويات إلى أدناها، وننسى أنه بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان.. ليتنا استطعنا أن نجاهد أنفسنا في كل حالنا حتى ينصلح أمرنا كله.. وتبقى هذه الأمنية العزيزة رهينة برسالة قوية تبشر بها وتعمل من أجلها قياداتنا الدعوية والفكرية والسياسية والإعلامية، لأن إصلاح حال العامة لا يتأتى إلا بإصلاح حال الخواص وأولي الأمر منا. ليت قيادات الدولة عندنا أبدت اهتماماً أكبر بقضايا المواطن، وبأمور معاشة وخدماته، وأن تعمل على إرساء قواعد العدل ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، فليس من حارس للحكم إلا العدل، وليس من منقلب عليه ومغيَّره إلا الظلم.. اللهم أهدنا، وأهد قادتنا وأولي الأمر فينا، واحفظنا واحفظ بلادنا من كل عدو وشر وبلاء ومرض.. ونسألك يا دائم الفضل على البرية أن تتقبل صيامنا وقيامنا، وأن تحسن لنا الختام، وأن تجعلنا من الآمنين الفائزين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون في يوم الفزع الأكبر، وأن تجعلنا من الذين أنعمت عليهم ولا الضالين.. نسألك وأنت العلي القدير الذي لا إله غيرك، ولا معبود سواك، أن تجيب دعاءنا وأن تتقبل منا في أفضل أيامك، وأن تصلي وتسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. يارحمن يارحيم.. آمين.