الأستاذ صلاح عووضة صاحب (بالمنطق)، نبض حيوي في الصحف السودانية، الدليل على ما نقول أن أصحاب الجرايد يتلقفونه رغم أنه من فئة (المغضوب عليهم) من قبل المسؤولين الحكوميين وقد حكى مرارًا كيف أنه ظل مطاردًا من قبل جماعة (مروح)!! أما مصدر الحيوية في (خربشاته) الصحفية، هو أنه يقود تياراً احتجاجياً لا يستقيم العمل الصحفي في سودان اليوم إلا به. في غياب معارضة فاعلة لابد من صحافة تملأ الفراغ. ويجب أن لا ينسى أن (الحياد) ليس في كل الأحوال حضارة؛ لهذا اصبح هناك إمكانية القول حياد سلبي وآخر إيجابي .. أما اللغة المراوغة التي يطالب بها إدارة الجرايد لم تعد تجدي مع (الانقاذيين) لأنهم وصلوا درجة عدم الإكتراث لأي شيء ؛فقد استطاعوا أن يقتلوا كل ردود الفعل الممكنة من قبل الرأي العام! من هذا الباب دخل علينا عووضة وأدمنا كتاباته. ولكن في تجربتي الذائبة لم أشعر أن بيني وبينه (أبحر وجبال) إلا عندما نقل ناره للرئيس المصري (محمد مرسي). معتبرًا إياه متسلطاً ويحجم دور الصحفيين غير (الأخوانيين). لا ياصاحبي.. هذا فراق بيني وبينك، (محمد مرسي) الآن (إمام لا يجوز الخروج عليه)، ولكن مهلاً.. ليس لأنه أخذ البيعة من علماء السلطان! ولم يتم تسويقه بفتاوى مأجورة، ولم يأت محروساً بحراس السلطة وتجار الدولار. لا يجوز الخروج عليه لأنه ببساطة إفراز تجربة ديمقراطية نظيفة ولا يهم بالطبع إن كانت(سنة أولى ديمقراطية) أم لا.. الأهم أنها نتيجة ملزمة للعلماني واليساري الملحد والمتدين قبل اللبرالي المحافظ! وعلى ذلك نكرر القول أن هناك فارقاً نوعياً بين التجربة (الانقاذية) في السودان والأخوان المسلمون في مصر. (السودانية) غرقت في الاستبداد لأنها دخلت على السلطة بالشباك..أما المصرية بحكم نضجها الحضاري دخلت من الباب بعد إمتحان عسير في المعارضة عانت من ويلاته لأكثر من ثمانين سنة.. الفقه السياسي هناك تنضج الآن على نار تجربة ديمقراطية مريرة. لا يستقيم أمر التجارب السياسية إلا بها.. ومعلوم أن الفكرة لا تنضج إلا وهي تغامر في معالجة الرأي الآخر؟ هذه النقلة النوعية المرة ملقاة علي عاتق (مرسي). وعلى هذا أقول لك ياصاحبي أن مرسي أتعس رئيس حكم مصر منذ إنهيار عرش فرعون موسي ؛ لأنه لا يملك حق (الكرباج). ظلت مصر محكومة بالأجانب منذ إنهيار عرش فرعون، بل حكمها (أرقاء) وقد ذكر أحد المؤرخين أن العبيد لا يدخلون مصر إلا ليحكموها !!وعلي هذا يمكن القول أن الفلاح المصري لم يتذوق طعم(الحرية) قط.. هذا التاريخ الطويل للأستبداد السياسي خلق (نفسية الكرباج). وهذا الكرباج مذكوراً في اتفاقية الصحابي الجليل عمرو بن العاص عندما دخل مصر.. وندد بها المؤرخ المصري السيوطي. هذه النفسية هي التي يترجمها نسبة كبيرة من المثقفين المصريين الذين يرفضون الآن نتائج الإنتخابات في مصر.. وهذه النفسية هي التي عمقت ظاهرة (يخاف ومايختشيش) وهي التي تدفع البلاطجة في شوارع مصر. هؤلاء الصحفيون الذين يسميهم (عووضة) ب(غير الاخوانيين). أغلبهم من حملة هذه النفسية. وهم قادة العمل الإعلامي في أواخر عهد مبارك.. وهم فئتان: فئة المطبلاتية أو فئة الشياطين الخرس. وهم من سكتوا عن الحق أيام الكرباج ولا يجب أن ينسى الكاتب أن(الأخوان) كانوا مطاردين وفي السجون آنذاك. وهؤلاء هم من كالوا السباب علي(السودان) لمجرد أن مرسي زاره، وياليتهم هاجموا(النظام) في السودان بل سخروا من السودان كدولة وكهوية، ولم يتركوا حتي الصادق المهدي الذي ذهب ليصا لحهم!! كذبوا في قضية حلايب وقالوا أن مرسي ذهب ليتنازل، والحقيقة- السودان هو الذي تنازل. أقول لك ياصاحبي: هؤلاء هم بقايا(نواطير مصر) الذين وصفهم الشاعر العربي المتنبي(نامت نواطير مصر عن ثعالبها)... هؤلاء الصحفيون الذين يبكي عليهم(عووضة) هم من يروجون ثقافة البلطجة في مصر(مصر المؤمنة) ونعتذر للشيخ البرعي كان في أنفسنا شيءَ عندما غنى لمصر المؤمنة ولكن اثبتت الأحداث أن مصر كانت مؤمنة بالفعل!