بهيسة بنت أويس من فتيات العصر الجاهلي ذات جمال وعقل وهي من أسرة ذات حسب لا علو شرف.. تقدم لخطبتها الكثيرون من فرسان العرب ولكنها أبت رغم مكانتهم وعلو شأنهم، فلما تقدم لها الحارث بن عوف وهو فارس، كذلك أستشارها أبوها فوافقت ولكن بشرط منها وهو على أن يتم الزواج بتوحيد الدعوة وعلى أن تكون في دار أبيها بمعنى أن يدعو هو القبائل والأهل مع ضيوف أبيها فوافق الحارث، رغم التقاليد والعادات السائدة إلى يومنا هذا، لرغبته فيها وظفره بها ورجاحة عقلها.. وجاء اليوم المحدد فخرت الجذور وأعدت الموائد وجاء الناس من كل حدب وصوب ليشهدوا هذا العرس العظيم بحضوره، والغريب في دعوته، والكريم بأصل أهله، ولما أكرم الجميع خرجت بهيسة من مخبئها ووقفت أمام الجموع ليندهش الجميع لخروجها، ووقفتها ثم نادت بأعلى صوتها ياحارث.. يا حارث.. فجاء الحارث ملبياً لندائها.. فقالت والجميع يستمع (والله لقد ذكر لي عن شرفك ما لا أراه فيك.. قال وهو معجب لقولها.. مستغربٌ لجرأتها أمام الجموع الهائلة وكيف؟! قالت أمثالك يفرغ للنساء والعرب بعضهم بعضاً؟! وهي تقصد بذلك حرب داحس والغبراء التي طال أمدها بين قبيلتي عبس وذبيان.. قال وماذا أفعل؟ قالت: أخرج!! هؤلاء القوم وأصلح ما بينهم وستجد من يعينك، ثم أرجع فلن يفوتك ما تريد أي تجدني زوجة لك.. فقال لها: إني أرى لك همة وعقلاً ثم مشى وأصطحب معه هرم بن سنان ومشوا بين القوم بالصُّلح فاصطلحوا على أن يحتسبوا القتلى فيؤخذ الفضل ممن هو عليه، فحمل عنهم الدِّيات فكانت ثلاثة آلاف بعير في ثلاث سنوات، ثم رجع الحارث زوجاً لهذه الفتاة العظيمة، حتى قال فيهم الشاعر زهير بن أبي سلمى في معلقته المشهورة: يميناً لنعم السيدان وجدتما على كل حال من سحيل ومبرم تدراكتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم وهكذا تداركت بهيسه بنت أوس الجاهلية بحسها الوطني وحبها لأمتها حرباً حصدت الأرواح وكادت أن تقضي على الأخضر واليابس.. فهل من بهيسة سودانية؟ وهل من حارث سوداني كذلك في زماننا هذا ؟ لتخرج عليه من كرسي الشبكة وتتركه جالساً مستغرباً لخروجها حتى تقف أمام جمهرة الحضور وتناديه بأعلى صوتها أو عبر المائك.. ياحارث.. يا حارث.. فيجئ إليها ملبياً لندائها فتقول له والجميع يستمع لقد ذُكِّر لي عن شرفك ما لا أراه فيك ومن المال مالاً بعد عندك لهذه المناسبة والحالة الاقتصادية التي تعيشها البلاد لا تخفى على أحد والفقراء والمساكين والمعدمين والأرامل بلا عدد والمرضى يتلوون ألماً وقلب عبد الله ينفطر حزناً وأعينه تقطر دماً ،وصوته يتقطع عبرة بقناة قوون ودور العلم في مدارس وخلاوي تتصدع وأنت تستبعد للإسراف والبذخ والبذار وتعدد ملابس الشنطة وإقامة الحفلات بالصالات الفخمة وإيجار الفنانين وتلوين الزينات وحجز الفنادق الراقية وإعداد الأطعمة المتنوعة فيرد الحارث.. ماذا أفعل؟ فتقول بهيسة زماننا.. أذهب وأعطي أهلي قليل مال فأنا بعلمي سأقنعهم بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (بارك الله في قليل المهر) ثم أشترى من الملابس ما يسترني فإنه يكفيني وفنان الحي يطرب لما يعش من حولنا واقتصد في أطعامك لضيفك وبمعرفة هدفك بحمدك، ويمدح فعلك، ثم أصرف ما عندك على تعمير مسجد أو صيانة مدرسة أو مؤونة أسرة فقيرة بإدخال السرور على أرملة لها صبية صغار ودموع غزار بلغ بها العوذ مبلغ اليأس واليأس حتى أثرت الغناء على البقاء، أو باتصال هاتفي تفرح به قلب الإنسان عبد الله ومن يجاوره ببنك الثواب وهو يقاسي الفقر ويعاني المرض فيحن عليه من يحن من أصحاب القلوب الرحيمة ولا يعبأ من لا يعبأ برؤية مريض أو فقير فتجد ما وجده عبد الله بن المبارك بمال حجه ثم أرجع فلن يفوتك ما تريد ولا يزيدك فعلك إلا عزاً وفخراً وقرباً من الله فيقول الحارث : إني أرى لك همة وعقلاً ولذلك أخترتك من دون بنات السودان كله.. حتى أقول أنا في معلقتي بمسجدنا: يمينا لنعم الفتاة بهيسة فعلت ما لا عليه يندم أفادت بلاداً أسرف أهلها صرفاً فيما لا ينفع ولا يقدم ذاع صيتها باقتصاد عرسها من أجل مريض يتلوى ويتألم ولنعم الحارث مطيعاً لرأي رأي فيه للرفعة سلم ففاز وفازت بهيسة ألا ليت البقية تفهم