أكثر من خمسة أيام وأنا أحاول الكتابة عن الشهيد «عبد اللطيف» ولا أقوى على فعل شيء!! ما أصعب الكتابة في مثل هذه الظروف وما أشقى المداد حين يأبى الاندلاق!! قال لي الأستاذ والكاتب الكبير فكري أبو القاسم لم أكن أعرف صلة القرابة بينكما. كنت أظنك قد ذهبت موفداً من الجريدة إلى شندي لتقديم واجب العزاء والمواساة.. قلت له هو ابن أختي وابن أخي في نفس الوقت!! لم يحدث أن ناداني باسمي مجرداً من كلمة «يا خال»!! في الليل البهيم كان البص يشق طريقه نحو شندي والحال ليس الحال!! إنه الحزن الذي يسربلنا.. وإنها الحرب اللعينة التي أبت أن تغادر ولو بعد حين!! هل يجب أن أقول شيئاً؟!.. لا أعرف ومع ذلك لن أقول شيئاً أكثر من الذي فعله زملاؤه برابطة الإعلاميين بمدينة شندي!! كان الأخ والزميل هاشم تندل وهو رئيس المكتب التنفيذي لرابطة الإعلاميين يبتاع «كراساً» من الدكان المجاور ويتنقل بين المعزين وأفراد الأسرة ويسألهم في هذا الاستطلاع - الذي ينشر في هذه الصفحة عن الشهيد عبد اللطيف- قالوا كلمتهم إخوانه وأعمامه وأجداده وجيرانه.. كلهم تحدثوا وكلهم نسجوا «إطاراً» واحداً لم يختلفوا فيه بشيء!!.. أجمعوا على أن هذا «الفتى» كان نسيجاً فريداً.. في طيبته وسماحته وحسن خلقه وبره لأهله وأرحامه!! أنا الآن وسط أهلي والناس من حولي يحتشدون.. الكلمات والأحاسيس والمشاعر والحزن النبيل. تتردد في أذني كلماته وهو ينادي يا خال فتخرج دافئة وصادقة وتعيدني إلى أيام خلت في «مويس» حيث البيت الكبير الذي كان يضمنا جميعاً قبل أن تذهب بنا الأيام مذاهب شتى ونتفرق في الأصقاع و«النواحي». عندما عدت من الغربة قبل سنوات وجدت عبد اللطيف شاباً في بداياته الأولى.. وموهبة تتفتح نحو كل «جميل» و«مبدع».. يهوى الكتابة والقراءة والصحافة والشعر والرياضة والعمل العام وحب الخير للناس!! بدأ عبد اللطيف تجربته الصحفية بعدد من الصحف الاجتماعية والرياضية ثم بدأ نجمه يصعد وكنا وقتها في صحيفة أخبار اليوم.. كان يشرف على صفحة الولايات الأخ والصديق الأستاذ عبود عبد الرحيم والذي وجد منه دعماً كبيراً.. ومن ثم واصل المشوار معنا في «آخر لحظة».. وفي كل هذه المحطات كانت الصحافة عنده «رسالة» ولم يسأل يوماً عن مال أو أجر.. بل كان كل جهده وعمله الدؤوب في أن يؤدي رسالته وأن يخدم وطنه الصغير مدينة شندي التي أحبها بكل سويداء فؤاده.. فأعطاها في مشواره القصير الكثير. في شندي وجدناه كتاباً مفتوحاً لدى كل هذه الفئات المختلفة من المجتمع والتي جاءت تتحدث بالدموع عن سيرة هذا الشاب الذي اكتشفنا أنه كان داعماً لاتحادات المكفوفين والمعاقين والعديد من المنظمات الطوعية والخيرية والذين تحدثوا لنا عن حكايات ومواقف كلها تؤكد أن الشهيد عبد اللطيف كان «بطلاً» بحق و«إنساناً» بكل ما تحمل الكلمة من معنى.