عند انتهاء عطلات العيد في الأرياف يردد العائدون لجحيم المدن: ما كنا في الريف نعاني ضيق معيشة لو ساد في المركز أهل البصائر الذين ينظرون بعيداً في التخطيط للتنمية، حتى لا تصبح المدن الكبرى مركز جذب للأرياف التي أضحت تمثل حالة أشبه بالفلكلوريات يعود إليها نصف سكان المدن في أعياد الفطر والأضحى فقط لتستريح النفوس المتعبة بعض الوقت.. منذ أن قذفت بنا الأقدار في أتون المدن ونحن في حالة بحث دائم ولهث مستمر من أجل أن نبقى أو من أجل أن نُبقي على آخرين على قيد الحياة. أخذ الريف يشغف القلب ويجعله يتوق إليه في الصيف والخريف والشتاء.. والريف الكردفاني في مثل هذه الأيام حالة خاصة، فالخريف آخذ في الرحيل بعد أسبوعين أو يزيد عن ذلك قليلاً وفصل «الدرت» أو حصاد ما زرعه الإنسان في الأرض بدأت ثمراته في النضوج وحينما يقترن الخريف بالعيد تسمو النفوس بعيداً... في عيد الفطر المبارك شهدت قرى محلية القوز وعاصمتها الدبيبات مهرجانات شعبية احتفالية بعد غياب للفرح الذي صادرته سنوات الحرب العبوسة، واختارت محلية القوز الاحتفال بوحدة السودان كأمنية وشوق في النفوس بطريقتها الخاصة غنت المهرجانات الشعبية للسلام وامتزحت مكونات القوز والجبال في الفن والرقص والألعاب الشعبية لتجمع الثقافة والمزامير والنقارة، ما تسعى السياسة لتفريقه وشرذمته .. حينما تقرع طبول النقارة يرقص الجميع، وحينما تصبح المصارعة السودانية هي البديل للرصاص والدوشكا والكلاشنكوف تفتح أبواب الأمل لغد أفضل بكل حال عن الأمس واليوم!! في اختياراتي الخاصة لزيارات عيد الفطر المبارك كان أمير قبيلة البرام وأحد أهم قيادات النظام الأهلي في لسودان «كافي طياره البدين» مقصدي في اليوم الثاني للعيد بمنزله في حي المصانع بمدينة كادقلي، والأمير كافي طياره أطلق في الأيام الأخيرة تصريحات غاضبة بحق والي جنوب كردفان، لكن الأمير كافي أسود البشرة أبيض القلب.. شجاع في المواجهة زار الوالي أحمد هارون من تلقاء نفسه وقال عبارة كبيرة «كنت غاضبا فقذفت ابني أحمد بالحجارة». وسط عشرات من أتباع الأمير كافي طياره استقبلني بحفاوة وقال عبارات لها أكثر من معنى رغم أن الرجل حظه من التعليم النظامي قليل، ولكنه تخرج في جامعة الحياة وهو يقول «لست نادماً ولا خائفاً على ما قمت به في سبيل السودان ووحدته، أنا أدفع ضريبة اختياري للحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، إن تخلوا عني حباً في شريك السلطة الحالي فلن أتخلى عن المبادئ، من أجلها وضعت كل ما أملك في خدمة وطني». قال كافي طياره البدين.. لن أتنصل عن تصريحات نطقت بها، ولكن الآن تجاوزت تلك المحطة وعلاقتي بالوالي مثل ما كنا نقاتل معاً في ريف البرام قبل نحو عشرين عاماً.. قالت ولاية جنوب كردفان كلمتها من خلال مهرجان محلية القوز الثقافي الذي جسد كل معاني بعث الموروث الثقافي من مرقده برؤية جديدة تجعل الثقافي متقدماً على السياسي ويبصر بعين زرقاء اليمامة!!