ü دعوات الإفطار في فضاءات الخرطوم دائماً ما تحلق بنا في عوالم من «الدفء» و«الحميمية» و«بركات» الشهر الكريم المبارك وهي عوالم طالما نفتقدها في بقية الأيام الجافة «اللاهثة» وراء اللاشيء! ü في المناسبات الرمضانية نلتقي بالأحباب ونغتنم لحظات من الصفاء نتبادل فيها مع حبات «التمر» و«البليلة».. أجمل ما في الشعب السوداني من توادد وتواصل وإحساس بقيمة الآخر وبذل «كل الجهد» لترميم وتوصيل ومد ما انقطع من علاقة!! ü كان هذا إحساسي وأنا ألبي دعوة إفطار الشرطة التي أقامتها في دارها العامرة والواسعة والأنيقة ببري.. وهي دعوة اخترتها من بين دعوات كثيرة لأصحابها معي ذات المحبة والود والتقدير!! وذهبت وبي بقية إعياء ورهق ومع ذلك سعدنا.. وفي «عتبة» الدار يستقبلني أخي وزميلي وصديقي الصحفي السابق وضابط الشرطة الهمام الآن النقيب خالد ميرغني ويقول لي اسمح لي أن أحييك سعادتك!! إنه الأدب والذوق الرفيع.. وخالد من أرض المحنة ومن قلب الجزيرة ويقودنا في المداخل بذات الأريحية. ü ونجد أمامنا سيادة اللواء «الس أحمد عمر » الناطق الرسمي والصديق العقيد صلاح مهران وثلة من نجوم الشرطة المضيئة!! وأجد في الداخل زملاءنا وأصدقاءنا ورفقاء السلاح من حملة القلم وقد أجلسوا في قاعة فسيحة ورحبة وأنيقة يلق بنا وبشرطة السودان التي لا نريد لها سوى منزلة عالية ومكانة سامقة وهي تستند عندنا على أرث تليد وأياماً لامعة في ذاكرة الوطن وهي كذلك حاضراً نريده «ركازة» ومستقبلاً مشرقاً و«طابية» من طوابي «حراسة» السودان والزود عنه بكل غال ونفيس . لم يكن هناك عيب في« الزاد ولا في سيدو» واللواء السر يبدي فرحته بهذا الجمع الكبير الذي جاءهم وهم يعرفون إن الخرطوم في ذات الليلة تعج بالدعوات والاحتفاليات هنا وهناك ومع ذلك كان حظ الشرطة أعظم وأكبر من قبيلة الصحفيين إذن هي «قوة العلاقة» و«علاقة القوة». الليلة يستقبلني أهلي.. أتذكر في تلك اللحظة «محمد عبد الحي» والعودة لسنار ونحن في داخل متحف الشرطة!! وجدت نفسي أقف أمام دفتر أحوال مركز أبو دليق ويعود تاريخه إلى زمن سحيق ضارب بجذوره في أعماق التاريخ!! عادت بي أيام الصبا ونحن في معية الوالد وإشلاق البوليس في« أبو دليق» و«الهجانة» ! ودفتر الجمعية التعاونية والرتبة التي نحملها على أكتافنا الصغيرة بكل تقديرها وتبجيلها أولاد البوليس!! لقد أعادت الليلة ذكريات أيام هي تاريخ الوالد وانخراطه في خدمة الشرطة وهي أيام لا زالت في تلافيف الذاكرة وفي مكانة من القلب والفؤاد. ألم أقل إن الليلة كانت «محضورة» تجولنا في دنيا الزمان والمكان وطفنا مع الذكريات وتطور الشرطة السودانية وكم كان كبيراً حجم العرق والجهد والدمع والدم الذي بذله الأجداد والأسلاف في بناء الشرطة السودانية!! دفتر جميل في حضر الوطن ولحظات أنس حلوة وتفاكر هي مفردات وتفاصيل لقاء الأمس في دار الشرطة ببري والأمل أن ينداح كل ذلك في شراكة تبني الوطن وتقويه أمام رياح الزمن الأصفر وأمواجه الهادرة الهائجة والقادم وقولوا يا لطيف!!