وأقسم بالذي رفع السماء بلا عمد.. اني لا أعرف حتى هذه اللحظة إن كنت أعيش مواطناً في جمهورية مدنية ديمقراطية أو شمولية.. أو في مملكة.. أو أمارة.. أو إقطاعية.. أو أعيش في دولة إسلامية تستظل بظلال.. وتحت بيارق رايات شرع الله الطاهرة المطهرة.. فقد انبهمت أمامي السبل.. وتعرجت الطرقات.. واختلط اللون باللون.. وتشابك الخيط بالخيط.. وصرت مذهولاً.. وأنا أتابع مسرح اللا معقول.. التفت يمنة.. لأرى من يصنع القرار وزيراً أو وكيلاً.. أو دستورياً أو حزبياً.. وهو «يفتي» بأن هذا حرام.. وذاك حلال.. ألتفت يسرة لأجد قرضاً ربوياً.. يخرج كالسبيبة من العجين من ردهات المجلس الوطني.. ويتهادى متبختراً من مجلس الوزراء.. مستقراً آمناً في «بطن» خزائن المالية وبنك السودان.. أرسل عيوني في مهمة قراءة في صحف الخرطوم.. وأبعث أذني إلى الإذاعات والفضائيات.. وتعود إلى الأذنين والعينين بحصاد وفير.. وزكائب من أحاديث فاضية هادرة راعدة بأن «الغناء» حرام.. حرام.. حرام.. وأن المعازف حرام.. حرام.. حرام.. وأن أي آلية موسيقية.. أو طبل.. أو «بنقز» إنما هو أحد مزامير الشيطان.. ولا اكتفي بالقراءة.. والاستماع.. و«الونسة».. والأحاديث.. بل أذهب.. في نفس هذه الدولة.. التي أجهل كنهها.. وتغيب عني هويتها وفي نفس الولاية.. أذهب بجسمي ولحمي.. وعظمي.. وعيوني وآذناي ومشاعري وقلبي.. أذهب في معية رئيس الجمهورية شخصياً وفي الليالي البيض في رمضان المعظم المبارك المبروك.. لأكون حضوراًومشاركاً وسعيداً ومحبوراً.. ورأس الدولة.. يكرم نجوم الغناء الرفيع.. ويقلد الأوسمة شموع الشدو البديع.. يبارك إسهام «ود اللمين».. في نسج ديباجة ملونة.. من فتلات تراث وإرث الشعب السوداني العظيم.. لتخرج إلى الدنيا.. نفحاً شجياً وتطريباً بهيجاً.. يسهم في لمّ شمل الأمة في بوتقة مصهورة واحدة.. ونفس رئيس البلاد.. يمنح موسيقار الأجيال «عبد الفتاح الله جابو» ألقاب الوفاء والعرفان.. وأنواط وقلائد التكريم إشادة بأنامل الموسيقار، والتي عبر الأوتار صاغت بهيج الألحان مرتفعة ومرتقية بالذوق إلى مدارات النجوم والأفلاك.. وتتواصل العجائب والغرائب.. وجزء كبير من أبناء الأمة يحتل غير مكانه.. وبعض العجب.. وكثير من الدهشة.. يأتي بها أحبة من أركان الحكومة وأعمدة من بناء الإنقاذ ونجوم من المؤتمر الوطني.. ذاك الذي آلت إليه مصائر البلاد والعباد.. وامتلك الوطن بكامله.. شبراً.. شبراً.. يأخذ بعض الوزراء والولاة.. أدواراً غير أدوارهم.. يتقمصون شخصيات غير شخصياتهم يحتلون مواقع غير مواقعهم.. ولأن «الموضوع» ليس له «ضابط ولا رابط» ولأن أي زول يفعل ما يشاء.. فقد علمنا وتعلمنا منذ أن عرفت عيوننا القراءة.. ومنذ أن «خلقنا» الله على هذه البسيطة.. علمنا إن صلاة الاستستقاء.. أمر يقوم به الحاكم.. والذي هو الوالي أو أمير المؤمنين أو قائد الأمة.. عندما يعز المطر.. وتحبس المطر السماء.. هنا ينهض إمام المسلمين أو قائد الأمة.. ليدعو الناس ويقيم صلاة الاستسقاء.. والذي نعرفه أن هذا الأمر.. أمر صلاة الاستسقاء.. هو حق مكفول للحاكم بل هو حصرياً على الحاكم والذي هو رأس البلاد.. إلا أن بعض الأحبة من الوزراء والولاة.. قد دعوا الناس لصلاة الاستسقاء فلم نأبه لهم.. ولست أدري ما شأن وزير المالية ووزير الزراعة.. ووالي القضارف بصلاة الاستسقاء.. ومن أنتم يا «مشايخ» حتى تضرعون لله بأن ينزل الغيث.. الحديث الذي أعجبنا.. هو حديث السيد رئيس الجمهورية عن هطول المطر وعلاقة ذلك بالظلم.. وهذا ما نتحدث عنه بكرة..