ودليلنا علي ذلك حدثين: تدخل الجيش وهذا الرئيس الصبور. هؤلاء هم من يروجون لثقافة البلطجية في مصر حتي دمروا الاقتصاد الذي تركه مبارك كسيحاً.. يساعدون في ذلك الغرب الأوربي الذي أطلق يد البنك الدولي علي مرسي وظل يتفرج . حتى تلك الأيادي التي تحمل اللقمة لمصر كدولة قطر لم تسلم من ألسنتهم التي أنطلقت عند ما ذهب الخوف. ومن المؤسف أنهم كادوا أن ينجحوا ،فسياسات مرسي بدأت تهتز، وظهرت عليها أخطاء تحت ضغط الحاجة.. اضطر لبيع موقفه من الثورة السورية إلي الروس والإيرانيين، من أجل مليارات وعدوا بها مصر باعلان مذل!! هذه الإحتجاجات في الشارع المصري في أغلب صورها غير بريئة. للتقويض أو ترجمة لهستريا الحرية. جرعة الحرية أكبر مما يحتملون. ولا يهم أن بيض هؤلاء الصحفيون صفحاتهم أم سودوها .. الأهم أنهم يرقصون رقصة اليتيم المعجب بالعلكة بعد طول جوع. هكذا يجب أن نفهم قضيتهم وهكذا يجب أن نجد لهم عذرًا ولكن لا عبرة فيما يكتبون ومستحيلاً تسويق هؤلاء في وعي القاريء السوداني. كان يجب تنظيف الجرح قبل وضع الدواء وتنظيف الساحة من هذه الأصوات ولكن الإشكالية الكبري أن الثورة المصرية ولدت ناقصة علي شكل إنتفاضة عارمة ولهذا تدخل الجيش، وهذا هو الفارق الحضاري بين مصر وكل دول الربيع العربي، ولكن الجانب السلبي لتدخل الجيش كان في غياب ضرورة التطهير. هؤلاء ليست أقلامهم محجمة كما يقول عووضة بل مقاساتها لا تصلح لأجواء الحرية وهو سبب الصراخ. ومن السخرية بمكان أن رئيس يرشق البلطجية داره وقصره أنه(يحجم أقلام الصحفين) . لكي نكون منطقيين يجب أن ندرس الظاهرة(الأخوانية) في مصر. لأن الإسلام السياسي الذي يجثم على صدر السودان هو إمتداداً طبيعياً لهذه المدرسة. بدأ الأخوان عام 1927م علي شكل(سلفية) هادئة ثم في الخمسينيات عندما إشتد الصراع إكتسبت جرعة صاخبة. وعندما ضيق عليهم(عبد الناصر) الخناق، إستحالت المدرسة علي يد (سيد قطب) في بداية الستينيات إلى سلفية مصادمة). أنتجت في الساحات البعيدة ما تسمى الآن بالقاعدة. الآن مع أول تجربة ديمقراطية نظيفة في تاريخ مصر بدأت هذه المدرسة نقلة نوعية للعصرنة شبيهة بالنموذج التركي. شخصية مرسي الصبورة هو حجر الزاوية في هذه النقلة! هكذا سيكتب التاريخ وأنا هنا أحلل الظاهرة ولا أتبني كل أطروحات هذه المدرسة. مرسي ياصاحبي صورة جديدة بعثرتها العولمة من بين الركام التاريخي .ويجب أن لا ننسى أن النضج الفقهي الذي سيتمخض عن هذه التجربة الديمقراطية المصرية, هو الذي سيضعف أسلحة الأرهاب الفكري التي أستند عليها(الأنقاذيون) في السودان. وكل هذا الخراب الذي أحدثوه سببه هذه الثقافة الإسلامية الضعيفة، والأستاذ (عووضة) شاء أم أبى محكومٌ بهؤلاء في السودان. سيكتب لهذا الرئيس(التعيس) أنه رائد التاريخ السياسي الجديد في مصر، وعلي أكتافه سيتعلم المصريون كيف يمارسون الحرية. وبصبر يهد الجبال يجلس الآن والمصريون يلفحونه ب(الهواء الساخن) الذي ظل مكبوتاً لمئات السنين. يا عووضة - حفظك الله - دع هذه الزهرة تتفتح لنستفيد منها في السودان!!