1-أتدرون ما هو البوْ «بسكون الواو»؟ يجيبكم الأصمعي، فقد سأل أعرابياً «بفتح الهمزة» أتقول الشعر؟ فقال الأعرابي أنا ابن أمه وأبيه.. فغضب الأصمعي غضباً شديداً وأراد إحراج الأعرابي، فلم يجد قافية أصعب من الواو الساكنة المفتوح ما قبلها مثل «لوْ».. فقال: قوم عهدناهم.. سقاهم الله من النوْ أكمل! فقال الأعرابي: النوْ تلألأ في دجى ليلة.. حالكة مظلمة لوْ قال الأصمعي: لو ماذا؟ قال الأعرابي لو سار فيها فارس لانثنى.. على به الأرض منطوْ قال الأصمعي: منطوْ ماذا؟ قال الأعرابي: منطو الكشح هضيم الحشا.. كالباز ينفض من الجوْ قال الأصمعي: الجوْ ماذا؟ قال الأعرابي: جو الشمس والريح تعلو به.. فاشتم ريح الأرض فاعلوْ قال الأصمعي: اعلوْ ماذا؟ قال الأعرابي: فاعلو لما عيل من صبره.. فصار نحو القوم ينعوْ قال الأصمعي: ينعوْ ماذا؟ قال الأعرابي: ينعو رجالاً للقنا شرعت.. كفيت بما لاقوا ويلقوْ قال الأصمعي: يلقوا ماذا؟ قال الأعرابي: إن كنت لا تفهم ما قلته.. فأنت عندي رجل بوْ قال الأصمعي: بوْ ماذا؟ قال الأعرابي البو سلخ قد حشي جلده.. بأظلف قرنين تقم أوْ قال الأصمعي: أوْ ماذا؟ قال الأعرابي أو أضرب الرأس بصيوانه.. تقول في ضربتها قوْ قال الأصمعي: فخشيت أن أقول قوْ ماذا؟ فيأخذ عصا ويضربني. قلت انظروا إلى قوله: إن كنت لا تفهم ما قلته فأنت رجل بوْ. وهو عين ما تقصده عندما تقول لأحد إنه بوْ.. أي أنه إهاب منفوخ الحشو بما لا فائدة فيه، وأصل البو جلد ولد الناقة يُحشى بالتبن ويوضع أمام أمه لترأفه وتدر عليه اللبن، هذا في غياب ما ولدت إما بالموت أو بالذبح.. قالت الخنساء ترثي أخاها صخراً وتصف حالها بعد موته: فما عجول على بوْ تطيف به لها حنيتان إصغار وإكبار يوما بأجزع مني حين فارقني صخر والدهر إقبال وإدبار في أبيات اختصرناها.. 2-الأصمعي متعلماً مرة أخرى قال الأصمعي: كنت أقرأ.. «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم» وكان بجانبي أعرابي «بفتح ا لهمزة» فقال: كلام من هذا؟ قلت: كلام الله فقال: أعد فأعدت فقال: ليس هذا كلام الله قال: فانتبهت فقرأت «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم» فقال الأعرابي: أصبت.. فقلت: أتقرأ القرآن؟ قال: لا! قلت: فمن أين علمت؟ قال: يا هذا عزّ فحكم فقطع ولو غفر ورحم لما قطع!! نهدي هذه الطرفة إلى الذين يلحنون حتى في الإعراب فيما يجر وما ينصب وما يرفع، ونهديها إلى علمانيي هذا الزمان وهذه الأمة ونقول لهم الناس أعداء لما جهلوا. 3-عبد الملك يتعلم بالتي هي أسوأ: دخل رجل على عبد الملك بن مروان وبجواره الأصمعي، فقال الرجل لعبد الملك مشتكياً: إن ختني ظلمني.. الختن بفتح الخاء والفاء هو قريب الرجل من جهة زوجته.. قال عبد الملك: ومن ختنك؟ أي يسأله عن الرجل الذي ظلمه ويلحن عبد الملك فينصب ختن وهي مرفوعة وكان عليه أن يقول من ختنُك؟ فلم يفهم الرجل وصرف السؤال إلى الختان فعجب، ولكن أجاب: ختنني الختان الذي يختن الناس! فلم يفهم عبد الملك والتفت إلى الأصمعي، فقال: ويلك بم أجابني؟ قال الأصمعي يا أمير المؤمنين لقد لحنت وهذا الرجل لا يعرف اللحن كان عليك أن تقول: من ختنُك؟ فلما قلت من ختنك ظنك إنما تسأل عن: من الذي ختنه؟ قال عبد الملك: لله عليّ ألا ألقى أحداً من الرعية حتى أحسن العربية.. فاعتزل الناس أياماً ثم جلس لهم فكان يثيب ويعاقب على العربية.. جاءه وفد من قريش وكان يسأل أحدهم ممن أنت؟ فيقول أنا من بني فلان.. من بني فلان.. فسأل أحدهم: ممن أنت؟ فقال الرجل: من بنو عبد الدار.. وكان عليه أن يقول من بني عبد الدار.. فقال له عبد الملك تجدها في عطائك فكان يفرض لكل رجل مائتين ففرض له مائة. هذا الباب يُسمى لحن الأشراف وهم الساسة والقادة والعلماء والخطباء والشعراء والأدباء وليس على وجه الأرض أقبح من لحن هؤلاء.. كما أنه ليس هناك أملح ولا أحلى من لحن الجواري والإماء والجميلات.. وقد نتعرض له يوماً.