قاتل الله التواضع.. وقبح الله جلد الذات.. ولا شيء آخر أضر بالشعب السوداني وبالوطن غير التواضع.. ولا شيء أضاع منا سنين عددا غير جلد الذات.. أبداً ننظر الى النصف الفارغ من الكوب.. أبداً نستهين بنجومنا وأفلاكنا وأعلامنا.. نختبئ في مسكنة خلف ستائر من التواضع وإنكار القدرات.. وصدقوني أن هذا الوطن قد أنجب شموساً وأقمارا أضاءت ليس فقط أرض السودان، بل امتد ضياؤها حتى فجر ينابيع النور في زوايا وأركان الكوكب. صدقوني يا أحبة إن هنا وفي هذه البلاد.. وهنا وخلف المايكرفونات.. وهنا وفي قلب شاشات الفضائيات من هم ومن هن أكثر ثقافة واشراقاً وحضوراً ولباقة من ليلى رستم، تلك التي شغلت الناس ولوت أعناق أمة العرب في ستينيات القرن الماضي.. وعبر شاشة تلفزيون بيروت لقد كانت نغمة في الشفاه، وصورة في كل قلب عربي، بل كانت هي فتاة الغلاف في تلك الأيام الراحلة.. وعندما يحين اي من برامجها كان ذلك «نجوم على الأرض» أو «محاكمات أدبية» كانت الشوارع قفراً وخلواً من السابلة يهرع الناس بل يركض الناس ليتسمروا أمام شاشات التلفزيون، رغم ذلك دعوني أقسم بالذي رفع السماء بلا عمد أن «لمياء متوكل» أكثر منها ألقاً وثقافة وحضوراً وبهاء ولباقة كان ذلك رأيي في هذه النجمة المدهشة منذ أوائل أطلالها عبر أثير «البيت السوداني» وفي مهل وتمهل في ثقة ومثابرة في صبر ونصب بدأت خطواتها تزداد رسوخاً وعقلها يزداد تفتحا وصدرها يزداد انفتاحاً، ولا زلت أذكر كلمات ما زال صداها يتردد داخل عقلي والدبلوماسي الصديق الراحل سيد أحمد الحردلو «يا بلدي يا حبوب» يهاتفني في تلك الأيام التي كانت لمياء تحاوره على مدى ثلاث حلقات قائلاً: لقد أجريت معي مئات الحوارات وعشرات بل مئات اللقاءات محطات أجنبية وعربية وصحفاً وفضائيات، ولكني لم أجد في كل تلك اللقاءات من هو في مثابرة وحضور وثقافة ومهنية هذه «البنت» يعني- لمياء متوكل- ويواصل الدبلوماسي قائلاً: أنها قد «ذاكرت» أعمالي ونقبت في حياتي يوماً يوماً فأضحت كل حياتي ساطعة بين يديها، لذا كانت ماهرة وبارعة في الحوار فنانة في الغوص في أعماق محيطي لتلتقط المعلومة في صبر وأناة وجلد. طاف بذهني كل هذا الشريط ولمياء وفي هذه الأيام وعبر أثير إذاعة البيت السوداني تستضيف العالم المثقف والمؤرخ العظيم «ميرغني ديشاب» وهما لمياء وديشاب يخوضان في حدائق وطرقات وساحات وخلجات ومسامات قيمة الغناء الوطني والعاطفي في زمان الاستعمار الانجليزي عبقري الكلمة، واللحن والتطريب الشاعر المقاتل المغني والمطرب خليل فرح.. تفعل لمياء كلذلك وكأنها قد عاشت تلك الأيام المترفة والمفزعة وكأنها هي من كتب نقوش على قبر الخليل.. وكأنها هي من أملى تلك الحروف على عبد الهادي الصديق.. وكأنها هي من كانت تجلس على شرفة صالون «فوز» وكأن هي من قلبت أوراق «صمويل عطية» ووثائق الاستخبارات نعم تدفقت كل هذه المعلومات من صدر العالم المثقف «ديشاب» ولكن بعد أن أعدت لمياء الجداول وأصلحت القنوات وأزاحت السدود لتتدفق كل هذه المعلومات لتصب تماماً في اذان وقلوب وعقول الشعب السوداني الذي وبفضل هذا البرنامج وبفضل لمياء وديشاب بدا يعلم كثيراً عن «الخليل» صدقوني وأنا استمع الى هذا الثنائي المدهش عبر الراديو فقد كنت اتخيل نفسي في إحدى المدرجات الوقورة المهيبة في جامعة الخرطوم... بكرة نتلاقى