تلا الداعية الشيخ عبد الرؤوف حامد التكينة بعد أن وقف مخاطباً جموع المعزين أحد المآتم بقرية التكينة تلا أول سورة العاديات ثم وجه سؤالاً إلى عامة الحضور قائلاً لهم لو أن عزيزاً لأحدكم أو إبناً وهو بعيد عنه أرسل رسالة له وتوقف عليه معنى لأسلوب فيها فهل سيبحث عن معناه؟ وإن لم يجده فهل سيسأل عالماً بمعان عنه؟ فما معنى العاديات ضبحاً فالموريات قدحاً فالمغيرات صبحاً.. فأثرن به نقعاً.. فوسطن به جمعاً؟ وما معنى القارعة ما القارعة..؟ تم أخذ يسترسل بإسلوبه الجميل الأخاذ وأبعاده العميقة الصادقة.. بأن الناس قد تشاغلت عن القرآن الكريم فهجرت تلاوته، وجهلت معانيه، وأهتمت بغيره، وتبعت هواها حتى استحوذ الشيطان عليها فملك قلبها حتي لم تجد من يصلي منهم ،لا يدري ما قرأه ولا يعرف له معنى فيتدبره فيخشع لذكر الله ولذلك يفتقد الفلاح الذي مدح الله به المؤمنين في سورة المؤمنون فصارت العبادة عادة لا خشوع فيها ولا سكينة حتى انقطعت الصلة بين المصلي وخالقه، وكله يرجع لهجرنا للقرآن وعدم إهتمامنا بتفاسيره المتوفرة وبعدم تطلعنا لمعانيه عند العلماء. فالقرآن هو الرسالة القيمة التي جاء بها رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من رب العالمين للناس كافة لتكون منهجاً في حياتنا، وسعادة لنا في دنيانا وآخرتنا .. تشاغلنا عنها حتى ضللنا الطريق المستقيم.. وصرنا نبحث عن طرق أخرى لا تسعدنا في حياتنا ولا من بعد مماتنا.. وأقول لكم حقاً.. قلت ياشيخنا.. وحقاً صدقت وقد أديت رسالتك فعلاً بتعمير المساجد.. وإنشاء مؤسسات العلم الديني.. وأديتها قولاً على كل منبر علم ..إلى أن غادرت هذه الحياة الفانية.. فحقاً غفلنا عن أنفسنا ورعيتنا.. فلم نقتني كتاب نتدارسه مع أبنائنا وزوجاتنا ولو في ساعة من يومنا.. ولا كتاب فقه نتناوله معهم ولا غيرة لديننا ولكن أهتممنا ببيوتنا وأثاثاتها وزخرفتها وزينتها وما نحن بمعمرين فيها..! فجلبنا لها الدواليب والسراميك وأفخم أنواع الكراسي.. والذي لا يدوم الجلوس عليها وفرشناها بأجمل البساط.. ووزعنا على أركانها الأزاهير المتنوعة خمسين الف سنة وما تشتريه نساؤنا لها من أوان وغيرها كفيلاً بحجتنا فلم نحج« لا نحن ولا هن» وأهتمامنا بأكلنا وشربنا فملأنا ثلاجاتنا بأنواع فما من بيت إلا وفيه مريض بسكري أو ضغط أو قولون وغيرها من أمراض الحضارة والصراع مع النفس.. بالتنافس الدنيوي فصرنا نبحث عن العلاج.. عند الأطباء.. والشيوخ والدجالين.. فضاعت أموالنا هدراً عقاباً لنا.. ثم حولنا الغفلة بسلوكنا إلى أبنائنا فأغلبهم لا يعرف الحديث وما فيه!! ولا الفقه وما يعنيه.. ولا التوحيد وما يهديه.. ولا القرآن ومعانيه.. فقد تعلقوا بالرياضة لفظاً لا فعلاً حتى صيروها عقيدة!! يتمسكون بها ويذاكرونها ويحفظونها ويدافعون عنها وما هكذا الرياضة فالرياضة قد نادى بها الدين وشجع وأوصى عليها وأيدها لتقوية الأجسام والعقول.. ولكنهم تعلقوا بها بألسنتهم لا بأرجلهم.. بألفاظهم لا بأجسامهم ..فانقسموا بها إلى قسمين «مريخ وهلال» فتجدهم يسردون سيرة كل لاعب ويعرفونها أكثر من معرفتهم بسيرة رسولهم الكريم وصحابته الكرام..! ويعددون أهداف كل ناد أكثر مما يعددون معارك الرسول صلى الله عليه وسلم مع الكفار وأهدافها.. ويقرعون الطبول ليلاً ونهاراً فرحاً بهزيمة أحدهما وإن كانت على يد العدو إسرائيل..!! ويسهرون الليل جدلاً.. يمنعون المرضى راحة والمتعب سكينة حتى صاركل ذكرهم البرير والوالي والعجب وياللعجب منهم فحياتنا كلها هزائم حتى على أضعف الدول بعدم وطنيتنا .. ولا مبرر لذلك كله فقلما تجد منهم من يعرف فرائض الصلاة أو جبرها أو خشوعاً أو معنى ل (الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر).. أو( ويل للمطففين الذين إذا أكتالوا عن الناس يستوفون).. رغم تعليمهم والأدهى وأمر أن الإعلام يعينهم فما من ساقطة أو لاقطة إلا وجاء بها ثم زرع وغرس فيهم بها ما لا يحمد عقباه في سلوكهم واتجاهاتهم حتى نشأوا على العداء لا الإخاء.. على البغضاء لا الصفاء.. فأمتلأت الشوارع والبيوت والساحات والمركبات العامة بجعجعة جدل بيزنطي لا يسمن ولا يغني من جوع معرفي لدينهم.. وحقاً هجرناه تلاوة وأستماعاً وتفسيراً وتأويلاً.. وفي كل بيتٍ من بيوتنا مصحف وعلى كل مصحف غبار، وعلى كل ذرة منه يرقد سؤال كسؤالك يا شيخنا الجليل.. يقول- أو لم يكن هذا المهجور هو كلام الله خالقنا.. ومنهجنا لحياتنا الفانية.. وسعادتنا لحياتنا الباقية.. طيب الله ثراك.. وجعل علمك الذي أنتفعنا به صدقة جارية لك.