إن المتغيرات الاقتصادية لها أثر فعال في حياة أفراد أي مجتمع في هذا العالم، لذا نجد أن الأزمات الاقتصادية تؤثر تأثيراً مباشراً على دخل الفرد ومصروفاته، التي هي الشريان المهم لتلبية حاجاته الأساسية والضرورية، ليعيش محققاً الهدوء والأمن والاستقرار النفسي والإجتماعي له ولعائلته.. فنجد أن التفاعل المباشر المتبادل بين الأزمات الاقتصادية يمر بها أي مجتمع، سيكون لها تأثير مباشر بطريقة أو بأخرى على الانحراف، ومن ثم ارتكاب بعض الشباب للجريمة وخاصة العاطلين عن العمل من هؤلاء الشباب.إن العمل أو الارتباط بوظيفة ما يوفر دخلاً ثابتاً للفرد، ويضمن تفاعله مع مجتمعه أفراداً ومؤسسات، ويمنحه قيمة للاعتزاز بنفسه ومكانته أمام مجتمعه، وعلى العكس عندما يفقد الإنسان وظيفته ولا يجد دخلاً ثابتاً فهذا الانسجام في الشخصية والتفاعل بينه وبين مجتمعه يختل، وتكون ردة الفعل حدوث مشكلات على مستوى الفرد، باللجوء لأية وسيلة سلبية وإيجابية ليحصل على حاجته الأساسية الجسمية والنفسية والإجتماعية، وتكون النتيجة في الغالب خروجاً على المعايير والقيم والسلوك السوي في المجتمع، وهذا قد يسبب انحرافاً وجريمة. ومن هنا نجد أن الأزمات الاقتصادية قد تولد ركوداً اقتصادياً، يفقد الفرد أحياناً وظيفته، أو يقل دخله، أو لا تتوافر وظائف جديدة للشباب الذي أكمل تعليمه الجامعي أو الاكاديمي، أو حتى المهني، مما قد يحدث بطالة قد تؤدي إلى مشاكل، ومنها الانحراف وتفشي الجريمة على إختلاف أنواعها. الشباب في المجتمع هو عنصر فعَّال وبناء للنهوض به، ولكن حيثما يحدث خلل في نمو المجتمع وتقدمه، فلا شك سيكون هذا ناتجاً عن مشكلة يواجهها شباب ذلك المجتمع، وقد تكون إحدى مشاكل شبابه هي البطالة. ويلاحظ أن التطور والتغير الاقتصادي والاجتماعي السريع الذي حدث ومازال، لابد أن يؤثر في طبيعة حياة المجتمع، حيث أن الناحية الاقتصادية وتأثيرها في المجتمع، لها دور في وصف وتحليل أسباب الجريمة، فانخفاض دخل الفرد أو عدم توافر دخل ثابت بسبب عدم وجود وظيفة إضافية إلى ذلك، نجد أن هناك زيادة في متطلبات الأسرة وحاجاتها.. كل ذلك قد يكون من العوامل التي لها تأثير بدرجات متفاوتة على إرتفاع نسبة الجريمة في أي مجتمع. فالبطالة كظاهرة اجتماعية تتصف بها مختلف المجتمعات على مختلف أنظمتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فتوجد في الدول المتقدمة أيضاً مثل ما توجد في الدول النامية.يعتبر الضبط الاجتماعي مسؤولية الجميع سواء المؤسسات الحكومية أو الأهلية، فنجد أن مهام الدول الأساسية بمؤسساتها الحكومية والأهيلة الحفاظ على الشباب من الإنحراف، لأنهم رجال المستقبل، وهذا يتم من خلال الدراسة لمشاكلهم وحلها أولاً بأول، مثل نوع التعليم والتدريب، والتطوير الذي يرفع من أدائهم كقوى عاملة في المجتمع بعد تخرجهم، فتوفر الوظائف لهم طبقاً لأعداد الدارسين المتوقع تخرجهم ليتم إستيعابهم مبكراً بأسلوب علمي مدروس، كإسلوب وقائي لمنع البطالة، بدل أسلوب علاج البطالة، فتوفير الأحياء بخدماتها الأساسية، وتوفير الوظائف لأبناء المجتمع، وتوزيعها على المدن والريف، كل ذلك يمنع الفقر، ويزيد مصادر الدخل.. وبالتالي لا يشعر الفرد بالحرمان، فيستقر وضعه النفسي والأسري والاجتماعي، (فيعيش المجتمع بدون تفكك) فتقل البطالة وبالتالي تنقص الجريمة.