لايذكر اسم الاستاذ محمود أبو العزائم إلا وانداحت مشاعر من عاصروه صغارًا وكبارًا وارتبطت ذكراه العطرة بكثير من مناسباتهم .حتى زوجته الاستاذة الراحلة خديجه محمود مربية الأجيال حين توفت الى رحمة مولاها صادف فقدها الغالي في نفس الشهر للذكرى الرابعة لرحيله فتجدد جرح فقد الاستاذ الصحفى الكبير والاعلامى المميز وكتب الكثيرون من أصحاب الاقلام الذهبية عن خصاله وبفقده كان الفقد بحجم تواجده في دواخلهم وفي أعمالهم. الاستاذة آمنة السيدح صاحبة القلم الرشيق كتبت ذات مرة بعامودها (تنظير) مقالة تحت عنوان عام مضى سكبت فيه احزانها المكسوة بسواد الفراق والتيه الذي ابتلع كل حواسها فصارت بدون بوصلة تهديها حتى الى مطبخها.وتكتب الاستاذة زينب السعيد لتعكس في(زوايا المرايا) لوعة سعود الذي لن يعود ، وكان عطره الفواح قد استنزف كل دموعها وهي تقتحم صيدلية في بلادى التي يفوح منها رائحة الحزن لفقد الاعزاء وذكراهم التى لايختفى عبيرها رغم مرور الاعوام لترسم لنا لوحة غاية الابداع مليئة بالحزن الدفين ، ولم أستطع حبس دموع مرتبطة بالدعوات له بأن يعوضه الله شبابه وحسن بِرِّه .. جنةً وحريرًا .. عام على الرحيل كان هذا عنوان فقد سعود الذى حدث يوم الخميس ولم يره أحد . الاستاذ الكريم والذي فقد ولده الذي ذهب للتعدين بطموح الشباب .. لفقده لوعة وحسرة ،فقد كان في الازمان السابقة الشباب يخرجون للإحتطاب ويعودون خماصاً، والآن يخرجون للتعدين ولايعودون. فتقف (العقارب) بقصد أو بدون قصد منها تأخذ فلذة كبده في رحلة طويلة لم يستطع الذهب وكل المعادن أن يدفع فاتورة بقاء ولده ، فسنة الاقدار لاتدري نفسا ً بأي أرض تموت ولا كيف تموت.فعلينا جميعا ً أن ننتظر ونتزود ببر(سعود)،وقامة(محمود).. ليت والدي كان حضورا ً بيننا ليقرأ ما كتبته زينب السعيد عن سعود فهي إقتطفت بعض الذهور من حديقته الملأى بالعطور الفواحة من عمل الخير(مابدي شوية ..قفه وشوال.. مليون ولى فوق .. حليلك ياسعود ..وليتها ياوالدي قد ولجت بستانك الملئ برائحة المسك وعطر العود ولصادفت(سجود) التي بلغت الاعوام الثلاثة ولم يعد حديثنا ان بابا صالح قد ذهب لطبيب الاسنان مقنعا ً لها كما الأول ، لقد إنطلق لسانها واحضرت الموبايل ذات مرة وطلبت ان نتصل لها ببابا صالح عند طبيب الاسنان. وتعلمت بعض الحروف واختطت على الأرض حروف اسمه كأنها تقول لنا ان بابا صالح تحت الأرض فهى مازالت تنتظر مجيئك أو محادثة منك . ليتنا ياوالدي نتمكن من محادثة الموتى. رحلت وتركت فراغا ً كبيراً لايستطع أحد ً أن يملأه، رحلت ياأبي وتركت عيونا ً دامعة من لوعة الفراق، تعبنا بعد رحيلك واحترقت تلك العيون ثم جفت مدامعنا من كثرة البكاء عليك ياأعز الناس . رحلت ومازال باب بيتك مفتوحا ً نستقبل ونودع الأهل والاصدقاء صباح ومساء لم يٌرد بابك فى وجه أحد ابدا ً كما لو كنت موجودا ً لاتزال بيننا بقامتك تقدم لضيوفك أطيب ماعندك وتوزع ابتساماتك وضحكاتك بين الحضور وتنتقل ياعمود البيت وركيزة القبيلة بكل ثقة واقتدار لتنثر الحب بين الكبار والصغار لاتمل ولا تكل . ولايغادرك الاهل ألا ويوعدوك بزيارة قادمة ليتهم يعلمون انه لم يعد فى العمر بقية ، وليس هناك مرة قادمة. كنت تقول لنا خلاص الايام كملت كان حديثك حديث الواثق والمؤمن وكنا لا نفكر فيما انت تذهب اليه ، لاننا نريدك« جنبنا» لاتتركنا فمازلنا نريد شورتك. ولكن تأبى الأيام ألا أن تفارقنا ياوالدى لنعيش من بعدك أيتاما نبحث عن سحابة تظللنا من هجير الشمس فقد كنت لنا السحابة. تركتنا وامتطيت جواد الخير والبركة ولم تحضر مقدم(نادين) بنت كمال الدين الذى يعزك ويعبر البحار ليقبل يديك وراسك يا صاحب الرأس الكبير والقلب العامر بحب الناس.