رغم سخرية البعض من الحدث، ورغم تخوف البعض من أن تمثل بطولة سيكافا التي احتضنتها ولايتا جنوب كردفان وشمال دارفور، وهما من المناطق المصنفة بأنها ملتهبة، ورغم تخوف البعض من أن يمثل هذا الحدث القشة التي تقصم ظهر السلام الذي تسعى له الحكومة والتأكيد على مزاعم الغرب والإعلام المعادي في أن السودان يعيش حروباً طاحنة، ويشكو من عدم الإستقرار والأمن وما يترتب على ذلك من آثار سياسية وإقتصادية وإجتماعية.. إلا أنه على ما يبدو أن الحكومة المركزية في المقام الأول وحكومات الولايتين كانت لهم من الثقة ما جعلهم يقدمون على هذا الحدث دون أن يرف لهم طرف، وأحسب أن ثقتهم كانت في محلها، بحيث سادت أجواء السلام البطولة وعمت الحدث، ولم يعكر صفو تلك الأيام- التي قضتها فرق عدد كبير من الدول الأفريقية- أدني غبار.. فالحدث بما خرج عليه قد بعث رسالة جهيرة بأن ما يجري في تلك الولايات وغيرها ما هو إلا ذوبعة في فنجان يضخمها الإعلام الخارجي ويصورها خلاف ما هي عليه، وأن السلام بحق يرفرف على ساحات هذا الوطن حتى المناطق التي تشهد بعض التوترات فهي محدودة وحرب غير منظمة، وإلا لما ارتضت الحكومة أن تغامر بسمعتها وتضحي بهذه الأرواح التي جلبتها من تلك الدول والعالم كله ينظر إليها إذا لم يكن من أجل المغامرة التي أقدم عليها السودان، فمن أجل أن كرة القدم تحظى باهتمام كبير في كافة دول العالم، وأن حدثاً مثل دورة سيكافا ستلفت إليها الأنظار الدولية والإقليمية سياسية كانت أم شعبية.. إن السودان استطاع ان يقرأ الواقع ويستخلص النتائج وهو يقدم على تلك الخطوة التي كانت طلقة واحدة يمكن أن تعكر صفو هذه الثقة، بل أحسب أن المعارضة المسلحة في حد ذاتها عملت بأصول الأخلاق السودانية، ولم تجرؤ على ارتكاب حماقات ولو من باب إثبات الوجود في أن تغامر بفعل يمكن أن يجر على السودان المذمة والإستهزاء، بل رأينا كيف أن بعض الحركات المسلحة رغم اختلافها مع الحكومة جاء أفرادها مؤازرون لفريق الولاية وليس ببعيد ذاك الذي أجهش بالبكاء على يد والي شمال دارفور بعد أن استبد به الشجن والحنين والصراع النفسي بين هذا وذاك، وأحسب أن أهل السودان مهما غلظت قلوبهم لهم مساحة للتسامح والتسامي فوق الجراحات، ويكفي أن نشاهدهم عندما يلتقون في المناسبات فتجد واقعاً آخر خلاف ذاك العداء المفرط الذي يكنونه لبعض. بحق لقد استطاعت الحكومة استغلال تلك السانحة على أحسن ما يكون، واستطاعت أن تحرز هدفاً كبيراً في شباك الأعداء والمتربصين وأعداء الاستقرار الذين كانوا يعشمون بخرق يبطل آمال أهل السودان للسلام، وأحسب أن الحكومة استطاعت عبر هذه الدورة أن تمرر رسائل عدة ما كان لها أن تبلغها ولو دفعت ما دفعت من أموال . لقد استطاعت الرياضة بحق تحقيق ما عجزت عنه السياسة والتأكيد على أنها بحق دبلوماسية شعبية تتخطى الحواجز والإختلافات، وليت لو تدوم تلك الروح التي سادت تلك الأيام التي استضافت فيها الولايتان كل تلك الأشتات من فرق وجنسيات، وهي رسالة للدولة لأن تفعِّل كثيراً من الآليات الشعبية رياضة كانت أو ثقافة أو فنون لتخترق بها تلك الستور الوهمية التي تحول بين أبناء البلد الواحد، وهي بحق أدوات يمكن أن تفعل فعل السحر في رتق الفجوة وتقريب المشاعر، وتليين المواقف فما يجمع شعب هذا البلد أكثر مما يفرق..