إن الذي يدور في مصر لا تختلف حوله عنزان.. دعك من أن يختلف حوله صحفيان.. أو سياسيان.. أو مفكران.. أو عاقلان بل ولا حتى مجنونان!!. إن الذي يجري في الساحة المصرية هو استهداف للأمل المرجو والفجر الموعود الذي أطلت بشائره مع إطلالة الربيع العربي، الذي هو من واقع الأمر ربيع إسلامي قلباً وقالباً وشكلاً ومضموناً.. والتقاء الإسلاميين والعلمانيين في بعض مراحله كان بسبب الدكتاتوريات التي جثمت على صدر الأمة عقوداً متطاولة. إن الذي يجري الآن هو محاولة علمانية داخلية وخارجية لكفكفة التمرد الإسلامي وحصره والقضاء عليه. وهذه العجلة والتسرع والتهور هو خاصية علمانية يسارية أمبريالية مصدرها الغباء والغفلة والتهور. فإن النظام الحاكم في مصر اليوم برئاسة مرسي ليس هو حتى كتابة هذه السطور بالبعبع ولا الغول الذي يخيف العلمانيين.. فهو يمارس السياسة كما لا يستفز العلمانيين ولا يخيفهم وعلى وفق منهج صناديق الاقتراع.. ولو أن العلمانيين صبروا قليلاً لتعلمنا نظام مرسي تماماً كما تعلمنا نظام الإنقاذ، ولكن لله تقدير يخالف تقديرهم ومشيئة تخالف مشيئتهم، وأنا لا أشك لحظة واحدة في أن الله سبحانه وتعالى قد جاء بالسيسي وصنع الأحداث هذه كلها بمتوالياتها ما أعوج منها وما استقام، من أجل مصر ومن أجل شهداء الإسلام في مصر، ولأن لله تدبيرات فوق تدبيرات السيسي أي أيه وفوق تدبيرات الموساد. إن الساحة المصرية العلمانية كلها في هذه الساعات تتناغم تناغماً لا يخفى على الفطن، فمن مطالب بمحاكمة مكتب الإرشاد كله.. ومن قائل بإن مرسي قد تسبب في قسمة الشعب المصري إلى فريقين متفائلين.. ومن يطالب مرسي بالاستقالة.. وآخر يقول إنه لا ينسى ما فعله به مرسي، وأنه سوف يقتص منه يوم القيامة، وبعض أصحاب الرؤوس الخفيفة يغالبون بجمع توقيعات من أجل «إخوان جدد» أو شيء من هذا القبيل. والمسرح يعج بالغريب والمدهش.. حتى أن بعض مذيعي قناة الجزيرة يتقدمون باستقالاتهم من الجزيرة، لأنها ليست أمينة في نقل الصور والقوائع الحقيقية على الأرض.. وأنها تنقل صوراً قديمة لميدان التحرير تظهره فيه خالياً.. وهب أن ميدان التحرير كان ممتلئاً من أركانه الأربعة، وهب أنهم دعوا إلى إفطارات جماعية.. وصلوا العشاء في جماعة والتراويح. هل يغير ذلك من جوهر القضية؟. إن أخوف ما يخافه العلمانيون في مصر وفي كل مكان أن يشيع في الدنيا كلها أن النظام الديمقراطي العلماني جاء بإسلاميين إلى سدة الحكم!!. وهم يعلمون علم اليقين إن الإسلام ليس أنماطا ولا قوالب ولا هياكل.. الإسلام في النهاية سلوك.. وسلوك جاذب.. لذلك زعموا أن سيد قطب لما زار أمريكا أندهش للانضباط الذي شهده هناك فعلق قائلاً: رأيت الإسلام في أمريكا ولم أرى المسلمين. إن العلمانيين يسعون إلى الصاق كل الانتهاكات والجرائم التي ترتكب بجماعة الأخوان حتى أمريكا نفسها أبدت نوعاً من التراجع عن موقفها المبدئ من الديمقراطية حتى صرح الناطق الرسمي الأمريكي بأنهم الآن يدرسون ما إذا كان ما قام به عبد الفتاح السيسي انقلاباً على الديمقراطية!!. أي أنهم حتى هذه اللحظة لا يعرفون تمام المعرفة صفة ما قام به وزير الدفاع من تقييد حرية رئيس الجمهورية وتعيين رئيس جديد غير منتخب. الذي لا مراء فيه أن فلول القوميين الناصريين الذين يحملون في رقابهم دماء الأخوان طيلة ما لا يقل عن ستين عاماً، قد التقوا مع الإدارة الأمريكية والموساد والعلمانيين لإبعاد الأخوان عن حكم مصر. ولكن يبقى لهم ما يسوءهم.. لأن مقتل العلمانيين والديمقراطيين كان سيتم على أيدي الأخوان بذات السلاح الذي شهره في وجوههم أعداؤهم. بالديمقراطية وصناديق الإقتراع. رغم كل الذي حدث فإن شوكة الأخوان ستظل في خاصرة العلمانيين.. وستظل في خاصرة الخليجيين وخاصرة كل الصامتين أو الداعمين لانقلاب السيسي، لأن أية انتخابات قادمة سوف تحمل الأخوان إلى سدة الحكم بنسب تفوق ما حققوه في السابق. وكل من يحاول أن يدس رأسه في الرمال وينكر أن الحرب الدائرة الآن في مصر هي حرب على الإسلام نقول له: أفعل ما بدا لك ولكن رمال الدنيا كلها لن تكفيك.. والإسلام قادم.. قادم.. قادم.