تركتنا بدون وداع ولم تحضر مقدم(سما)بنت عصام سيدنا وابن سيدنا . تركتنا والحسرة تملأ القلوب ولم تحضر نجاح(بشائر) لم يعد طعم الفرح هو نفس الطعم كان لنجاحاتنا بوجودك معنى ونكهة وكان لميلاد اطفالنا وانت تحيطنا وتهنئنا طعم ورائحة وبعدا ً آخر. كنا نلجأ اليك ونلوذ بك لتختار لنا الاسماء وتفرح لفرحنا وتسعد لسعادتنا . من سيختار لهؤلاء هدايا النجاح ومقدم المولود ومن سيبادلهم غيرك حبا ً بحب ياصاحب النظرة الفاحصة، من يبادلنا بعدك هذا الفرح وتلك السعادة فبرحيلك يتسلل الفرح الينا بكل استحياء، نحاول جميعاً أن نكون مثلك ياوالدي وتأبى الدموع إلا أن تروي سيرتك العطرة بحلو الحديث لينبت اليقين والايمان بأن المسيرة ماضية وأنك في عليائك تنظر لنا وتبتسم في الجنان بإذن الله وبرحمته. جاء شهر رمضان الشهر الكريم يحمل معه الخير والبركة ، ونشعر ان بين حناياه هذا المرة حزنا ً عميقا ً.فقد كان يجمعنا بك على مائدته الكريمة ورغم أن طبيبك المعالج قد رخص لك الإفطار ولكن حبك لهذه العبادة(وإن تصوموا خيراً لكم ) يجعلك تجاهد نفسك تلبية لأمر الله عزوجل(ُكتِب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) كنا نحيطك حول المائدة، وكنت تحيط بنا برعاية الوالد الذي يريد ان يطمئن على ابنائه تعطي الكبير وتضع أمامنا اطيب الطعام ،لقد كانت فرحتك كبيرة وانت تتنقل بين ابنائك تتفقدهم كبيرهم و صغيرهم . لقد عاد هذا الشهر ياوالدى ولم يجدك بيننا نفقدك بين كل جنبات المائدة ولم نجدك . ظل رمضان بيننا حزيناً تكسوه سحابة جف ماوءها ، ظللنا حول المائدة فترة من الزمن لاندري من أين نبدأ فقد غاب سيدنا وهطلت الدموع مدرارًا من يجفف دمع من ، ومن يواسي من . إنها لحظات توقف فيها الزمن ومازال المؤذن ينادى ان اشهد ان لاالة الاالله . لقد عدنا ياابي الى نفسنا ودعونا لك فى هذه اللحظات المباركة وللصائم دعوة مستجابة. نسالك يا حنان يامنان ياواسع الغفران أن ترحم أبى برحمتك الواسعة وأن تدخلة أعلى الجنان فقد كان موحداً بك مؤمناً برسالتك وبخاتم النبين محمد صلى الله عليه وسلم ، نسالك يامن لايسأل سواه أن تتقبله وتعفو عنه ، وأن تسقيه من يد نبيك محمد الطاهرة شربةً لا يظمأ بعدها أبداً ، فقد حرم نفسه ليعطينا ، سهر الليالي في المطابع يواصل ليله بنهاره من أجل ان ننام نحن ، ندعوك يامن أمرتنا بالدعاء ووعدتنا بالاستجابة أن تحفظ والدي تحت الأرض ويوم العرض ، فقد حفظ حقوقنا وكان لنا دليلاً ً الى فعل الخيرات ، تعلمنا منه أن النعمة لاتدوم وأن نعمل لآخرتنا ، اللهم آنسه في وحدته ، وآنسه في غربته ، وآنسه في وحشته. نستطيع ياوالدي بإذن الله ان نحافظ على سيرتك الطيبة النقية ،وأن نواصل زيارة أصحابك وتفقد الأهل . ولكن تأكد ياصاحب القلب الكبير أنك من جيل لن يتكرر . فهيهات هيهات أن أجد مثل أبى ......