اللحن هو الميل والانحراف عما هو معتاد واللحن لا يكون إلا في الكلام، فاللحن هو الميل والانحراف عما تعوده الناس من الكلام والحديث. واللحن عادة لا يكون مقصوداً ولا مراداً بل يكون خطأً إما سهواً وإما جهلاً.. وقد يكون في قواعد النحو أو في قواعد الصرف والاشتقاق وقد يكون في استخدام المفردات في غير ما وُضعت له. أو في استخدام التراكيب والعبارات. واللحن قد يكون مقصوداً كقوله صلى الله عليه سلم لأحد أصحابه وقد أرسله ليستجلي له خبر العدو وأمره إذا جاء بالخبر ألا يصرح بقوة العدو أمام أصحابه بل قال له: الحن إلى لحنا أي رمل بالكلام عن مألوفه وأنا سوف أفهم عنك. وقد يكون اللحن ميلاً في أداء الكلام عن الصورة المألوفة كما في الغناء مثلاً والأناشيد ويسمى ذلك لحنًا ويُجمع على ألحان ولحون. ويُستعذب اللحن عند الجواري والإماء والحسان والمعشوقات. قال الشاعر منطق صائب وتلحن أحياناً.. وخير الحديث ما كان لحنا ويُستقبح اللحن عند العلماء والحكام والدعاة والخطباء والمؤذنين والأئمة والقراء. وكان عبدالملك بن مروان وهو أمير المؤمنين يلحن أحياناً في الكلام.. دخل عليه رجل يشكو إليه أحدًا من أصهاره من جهة النساء فقال لعبد الملك: إن ختني ظلمني. والختن هو الصهر من جهة النساء يضبط هكذا بفتح الخاء والتاء. فسأله عبدالملك : ومن ختنَك؟ بفتح النون فظن الرجل أنه يسأله عن الختان!! فقال ختنني الختان الذي يختن الناس.. فالتفت عبدالملك إلى بعض من في مجلسه وقال له: ويلك بماذا أجابني؟ قال الرجل: يا أمير المؤمنين لقد لحنت وهو لا يعرف اللحن فظنك تسأل عن خاتنه وكان عليك أن تقول له ومن هو ختنُك بضم النون. فقال عبدالملك: لله عليّ ألا أجلس في مجلس حتى أفهم النحو والصرف. ففعل فكان بعد ذلك يكافئ ويثيب على البلاغة ويعاقب على اللحن.. جاءه رجل فسأله عبدالملك: ممن أنت؟ قال الرجل: من بنو عبد الدار. فقال له عبد الملك تجدها في عطائك. وكان يعطي مائتين فأعطاه مائة. ومما يُستقبح اللحن في الدعاء حتى قالوا إن اللحن يمنع من إجابة الدعاء. قال رجل يهجو ابنه: ويدعو ربه باللحن ليت.. فذاك إذًا دعاء لا يُجاب. ومن أقبح أنواع اللحن اللحن في العبادات وأهمها قراءة القرآن إلا للمتعلمين للحديث الذي جعل للذي يقرأ القرآن وهو ماهر به أجراً وللذي يقرأه ويتعتع به وهو عليه شديد أجرين. وأقبح من كل ذلك اللحن في قراءة القرآن في الصلاة وأشد أن تلحن في قراءة أم الكتاب الفاتحة وذلك لأنها لا تصح الصلاة إلا بها لذلك فقد يسرها الله سبحانه غاية التيسير وهو القائل جل وعلا «ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدكر». ومن أبلغ درجات التيسير أن الفاتحة جاءت خلوًا من أحكام التجويد لتسهل على العالم والجاهل والقارئ والأمي.. أوليس من العجيب ومن المدهش أنه لم ترد في الفاتحة إلا نون ساكنة واحدة في قوله تعالى «صراط الذين أنعمت عليهم» وجاءت بعدها العين وهي من حروف الإظهار التي لا تقبل الإدغام ولا الإخفاء ولا الغنة فليس وارداً أن يخطئ فيها من يقرأها في حكم من أحكام التجويد فلم يبلق له إلا