إحساس الفرد العاقل بالعزلة وعدم الاستقرار وعدم الشعور بالأمن، بسبب عدم تلبية حاجاته الجسمية والنفسية الأساسية، وغموض مستقبله الاجتماعي والمادي، وفوق هذا كله شعوره بالفراغ وإنه عاطل. كل هذا قد يجعله سريع القابلية للتأثير والإيحاء من لدن رفاق السوء، ولا يقاوم ضغوطهم وطلباتهم وأوامرهم غير المشروعة، مما يجعله مجرماً دائماً.عدم تحقيق الفرد العاطل لدوافعه وأهدافه (تحقيق الذات والسمو بها) مثل أقرانه قد يولد لديه كرهاً لذاته، وبالتالي يغيب الضمير، وتنعدم الأخلاق، مما يدفعه للانتقام من نفسه، وأسرته، ومجتمعه، لشعوره بالفشل والإحباط والحرمان واليأس من وضعه النفسي والمادي والاجتماعي.فيضعف أمام الإغراءات ويلجأ للتعبير عن تخفيف الصراعات لديه عن طريق التعبير عنها بالسلوك العدواني الإجرامي، (مثل استخدام المخدرات، السرقة، لعب القمار، السرقة بالإكراه، والإعتداء على الممتلكات)، وهذا قد يكون تعويضاً سلبياً أو حتى هروباً من الواقع المعيشي السيئ.أثر البطالة على نفسية الفرد بسبب طول فترة البطالة أو صعوبة الحصول على وظيفة، وقلة الأجور، وتوفر وقت الفراغ، هذا قد يدفع الفرد إلى تعلم سلوك وعادات سيئة، تتماشى مع الوضع المادي المتدني الذي يعيشه هو وأسرته أو المجتمع ككل.إن الإنسان يؤثر ويتأثر بالعديد من العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية، التي في الأصل بتفاعلها تشكل السلوك للإنسان، ولهذا كان لابد من عرض مبسط ومختصر لأسلوب الوقاية والعلاج، والتي يمكن الأخذ بها على إنها توصيات تدفع إلى التقليل من الجريمة، بالتعامل معها والحد من ظاهرة جريمة البطالة والمجرمين. من معالم التقدم الحضاري الاهتمام بالوقاية قبل العلاج، والوقاية تعني منع تكوين الشخصية الإجرامية من الأصل لدى الفرد، وخصوصاً النشء. ولانجاح الوقاية لابد من اتباع الآتي: الوعظ والإرشاد الديني، حتى يتم إصلاح العقيدة في نفوس الناس، بالدعوة إلى الله، وتقوية الإيمان عن طريق أداء العبادات، وإيقاظ الضمير الديني لدى الفرد. توفير الحياة الاقتصادية الملائمة والمناسبة لأحوال المجتمع، طبقاً للمدخرات والمقومات الموجودة والممكن استغلالها لزيادة الاقتصاد في البلد، ثم الصرف والاتفاق على الحاجات الأساسية والمهمة التي تهم المواطن مثل المدارس، المستشفيات، وإعانات السلع المستهلكة.لابد من توفير وظائف كافية ومتناسبة مع عدد الدارسين والدارسات، حتى لا يحصل تأكيد لما هو موجود الآن في المجتمع، حيث يغلب الاهتمام بالتعليم والخريجين مع عدم توفير العدد المناسب لهم من الوظائف، التقليل من هجرة سكان القرى إلى المدن الكبرى، بتوجيه بعض الشركات والمؤسسات الحكومية والأهلية بفتح أماكن لها في القرى والمدن الصغيرة، مما يوفر كماً لا بأس به من الوظائف فيهما.. وهذا قد يساعد على عدم إزدحام المدن الكبيرة، ويقلل الهجرة إليها، معروف إنه كلما كان هناك إزدحام سكاني أصبح هناك إحتمال أكبر لمخالفة الوسائل الشرعية لتحقيق الأهداف الضرورية، فالخروج على النظام الاجتماعي، وسلك السبل غير المشروعة قد يدفع البعض (من الشباب وطالبي العمل) لارتكاب الجريمة، كتنفيس وانتقام من ضغوط الحياة النفسية والاجتماعية والاقتصادية. لواء شرطة متقاعد مدير إدارة المباحث الجنائية المركزية الأسبق