الحفظ. ومما يجدر أن الخطأ في قراءة الفاتحة في الصلاة في المساجد الجامعة أو مساجد الأحياء قليل جداً ونادر الحدوث. إلا أن الخطأ فيما عدا الفاتحة في القراءة في الصلاة أصبح كثيراً وملاحظاً ومزعجاً.. وكثير ممن يتولون النيابة عن الإمام في غيابه هم من أنصاف الأميين ومن غير الحفظة ومن غير المجودين.. ويكثر خطأهم في النحو وفي مخارج الحروف وفي نطق بعض الكلمات نطقاً صحيحاً. إلا أن الخطأ في النحو كرفع المجرور ونصب المرفوع وجر المنصوب أصبح من الأمور المعتادة في الصلاة في معظم المساجد في العاصمة والولايات في المساجد الجامعة وفي مساجد الأحياء إلا المساجد القليلة التي يتولى الإمامة فيها شباب حفظة مشهود لهم بالحفظ والاتقان. وأما خطأ المؤذنين.. فحدث عنه ولا حرج.. ومن أشهر أخطاء المؤذنين قولهم «أشهد ان محمداً «بفتح الميم الأولى» رسول الله «بفتح اللام في رسول» والصحيح أن يقول محمداً بضم الميم الأولى. ورسول بضم اللام لأنها خبر إن. وخبرها مرفوع دائماً.. أوما فتح اللام فيجعل الكلام غير تام ويخدش ذلك سمع القارئ المجوَّد والعالم والداعية، ويُفسد على الأمي والمتعلم تعليمه وتدريبه. وهذا اللحن يكون في الأذان وفي الإقامة على حد سواء ولكن هناك لحن لا يكون إلا في الأذان وهو قوله «الصلاة خير من النُّوم» بضم النون المشددة والصحيح فتحها حتى يظهر السكون على الواو النَّوْم، وهذه من المواضع التي لا يجوز ولا يُقبل فيها إلا الإعراب.. ولكن يمكنك ترك الإعراب في كلامك العادي مع الناس فتقول النوم بتشديد النون المضمومة.. ومن الأخطاء الشائعة عند عامة الناس حتى المثقفين والمتعلمين بل وبعض الخاصة من أهل العلم استخدامهم كلمة زخم في غير موضعها.. فيقولون إن زيارة المسؤول للمنطقة كان لها زخم.. أو أن المهرجان أو الموتمر كان له زخم شديد.. يريدون كان له تأثير وحراك وحيوية وهو استخدام خاطئ وممعن في الخطأ.. ولكنه شائع شيوعاً لا أحسب أنه من الميسور مواجهته وإبطاله.. والزَّخم في اللغة يعني الرائحة المنتنة. قال في قاموس المعاني عربي عربي زَخِم بفتح الزاي وكسر الخاء المعجمة الفوقية زخم اللحم ونحوه خبثت رائحته وانتن فهو زخم وهي زخمة. وأورد في بعض المعاجم المعاصرة أن زخم معناه القوة وقال أعطاه زخماً أعطاهُ قوة أو زاده قوة فهي بمعنى القوة والشدة والحيوية والنشاط وهذا هو الاستخدام الشائع على الألسن. وهناك نظرية تطور البلاغة تقول إن المعاني للمفردات لا تبقى على حال واحد أبد الآبدين بل يحدث فيها تحوير وتطور وانتقال ربما كان تدريجياً ومرحلياً فتكتسب المفردات معاني جديدة.. إلا أنني لا أرى كيف انتقلت مفردة زخم من الرائحة المنتنة إلى القوة والشدة والحيوية والمِرّة. ونختم فنقول إن الحفاظ على لغة أهل المساجد منوط بجهات كثيرة هذا إذا تجاوزنا من الآن مناهج اللغة في المدارس والجامعات فهو مسؤولية لجان المساجد ومسؤولية مجلس الدعوة ومسؤولية الوزارات المختصة ومسؤولية العلماء والمصلين أنفسهم.. يجب أن يكون هناك حس ووجدان يقظ يراقب هذه المسألة ويعالجها في وقتها ودون إبطاء.